الرئيسية
أحدث الصور
من طرف زائر 2008-05-26, 8:02 pmفلسطين
فلسطين.. أيا أغنيتي الجريحةِ النازفةِ كلَّ يوم.. يا وطني الذي لم أزره.. يا عيوني التي اقتُلِعت من قبلِ أن أُرزَق بها.. يا حزنيَ القريب.. و يا سعادتي البعيدة.. فلسطين.. أيا أرضكِ القابعةِ بين ضلوعي.. يا بنيَّتي التي لم ألِدها.. يا اخوتي الذين لم أرهم ... يا أبي وأمي وأهلي المغصوبينَ مني.. أيا أشجارَ الليمونِ التي لم أشمَّ شموخَها.. يا نهرَ الكرامةِ الذي لم أستقِ إباءَه .. يا حبي الغائبَ عن نظري.. الساكنَ قلبي قبل أن أسكنَ الحياة .. فلسطين...
وأيُّ كلامٍ باتَ ينفعُ فيكِ وكلُّ الكلامِ بعدكِ بات باهتاً.. وأيةُ عباراتٍ باتت تملأُ ثنايا حروفك .. وكلُّ العباراتِ المكوَّنة بغيِر حروفِ اسمكِ باتت خاوية.. وقد خجِلت الحروفُ أن تتكونَ كلاماً مصوغا ً.. وما خجلَ الناسُ أن يتكونوا قطعاناً مصُوُغَة .. وقد خجلَت العباراتُ من أن تُنطَق فيكِ.. وأنت كل الكلام وآخر العبارات...
كان كل شيء حولي ينبض بالحياةِ كما يجب .. كنت أملك أبي وأمي وأهلي وأصحابي.. وتحت قدميَّ أرضٌ لي أمشي عليها.. وكان لي بيت أعود له كل يوم.. وكان لي أشياء .. تشبه الأحبة..كانت الصورة تتسمُ بالكمال .. و سرعان ما حدثت أشياءٌ كثيرةٌ ... أشياءٌ فظيعة .. سمعتُ بها فلم أُصدق .. شممت رائحتها و لم أصدق .. حتى أ ني قد رأيتها .. و بالكاد صدّقت ...
وطني فلسطين ..!!! أ هكذا سرقك المعتدون .. أ هكذا دمرك الغاصبون .. !! أما كنتُ أسمعُ قصةً أو حكاية .. أكان اغتصابك حقيقةً عجزتُ عن فهمها كل هذه الأعمار ... آهٍ يا فلسطين العزيزة ... ما كنت أعرفُ أنَّ طعمَ الظلمِ مر .. و أنَّ لون الدمِ مر .. و أن هذا العمر من دون وجودكِ فيهِ أضحى بالهوانِ بعدكِ مر..
فديتكِ بروحي إذن ... فديتكِ بأهلي و أحبائي ... أوَ للحياةِ قيمةٌ إن كنا أحراراً من دونِ حرية .. أوَ للحياةِ مجدٌ إن كانت رؤوسُنا مرفوعةٌ هنا و مُنكَّسةٌ هناك ..
كلما سمعتُ أن طفلا قد قُتِل .. سقطَ جزءٌ من عالمي .. كلما عرفت أن شيخاً قد ذُبِح .. سقط شيءٌ من كبريائي .. آهٍ على كبريائي كم كانَ عظيماً وكم صار باهتاً ... آهٍ على رأسي كم كانَ كبيراً و كم باتَ تائها.... ما ظننتهُ عالماً كاملاً صارَ عالماً ناقصاً صاغراً كأنهُ فراغ ...
دارَ بنا الزمان .. و صرنا بعدَ أن كنا نتسابقُ إلى صفوفِ الشمس نقبعُ في أقصى قيعان الأرض ... و نُنكِّسُ رؤوسنا حتى لا نُرى ... و ربما حتى لا نَرى ما يتحتّمُ علينا أن نراه ... و حتى لا نسمعُ ما يجبُ علينا أن نسمعه .. و حتى لا نصنعَ ما خُلِقنا حتى نؤدِّيَه .. صرنا نكتفي بالتفرٌّجِ على ما يُفرَضُ على عيوننا ... و صرنا نسمعُ ما يُطرَحُ على مسامِعِنا .. و حتَّى الأفعالُ صرنا نُقنعُ أنفسنا بأنَّ هذا الذي نصنعُ و ما نشغِلُ أنفسَنا به منذُ أن نُخلَقَ حتى نندَثِرَ هو واجبنا و حسب .. فنعيشُ كما تعيشُ الدَّواب ..نحيا و نموتُ كما تحيى و تموتُ الدواب .. مُخلفينَ وراءنا أولاداً لا يقِلون سوءاً عنا بل و ربما أسوأ ... و تستمرُّ الحياة .. و فِلسطينُ هناك .. و نحنُ نكتفي بأن نتظاهرَ بالنسيان ... حتى صرنا طيَّ النسيان .. و صار تاريخنا طيَّ النسيان ... و صارت حضارتنا طيَّ النسيان ... حتى حاضرُنا صارَ طيَّ النسيان من قبلِ أن يولد ...
