بين التاريخ والواقع: الذكرى الخامسة لسقوط بغداد بقلم د. راغب السرجانى
خمس سنوات على رفع العلم الأمريكي وسط بغداد
سيظل يوم التاسع من إبريل يومًا حزينًا في أحاسيس كل مسلم مهتم بأمر دينه ووطنه الإسلامي؛ ففي هذا اليوم منذ خمس سنوات في عام 2003م تم سقوط بغداد أمام القوات الأمريكية المعتدية، بعد تخلِّي الجيش العراقي، وفدائيي صدَّام عنها، ونجاتهم بأرواحهم بالاتفاق مع الأمريكان.
ومنذ ذلك اليوم والعراق الشقيق الذي ظل مئات السنين محضن الخلافة الإسلامية يعيش في اضطرابات ومعارك داخلية، وصار يطفو فوق بحر من الدماء
لم تترك لنا أخبار العراق الدامية طوال هذه السنوات فرصةً للسعادة الحقيقية أو الراحة النفسية؛ فقد ظلت أخبار القتلى الأبرياء، وضحايا إجرام القوات الأمريكية، والصراعات المذهبية، والمرتزقة، ظلَّت تُلِحُّ علينا بكوابيس أقضَّت مضاجعنا، ومنعتنا الراحة.
ومع ذلك فقد كان هناك من المسلمين من أصابه الضجر والسأم من متابعة هذه الأخبار؛ فقلَّل من متابعتها؛ حتى لا تدمي قلبه، أو يأسًا من حدوث تغيير، كما كان هناك من لم يهتم بأمر العراق واحتلاله من الأصل.
ولقد وضعنا على موقعنا استبيانًا حول متابعة روَّاد الموقع لأخبار العراق؛ فكانت نسبة من يتابعونها بقوة 30.5%، ونسبة من يتابعونها قليلاً 42.9%، بينما كانت نسبة من لا يتابعونها أصلاً 26.6%.
إذن تمثل نسبة ضعف الاهتمام عمومًا بمتابعة أخبار العراق 69.5% من جملة المشاركين، وهذه نسبة ضخمة لا بد من تفسيرها؛ فالأحداث في العراق تجذب الملايين في العالم من مختلف الجنسيات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية لمتابعتها؛ فكيف يكون اهتمام المسلمين بها قليلاً؟!!
إن قِلَّة الاهتمام هذه يمكن تفسيرها بالأسباب التالية:
أولاً: إِلْف المأساة؛ فقد اعتدنا أن تطالعنا الأخبار كل يوم بأخبار العشرات والمئات من القتلى، وبأخبار الصلف الأمريكي في تحكمه في ثروات ومقدرات، وكرامة العراق وأهله، واعتدنا أن نسمع عن تفجيرات في الأسواق، وأن نطالع اعتداءات الشيعة على أهل السنة، وغير ذلك كثير.
مذابح يومية
كل هذا اعتدناه؛ فلم يعُدْ يؤثِّر فينا بكثير أو قليل. وإلف الشيء يقتل أهميته مهما كانت، والذي لا يستشعر حرارة الدم المسلم المهراق على أيدي أعداء الله يستحق أن ينطبق عليه قول الشاعر:
مَن يَهُن يسهل الهوان عليه مـا لجرح بميت إيلام
وقد رُويَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهِ، وَدَعْ مَا تَصْنَعُ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ. ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ؛ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ". ثم قال: "{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله: {فَاسِقُونَ} [المائدة: 78- 81]". ثم قال: "كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا"1
وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا إلا أنه يمثِّل حال إلف المجتمع للخطأ أفضل تمثيل؛ إذ يتعود المجتمع على الوضع الخاطئ، فيتعايش معه دون حرج، بل تصبح علاقته بمرتكب الخطأ طبيعية، لا يأمره بخير ولا ينهاه عن شر، فضلاً عن مقاومة أفعاله الفاسدة المخرِّبة.
ثانيًا: الإحباط؛ فإن كثرة المصائب، وتواليها قد أصاب الكثيرين بالإحباط واليأس من القدرة على تغيير الأوضاع. إن الأمة الإسلامية تعيش في تدهور وأزمات طاحنة، وتسلط من أعداء الله عليها منذ عشرات السنين؛ إذ تخلَّت بمحض إرادتها عن أسباب النصر المتمثل في تطبيق شرع الله I تطبيقًا سليمًا، ومن ذلك الأخذ بأسباب القوة والعلم، وفَهْم الأوضاع الدولية؛ فأوكل الله أبناءها إلى أنفسهم؛ فكانت النتيجة أن انتهز أعداء الأمة الفرصة، وتسلَّطوا عليها، وغلبوها على أمرها.
كل هذا جعل هناك أجيالاً لم ترَ زمنًا لعزة الإسلام والمسلمين؛ فكان من الطبيعي أن تشعر هذه الأجيال والجموع بالإحباط واليأس من التغيير.
اللون الأحمر يشير إلى بعض جروح المسلمين
ثالثًا: كثرة الهموم في العالم الإسلامي؛ فجَنَبَات العالم الإسلامي تَئِنُّ بجراحها، والذي يطَّلِع على خريطة العالم الإسلامي يجد الدماء المسلمة تنزف في مواطن عديدة، وعلى أيدي مجرمين ينتمون لمختلف الأديان والأعراق؛ فجراحنا كثيرة كفلسطين ولبنان والتبت والسودان وأفغانستان والشيشان والبوسنة وكوسوفا وغيرها كثير؛ ومِن ثَمَّ يجد المسلم الملتزم الذي يهتم بأمر المسلمين صعوبة في متابعة السيل المتدفق من الأخبار عن كل جرح نازف من هذه الجروح؛ فيكتفي بمتابعة ما يصل إليه من أخبار، أو بالأخبار الضخمة غير المتكررة يوميًّا.
