يكشف عن أخطر سنوات ظهور الجماعة وحقيقة أدوارها في فلسطين - ابوعلي شاهين 'الإخوان' رفضوا محاربة دولة الاحتلال بعد هزيمة يونيو
نزلت جماعة الإخوان تحت الأرض عشر سنوات, بدأت مع العدوان الثلاثي علي مصر عام56, وانتصار جمال عبد الناصر سياسيا علي بريطانيا وفرنسا ودولة الاحتلال, وانتهت مع نكسة يونيو67, وسجدوا لله شكرا علي الهزيمة العربية في عدوان مفاجيء رتبت له أمريكا وبريطانيا. فعادوا للظهور شامتين, مؤكدين أنهم الأحق بالسلطة من هؤلاء' العلمانيين' الذين يحكمون العالم' الإسلامي', فشرعوا ينشرون أفكارهم علنا مستغلين حالة إحباط الجماهير العربية من هزيمة يونيو, وتقديم أنفسهم بديلا.
في الحلقة الأخيرة عبد العزيز شاهين الشهير بـ' أبو علي شاهين' عضو المجلس الثوري في حركة فتح, والأسير17 عاما في سجون الدولة العبرية, والمتخصص في جماعة' الإخوان المسلمين', يكشف عن أخطر سنوات ظهور الجماعة وحقيقة أدوارها في فلسطين, قضية العرب المركزية, وكيف استغلوا قداستها لدي الجماهير العربية, ولماذا بدأوا في ملء ما اعتبروه فراغا مع هزيمة يونيو67, ولماذا انشقت عنهم العناصر الفلسطينية التي شكلت العمود الفقري ل
حركة فتح فيما بعد؟
يقول أبو علي شاهين:' الغريب في الأمر, وجدير بالذكر, أن جل مؤسـسي وطلائع فتح من أبناء قطاع غزة كانوا من الأعضاء السابقين لجماعة الإخوان المسلمين, وتزايد عددهم بالتدريج.. وهؤلاء جميعا عرفوا حقيقة هذه' الجماعة', أنها ظاهرة مزايدة ليس إلا.. وتتعطش للوصول إلي السلطة في أي قطر كان, ومصابة بحمي الانقلاب من أجل هذا الهدف.. وكل وسائلها تجنح إلي الإرهاب, ما أمكن لذلك سبيل, وأنها خواء سياسي- بلا شرعية تاريخية أو مشروع سياسي أو برنامج مرحلي مدروس, سواء في فلسطين أم مصر أم سوريا أم غيرها, وفي المحك تظهر حقيقتها بلا رتوش ولا عمليات تجميل, حيث تطرح الحرب الأهلية بلا خجل ولا وجل, بل ولا تخيفها بما تملك من قدرات وإمكانات وطاقات تعبوية فاشية- ليس لديها دعوة ولا دعاة- لديها مخزون هائل من الترويع والتقتيل وبدم بارد.
* لكن الذين شكلوا عصب فتح بدأوا في' الإخوان المسلمين!!
يقول أبو علي شاهين:' صحيح.. هذه الكوكبة من الرجال الذين كان جلهم من' الجماعة' وتركوها غير آسفين, ولكن' الجماعة' لم تتركهم قط- واستمرت تنتقدهم في مجالسها وفي خلواتها.. وتؤكد أن نهجهم وخطهم خطأ.. وأنهم في النهاية سيثوبون إلي رشدهم. وهكذا نجد دوما أن الخروج عن' الجماعة' له أحكام صارمة لدي أولي الأمر منهم, فهذا إطار حزبي يحظر الديموقراطية بين أعضائه, ويرفض الاختلاف بين الأعضاء.
وهنا يشير أبو علي شاهين إلي تراث الجماعة ويقول:' يتحدث مؤسـسهم حسن البنا حول المخالفين, ويؤكد بأنه قد تلبسهم الشيطان, وزين لهم ذلك, ثم يسميهم بالخوارج, ويؤكد ضرورة أخذهم بالحزم ويقول:' فإن من يشق عصا الجمع, فاضربوه بالسيف كائنا من كان', ويسترسل مبديا أسباب ذلك لأننا تأثرنا إلي حد كبير بالنظم المائعة التي يسترونها بألفاظ الديموقراطية والحرية الشخصية'.
