ويكشف ايبان انه من لقائه مع كيسنجر توجه فورا الى مقر اقامة رئيس ساحل العاج، هوافييه بونييه، أحد أخلص أصدقاء اسرائيل، الذي أعرب عن قلقه من الضغوط التي يمارسها العالم الاسلامي حول مكانة إسرائيل في أفريقيا. واتهم الولايات المتحدة بترك أفريقيا عرضة للنفوذ الاسلامي والشيوعي. وطلب من اسرائيل أن تمارس نفوذها لدى الأميركيين لزيادة الانتباه لهذه القضية. ويروي ان رئيس زائير، موبوتو، أطلق تصريحا في نفس اليوم، حالما وطأت قدماه أرض ميناء نيويورك البحري، قال فيه بصراحة متناهية إن اسرائيل هي دولة صديقة ومخلصة في صداقتها ولكنه ملزم بقطع العلاقات معها. والسبب في ذلك أن العرب هم أخوة واسرائيل صديقة، والناس يستطيعون اختيار الأصدقاء ولكنهم لا يختارون الأخوة. ويضيف ايبان انه واصل لقاءاته مع وزراء خارجية الدول المختلفة، على أمل تحسين العلاقات بينها وبين اسرائيل، وبينما كان في عز لقائه مع نظيره النيجيري ليحاول اقناعه بالامتناع عن قطع العلاقات، جاءته المكالمة الهاتفية التي تبلغه بالرسالة المتوقعة عن الحرب.
وفيما يلي حلقة جديدة من تقرير لجنة أغرنات، الذي يتناول النشاطات السياسية في الولايات المتحدة.
ملحق ب
* خطوات سياسية خارج البلاد يومي 5-6 أكتوبر 40. في الأيام التي سبقت نشوب الحرب وحتى يوم الغفران، مكث وزير الخارجية (أبا ايبان)، في نيويورك ونشط هناك في مقر الأمم المتحدة. حسب أقواله، فإن الحرب داهمته وداهمت وزارته بالمفاجأة، بما يتناقض والتقديرات حول الوضع العسكري (شهادة الوزير ايبان، صفحة 723): لهذا التقدير كان وزن كبير بل حاسم من تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية. فقد كان التوجه بأن احتمالات الحرب ضعيفة وانه في حالة إقدام السادات على البدء بها (الحرب)، فإنه سيتلقى ضربة بحيث تتعاظم قوة الردع عندنا وليس أن تضعف.
وشرح الوزير ايبان للجنة (التحقيق) بأن مصلحة اسرائيل كانت تقضي بالتخفيض من حدة توتر التوقعات بنشوب الحرب. واوضح أنه لا يقصد هنا مسألة الاستعدادات، بل قضية التوقعات السياسية. واقتبس الوزير الأقوال التالية على انها تعبر عن توجهه: «نستعد بيقظة وجدية لكل امكانية خطيرة، ولكننا لا نتجاهل أن تكون هناك حملة تخويف دولية، وهي حملة لا توجب أن نتعاون معها» (صفحة 738). كما انه ذكر النص الذي قدمه كنصيحة الى الذراع الأمنية، الافتراض بأن حربا ستقع، و(نصيحة) إلى الذراع السياسية بالافتراض أن هناك امكانية لمفاوضات سلام (صفحة 738).
وحسب أقوال الوزير فإنه حتى الرابع من أكتوبر، فإنه حتى الولايات المتحدة الأميركية لم تكن واعية لأزمة قريبة. ففي اليوم نفسه جرى الحديث مع د. كيسنجر (وزير الخارجية الأميركي في ذلك الوقت، د. هنري كسينجر)، عن اجراء بحث بين وزير الخارجية حول الخطوات القادمة، عندما يصل السيد ايبان الى نيويورك في المرة القادمة. والهدف كان أن يتم ذلك في فترة ما بعد الانتخابات العامة في اسرائيل، والتي كان مقررا أن تجري في نهاية أكتوبر، حيث سيتواجد في الولايات المتحدة أيضا وزير الخارجية المصري، د. زيات (رسالة وزير الخارجية الى لجنتنا من يوم 74. 1. 29).
41. في ساعات الصباح الباكر من يوم 5 أكتوبر، حسب ساعة نيويورك، وصلت الى السيد مردخاي شيلو، القائم بأعمال السفير الاسرائيلي في واشنطن (السفير سمحا دنيتس، تواجد آنذاك في إسرائيل بسبب وفاة والده)، برقية سرية للغاية (وثيقة البينات 89\أ)من مردخاي غزيت، مدير عام ديوان رئيس الوزراء، كانت قد أرسلت من القدس في الساعة 11:40 قبل الظهر حسب توقيت اسرائيل، وهذا نصها: «بعد مدة ما ستصل اليكم برقية تلزم بلقاء طارئ مع (وزير الخارجية الأميركي). استوضح أين هو موجود. في نيويورك أو عندك. أبلغ الأمر لوزير الخارجية. فإذا كان في نيويورك، انضم اليه في هذا اللقاء. فإذا كان في واشنطن، التقه وحدك. اللقاء يجب أن يكون مختصرا، فقط أنت وايبان. يجب إجراء اللقاء في ضحى هذا اليوم».