تلبُّدُ المشاعِرِ هذا يقتلُ الدمعَ في عيوني ...و يطفىءُ بريقَ المستقبل ... و يلعنُ يوماً جديداً قد يسطع ... أما من دماءٍ حاميةٍ في هذي العروق ... !!؟ أما من نخوةٍ و كرامةٍ في هذي الدماء الزرقاء ... أما من صوتٍ يساندُ صوتي .. أم أنَّ كلَّ الحناجرِ قد سُدَّت ... و كلُّ الأصواتِ قد بُحَّت ... و كلُّ الآذانِ قد صُمَّت ...
ويحٌ لنا ...قد بتنا نتظاهرُ أننا لا نسمعْ .. و نتجاهلُ ما يدورُ و ما يُصنَعْ .. لمن غنت فيروزُ : الآنَ الآنَ و ليسَ غداً .. أجراسُ العودةِ فلتُقرَع .. ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
سُحقاً لنا ... عيبٌ علينا أن نعرِفَ و لا نفعلَ شيئاً .. أ ن نفهمَ و لا نفعلَ شيئاً ... تباً لنا ... ليتنا بقِينا لا نعرف فلا نفعلَ شيئاً .. و لكن عيْبٌ أن نعرفَ و نفهمَ و نتظاهرَ بالغباء و نقفَ متفرجينَ و نهرُ الإباءِ يسيرُ تحت أقدامنا و دمُ الحرِّيةِ يُسفَكُ على ثرى فلسطين ....فلسطينُ يا حبيبتي .. باعكِ الأغبياءُ بنقطتيْ حبرٍ و رزمتيْ ورقْ ... فأين سنهربُ من لعنةِ الضمير... باعوكِ ... و أيُّ عزاءٍ ينفعُ فيكِ ... و أنتِ العزيزةُ الباقية .. و هم الفانون ... فأين سيذهبون من لعنةِ دماء الأطفال و النساءِ و الثُّوار ...
كنا نتسابقُ إلى الكلمات ... كنا عربا أصحاب كلامٍ و ادعاء ..الفعلُ يستصرخُنا فلا نشمُهُ ولا نتنسَّمُه ... حتى بتنا عرباً لا أصحابَ فعلٍ و لا كلمة ... حتى الكلامَ الذي باتَ يستصرخُنا صرنا لا نشمُهُ ولا نتنسَّمُه ...بتنا نلفُّ رؤوسَنا بَخيبات الأمل .. و نبرّرُ هذا وذاك .. نحنُ لا نستطيع .. نحن لا نقدِر .. ربّانا الغاصبون ... علَّمونا دروساً في الذُّلِّ و الهوان ... الدَّمُ تجمَّدَ في عروقنا .. باتَ الدمُ العربيُّ عِملةً نادِرة ... لا أراهُ إلا جارياً أنهاراً عطِرة على ثراكِ القُدسي ... ما عادَ ظلمُ الحقِّ يعني لنا أن نهُبَّ هبَّةَ رجُلٍ واحد ... و فلسطينُ الرأس تنتحب ...
لم أعُد أثِقُ بالأسماء إلا اسمك ... يا أقحوانيةً سكنت جفوني ... يا أبناءك ِ ... سجِّل أيها التاريخ ... سجِّل أبناء فلسطين ... لا رجالَ إلا رجالها ... هذا الثائرُ للحقلِ و العصفورِ و المحجر ... هذا الثائرُ للغصنِ و الزيتونِ و الزعتر ... هذا القائلَ لا لن نصغر ... هذا الذي ما قالَ إلا اللهُ أكبر .. اللهُ أكبر على كلِّ من طغى و تجَبَّر ... فزغردي يا فلسطين ... صَمَّ العالمُ آذانهُ إلا أبناؤكِ مستمعين ... قد ذابوا فيكِ فلا تشحبي ولا تحزني ...
حبيبتي فلسطين ... يا من تبقى و نحنُ نروحُ و نأتي ... يا من صنتِ المواثيقَ و نحنُ ما حفظناها ... امنحيني شرفَ الموتِ على أرضكِ لتختلطَ دمائي بثراكِ القدسي ... ولْتتفتَّت عظامي تحتَ صخوركِ الحنيَّة ... و لْأَمُتْ ... و لْتعيشي أنتِ ..فتبّاً لحياةٍ فيها الناسُ يلهون و يضحكون ... و أنتِ تبكينَ و تستصرخين ..
فلسطين ... و ماذا بعد ... فلسطين ... و لينتهي السطر بعدَ اسمك ... و لْيسكت العالم ... و لْتسقط جميعُ الأقنعة ... و لْتبقََيْ أنتِ الحقيقةَ الوحيدة ... فلسطين ... أيُّ ظُلمٍ أنتِ فيه ... و أيُّ إباءٍ أنتِ فيه ... و ما الظلمُ عليكِ بسلطان ... وما عليكِ سيِّدٌ و أنتِ سيدةُ الرِّجال ... و قد أضحى الرجالُ من غير أبنائك نساءً ... أنتِ تصنعين .. و العالمُ يتفرّج .. لا لن أقولَ عودي يا حبيبة .. فأنتِ يوماً لم تذهبي ... و شموخكِ لم تبرحي .. و لكن نحنُ عائدون .. إليكِ سائرين .. لا عزَّ إلا بكِ .. و لا بيتَ إلا فوقَ أرضك ... مشرّدونَ حتى نعودَ أو نموت دونك .. فاذكريني يا فلسطين ... فأنا لم أنساكِ يوماً ... و لا تسامحي تقصيري ... فأنا لم أغفر لنفسي يوماً ...
كلنا عرب
[/b][/size][/b][/size][/color]