قالها ولم يكن يملك من القوة شيئا مذكورا لتنفيذ فتواه, فكيف إذا ملك الأتباع لتلك القوة... فإنه الجنون بعينه الذي رأيناه في أكثر من مكان.. سيكون هو الأسلوب المختار والوسيلة الأمثل للتنفيذ, ولو تمثيلا بالجثث أو بإطلاق النار بفتوي لجاهل- لأنه ولي الأمر في غياب وضياع الأمر وأهله, علينا الجهر بالقول إن جميع مجموعات التكفير الإرهابية والتساؤل المنطقي.. ألم تكن هذه المجموعات من صلبهم وخرجوا من عمق إطار' الجماعة' السياسي- القائم علي الولاء لأعضائهم والبراء من غيرهم, وأما المخالف قد' تلبسه الشيطان' ؟.
لكنهم لم يمسوا أيا من الذين تقول أنت عليهم شقوا عصا الطاعة وخرجوا من الجماعة!!
يؤكد أبو علي شاهين ذلك ويقول:' معظم إرهاصات شباب الكفاح المسلح في المرحلة الأولي خرجوا من هناك, من رحمهم, وبالتالي لم ترحمهم' الجماعة' قط, ولكن ضعفهم آنذاك- أورثهم ألا ينفذوا فتوي حسن البنا علي من شق عصا الجماعة بأن يكون الحكم جاهزا:' فاضربوه بالسيف كائنا من كان', ولم تتوقف مسيرة هؤلاء الفتية الذين عقدوا العزم منذ البدايات, علي أنهم مشاريع شهادة, يمارسون الكفاح المسلح بأنفسهم ويؤكدون بالقول والعمل..' اتبعني'.. والتقوا بإخوة لهم كأنفسهم من أماكن الوجود الفلسطيني وكانت مسيرة فتح الثورة- تحمل علم الثورة حتي النصر.
وعن ذلك يروي أبو علي شاهين:'جاءت انطلاقة الثورة الفلسطينية في الفاتح من يناير1965, وأكدت' فتح' أن الوحدة الوطنية هي سلاح من أقوي وأمضي وأفتك الأسلحة من أجل التحرير الكامل للتراب العربي الفلسطيني, واشترطت لذلك أن تتم بالالتقاء علي أرض المعركة وليس في الصالونات, وعملت حركة' فتح' علي فتح الحوارات مع كل القوي والشخصيات الوطنية الفلسطينية والقومية العربية واليسار وجماعة الإخوان المسلمين- لقد استجاب الجميع بقدر- إلا' الجماعة' فإنها تحفظت.. لما تراه في بعض أعضاء' فتح' من الخوارج والمارقين ممن كانوا وانسحبوا من' الجماعة', ولهذا بقيت علاقاتهم وثيقة بياسر عرفات.. لأنه لم يكن يوما ما منهم, كان منسقا معهم في رابطة الطلبة الفلسطينيين بالقاهرة- ولكنه رفض أن يكون منهم, هل هو وعي مبكر لحقيقتهم؟.
انتدبت' فتح', والكلام لأبو علي شاهين, الأخ أبو الأديب الزعنون لحوارهم ولكنهم رفضوا فكرة الكفاح المسلح دربا لتحرير فلسطين, وكان رفضهم جملة وتفصيلا- وارتأوا غير ما ارتآه الشعب الفلسطيني بكل طبقاته وقواه وأحزابه, وعادوا لاجترار أفكارهم القديمة- بأن تحرير فلسطين ليس عبئا فلسطينيا, بل إسلاميا.. وعادوا للحديث حول الخلافة وضرورتها واستمروا في مهاجمة نهج' فتح' التحرري سياسيا واجتماعيا.