السيد شيلو أبلغ الوزير ايبان فورا بنص البرقية. في المحادثة (بينهما) افترض السيد ايبان أن يكون الموضوع يتعلق بالوضع الأمني، وإلا فلماذا يجب أن يعقد لقاء آخر وطارئا مع د. كسينجر. مع الاستيضاح، تبين أن د. كسينجر موجود في نيويورك وكان مشغولا في لقاءات مع وزراء الخارجية، ولا مجال لتحديد ساعة محددة للقاء بينه وبين الوزير ايبان. ولكن تم الاتفاق على انه حال وصول المادة، يرفع السيد ايبان سماعة الهاتف وحسب المضمون (مضمون البرقية) يجدا لهما وقتا للقاء أو الاتصال. مرت كل ساعات الصباح ومعظم ساعات بعد الظهر والمواد لم تصل. مساعدو د. كسينجر سألوا إن كانوا ما زالوا يطلبون المحادثة، إذ أن د. كسينجر سيكون مشغولا في المساء. وقد اقترح المساعد العسكري للدكتور كسينجر، الجنرال سكوكروفت، الذي تواجد عندئذ في واشنطن وهو جنرال يتمتع بمكانة عالية في البيت الأبيض والمساعد السياسي والعسكري لكسينجر في البيت الأبيض (شهادة رئيسة الحكومة، صفحة 4502)، وشخصية (أخرى) ذات مكانة هامة، اقترح باسمه وباسم د. كسينجر، بأن يتم تحويل المواد اليه حالما تصل، وهو سيعرف كيف يجد كسينجر في أية لحظة يحتاجونه فيها (شهادة الوزير ايبان، صفحة 742).
في النهاية وصلت البرقية من البلاد، في الساعة 17:30 حسب ساعة نيويورك، وفقا لشهادة الوزير ايبان (صفحة 742). وفي برقية السيد شيلو الى السيد غزيت في الساعة السادسة يبلغ «لقد تلقيت البرقية كاملة في الساعة 16:30» (وثيقة البينات رقم 268)، ونفهم بأن الساعة 17:30 هي الساعة التي سمع فيها السيد ايبان في نيويورك عن البرقية. البرقية أرسلت بهلع من السيد غزيت الى السيد شيلو في الساعة 18:10 حسب توقيت اسرائيل (*) وهذا نصها (وثيقة البينات رقم 267): «رئيسة الحكومة تطلب ما يلي: 1ـ هذا بلاغ (الى د. كسينجر). الرجاء توصيل مضمونه حرفيا وبدقة». وفي ما يلي مضمون البلاغ، وأهم ما جاء فيه:
«(1) المعلومات المتوفرة لدينا ألزمتنا بان نأخذ بالاعتبار بأن تشكيلات قوات العدو ناجمة عن دافعين: أـ تقدير بريء من طرف إحدى الدولتين بأننا ننوي مهاجمة كلتيهما أو واحدة منهما. ب ـ نيتهما، أو نية إحداهما، لمهاجمتنا.
(2) إذا كان هذا التطور ناجما عن خوفهما من عملية نقوم بها نحن، فإن هذه المخاوف لا أساس لها من الصحة قطعيا. اننا نريد أن نتعهد له شخصيا بأنه لا توجد لدى اسرائيل أية نية للبدء بعملية عسكرية ضد سورية أو مصر، بل نحن على العكس، ننشد المساهمة في تهدئة التوتر العسكري في المنطقة. لذلك فإننا نريد بوساطته (بوساطة د. كيسنجر) اللطيفة أن يبلغ العرب والسوفيات عن توجهنا، بهدف تبديد مخاوفهم واعادة الهدوء الى المنطقة.
(3) إذا كانت سورية أو مصر تنويان مهاجمتنا، فإن من المهم التوضيح لهما سلفا بأن اسرائيل سترد بشدة وبقوة كبيرة. نريد أن يوصل هذا الى العرب والسوفيات في القنوات المتوفرة لديه.
2ـ بشكل منفرد.. ستحصل على توجيه وتقارير استخبارية .. سلّمّ هذا التوجيه خطيا (الى د. كسينجر)..».
السيد شيلو طلب لقاء مع الجنرال سكوكروفت في واشنطن وسلمه البرقية وكذلك التقديرات الاستخبارية. الجنرال رد بشكل (بدا منه) «كمن ارتاح»، واضاف بأنه طلب في اليوم نفسه مرتين الحصول على تقديرات استخبارية من عناصره وأن التقدير قال إن مسألة العمليات العربية هي قضية دفاعية (شهادة الوزير ايبان، صفحة 745). وقد أرسل رد الجنرال سكوكروفت الى البلاد، والوزير ايبان ذهب ليصلي صلاة النذر (وهي الصلاة الجماعية التي يقيمها اليهود عشية كل يوم غفران من السنة وفيها يبتهلون الى الله سبحانه وتعالى أن يلغي النذور التي قطعوها على أنفسهم ولم يستطيعوا ايفاءها بسبب النسيان او الخطأ). وقد افترض بان كسينجر سيبلغنا بعد يوم أو أية فترة أخرى من تسلمه الرسالة بما يقوله السوفيات أو السوريون أو المصريون عن الموضوع.