وهكذا لم تنج القضية الفلسطينية من النظر إليها بمنظار ديني, والتعامل معها علي أرضية دينية محضة وإلغاء كل ما هو قومي حول هذه القضية, ولقد أصاب المستشار طارق البشري وهو القائل حرفيا:وقد استطاعت حركة الإخوان المسلمين أن تخاطب هذا الجانب( الديني) في المصريين, وأن تمتص رد الفعل المعادي للصهيونية لصالحها, لا باعتبار أن المعركة بين الصهيونية والحركة الوطنية العربية, لكن باعتبارها معركة بين اليهود والإسلام, وأحيت بهذا ما كان قد انحسم من قضايا الخلافة والجامعة الإسلامية وبنت لنفسها باسم الدين ركيزة في مواجهة الحركة الوطنية, وأثارت ثنائية مفتعلة في حياة مصر السياسية.. ثنائية الدين والوطن'.
* لكن ما موقف الجماعة الحقيقي من فصائل' منظمة التحرير الفلسطينية'؟
يقول أبو علي شاهين:' عقدت مؤتمرات قمة عربية- وأقيمت منظمة التحرير الفلسطينية.. ولم تحرك' الجماعة' ساكنا..وكانت حرب(1967).. وكانت الهزيمة.. وسجد الكثير من' الجماعة' من الجنسيات العربية جميعا.. سجدوا شكرا لله تعالي.. أن جمال عبد الناصر قد هزمته الصهيونية(!!), والحقيقة أنهم وجدوا في هزيمة(1967)- هزيمة لكل ما هو وطني وقومي وتقدمي.. لكل هؤلاء من الأفراد والثقافة والمشاريع والتحالفات والحاضر والمستقبل- وشنت هجوماتها ضد( الوطنية المقاتلة والقومية المستوردة والتقدمية الملحدة)!! ومنذ تلك الهزيمة طرحت نفسها البديل الوحيد للتغيير في المنطقة عربيا وإقليميا, ولسان حالها يقول- ألم ينهزم المشروع القومي العربي الوحدوي التقدمي- وتجيب نفسها بنفسها..( إذن نحن البديل) مستغلة المشاعر الدينية.. أيما استغلال, بل وأبشع استغلال, مجندة ومسخرة الدين لخدمة مآربها الحزبية ضيقة الأفق, ولخدمة تحالفاتها مع واشنطن لمحاربة الإلحاد الشيوعي ومحاربة التقدمية في أي صقع من أصقاع الدنيا.
وعن مؤتمر فتح وانطلاقة الثورة بعيدا عن الجماعة يروي شاهين:' التأم المؤتمر الحركي الفتحوي الثاني بدعوة من الأخ خليل الوزير( أبو جهاد) في منزله بدمشق, إثر هزيمة يونيو1967 يومي12 و1967/13 يونيو وتقرر الانتقال من مرحلة حرب العصابات( المرحلة الأولي) إلي المرحلة الثانية من الكفاح المسلح ممثلة بحرب التحرير الشعبية, والعمل للانتشار الحركي كما وكيفا علي مستوي الشعب الفلسطيني, والعمل لتحقيق البعد القومي العربي الداعم لقضية شعبنا, وإقناع الحكومات العربية بحياد فتح, الاتصال بالأفراد والقوي والحركات والحكومات المناهضة للاستعمار والصهيونية لكسب دعمها والاستفادة من تجاربها, وتعميق الصلات بمنظمة التحرير ومؤسساتها وجيشها, والعمل الإعلامي المكثف, وخصوصا تأمين إذاعة باسم الحركة, وكذلك تهيئة الأرض المحتلة للعمل العسكري.
وتم إثر ذلك.. الاتصال بجميع القوي والفعاليات والقدرات السياسية ومنها جماعة الإخوان المسلمين, التي رفضت المشاركة من جانب واحد ورفضت أن تمارس من جانبها أي دور ضد الاحتلال في الضفة والقطاع- منتظرة جني ثمار الهزيمة العربية في حرب1967, وأعلنت بياتا شتويا إراديا- وما دامت لم تتعرض للاحتلال من قريب أو بعيد.. ولا بأي صورة من صور الاحتجاج أو الاستنكار أو الرفض, ولو رفضا شفويا, فإن الاحتلال كذلك تركها في حالها تعمل( لأسلمة المجتمع) فهذا الأمر لا يضير الاحتلال.. فالاحتلال يضار بطرق عدة.. ما عدا الطريق الذي اختارته جماعة الإخوان المسلمين, واستمر تأكيدهم أن الحل لما يجري هو عبر حكومة الأردن, فالوحدة الدستورية ما بين الضفتين ما زالت قائمة, ودور تحرير الأرض هو دور الحكومة الأردنية في استعادة الضفة, وأما قطاع غزة فلم يؤت علي ذكره- إلا بحديث الشيخ أحمد ياسين في السنوات الأخيرة.. وقوله بالهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل وموافقته في السبعينيات علي الحكم الذاتي.
* لكن كيف أصبحوا قوة سياسية في الشارع الفلسطيني وهم يؤدون هذه الأدوار؟
يقول أبو علي شاهين': كانت ممارستهم في قطاع غزة والضفة الغربية استمرارا لموقفهم من حركات التحرر الوطني عموما, فمثلا قاموا بالاعتداء علي المقر المركزي لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بقطاع غزة وحرقه بجميع محتوياته( المكتبة والمكاتب والمعدات والأدوية وغرف الكشف- والقاعة), وحرق الكثير من الممتلكات الخاصة, وذلك بسبب خسارتهم الانتخابات الخاصة بالجمعية والتي نجح فيها تحالف اليسار الوطني بقيادة د. حيدر عبد الشافي, وقاد المتظاهرين مسئول الدعوة' للجماعة' في مدينة غزة وليد حمدية, والذي ثبتت عمالته لجيش الاحتلال, واعتقله جهاز الأمن الوقائي, وقامت زعامة حماس بمحاولة قتله مع زميلين له في سجن غزة المركزي( بعد أن تأكدت من عمالته, واعترف بأنه المسئول الأول عن اغتيال قائد حماس العسكري لقطاع غزة المناضل الشهيد عماد عقل), إلا أنهم أصيبوا بجراح, نقلوا علي إثرها إلي مستشفي دار الشفاء بغزة, فقامت مجموعة من حماس بمهاجمة المستشفي وأجهزت عليهم عام.2004
وقامت مجموعة الكتلة الإسلامية أي جماعة الإخوان المسلمين في جامعة النجاح الوطنية بإلقاء محاضر من شباك الدور الثالث بالجامعة لاختلافه معهم في وجهات النظر السياسية وهو من أنصار اليسار الوطني الديمقراطي الفلسطيني, بل وغالت' الجماعة' في عدوانها علي التيار الوطني.. بالعصي والجنازير والبلطات والسيوف علي الشباب وعلي الصبايا, كما حدث مرارا في الجامعة الإسلامية بغزة بحجة رفض خروج المظاهرات من الجامعة... لأن الجامعة للدراسة وليس لأعمال الشغب, علي حد قولهم.
وهنا يكشف أبو علي شاهين:' لا بد من تبيان المزيد من أهواء هذه' الجماعة' حيث توجهت في أكثر من محاولة للاعتداء علي شباب حركة الجهاد الإسلامي الناشئة حينئذ... واصفين إياهم بنعوت سيئة... ولعل أسوأها أن هذه الحركة قد غيرت مذاهب أعضائها وأصبحوا شيعة, ومن هنا بدأ استعمال هذه الكلمة, إن حركة أمل الشيعية قد قاتلتنا في حرب المخيمات في لبنان, ولكن لم نستعمل( فتح وحلفاءها من فصائل المنظمة) مثل هذه التعابير السخيفة- إن' جماعة الإخوان المسلمين' أول من استورد هذه الأوصاف التي لا تليق بالمرحلة الوطنية ولا بالتاريخ العربي الفلسطيني ولا بتاريخ عطاء أهلنا من الطائفة الشيعية في أرجاء الوطن العربي والعالم بأسره.