رابعًا: الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تمر بكثير من بلاد العالم الإسلامي؛ فهذه الأزمات تترك المسلمين تائهين في الأسواق بحثًا عن لقمة العيش، أو عن عمل إضافي، أو عن سعرٍ أرخص لمنتَج أساسي. وحينها لا يصبح للناس حديث إلا عن الدرهم والدينار، وإلا عن الأسعار والغلاء، بل قد يهرب الناس من كل همومهم الداخلية والخارجية وينشغلون بالحديث عن مباراة لكرة القدم، أو عن زواج فنانة، أو عن هروب مستثمر بأموال الشعوب.
خامسًا: شعور المواطن المسلم بالقهر في بلاده وعدم قدرته على التعبير عن رأيه؛ فمن أهم أسباب استمرار المتابعة شعور الفرد بالقدرة على التعبير عن رأيه بحرية في القضايا التي يتابعها، ومِن ثَمَّ شعوره بقدرته على التأثير في مجتمعه، ونشر فكرته، وصولاً إلى شعوره بالقدرة على تغيير الواقع الدامي.
إن الشعوب المقهورة التي فقدت إرادتها، وقدرتها على التغيير، وصلت إلى مرحلة ابتلاع الألسنة خوفًا ممَّا قد يصيبها من أذى، هذه الشعوب عاجزة عن التغيير، لا أقول في مستقبل العراق، أو فلسطين، أو غيرها، بل عاجزة عن تغيير واقعها هي نفسها.
إلى متى الهوان؟؟
سادسًا: الصراعات الداخلية الكثيرة في العراق مما جعل الناس تزهد في متابعة الموضوع؛ فقد اشتعلت في العراق - بجوار الحرب بين المسلمين والأمريكان - حروب أخرى وصراعات بين أبناء البلد الواحد، أخذت أشكالاً متعددة، وصورًا شتَّى؛ فهناك صراع مذهبي بين السنة والشيعة سالت فيه دماء أهل السنة أنهارًا، وصاروا لا يأمنون على أنفسهم وذويهم من الشيعة أكثر من خوفهم من الأمريكان.
وهناك صراع على وَحْدة العراق كما يريد السُّنة والمخلصون للعراق والأمة، أو تمزيقه إلى دويلات مستقلة، أو حكم فيدرالي كما يريد الشيعة، وبعض أحزاب الأكراد.
كما اتخذ ذلك الصراع شكلاً تنافسيًّا بين الشيعة بعضهم بعضًا؛ فقامت صراعات بين جيش المهدي وغيره من الشيعة التابعين لمراجع النجف.
كل هذا أشعر الكثيرين أن الأمر قد صار صراعًا داخليًّا، وحربًا أهلية؛ فنأوا بأنفسهم عن متابعتها؛ فالنفس تضيق بالصراعات الداخلية التي تستنزف جهود الأمة، والأجدر بكل من يحمل سلاحًا أن يوجِّهه إلى صدور الأمريكان المعتدين، لا إلى صدر أخيه في الدين والوطن، ولو اختلف معه في المذهب، أو الأهداف والوسائل السياسية.
ورغم كل شيء فإن أمريكا ما زالت موجودة في العراق، فهل اقترب رحيلها أم ما زال أمامها الكثير؟!
خمس سنوات على رفع العلم الأمريكي وسط بغداد
سيظل يوم التاسع من إبريل يومًا حزينًا في أحاسيس كل مسلم مهتم بأمر دينه ووطنه الإسلامي؛ ففي هذا اليوم منذ خمس سنوات في عام 2003م تم سقوط بغداد أمام القوات الأمريكية المعتدية، بعد تخلِّي الجيش العراقي، وفدائيي صدَّام عنها، ونجاتهم بأرواحهم بالاتفاق مع الأمريكان.
ومنذ ذلك اليوم والعراق الشقيق الذي ظل مئات السنين محضن الخلافة الإسلامية يعيش في اضطرابات ومعارك داخلية، وصار يطفو فوق بحر من الدماء
لم تترك لنا أخبار العراق الدامية طوال هذه السنوات فرصةً للسعادة الحقيقية أو الراحة النفسية؛ فقد ظلت أخبار القتلى الأبرياء، وضحايا إجرام القوات الأمريكية، والصراعات المذهبية، والمرتزقة، ظلَّت تُلِحُّ علينا بكوابيس أقضَّت مضاجعنا، ومنعتنا الراحة.
ومع ذلك فقد كان هناك من المسلمين من أصابه الضجر والسأم من متابعة هذه الأخبار؛ فقلَّل من متابعتها؛ حتى لا تدمي قلبه، أو يأسًا من حدوث تغيير، كما كان هناك من لم يهتم بأمر العراق واحتلاله من الأصل.
ولقد وضعنا على موقعنا استبيانًا حول متابعة روَّاد الموقع لأخبار العراق؛ فكانت نسبة من يتابعونها بقوة 30.5%، ونسبة من يتابعونها قليلاً 42.9%، بينما كانت نسبة من لا يتابعونها أصلاً 26.6%.
إذن تمثل نسبة ضعف الاهتمام عمومًا بمتابعة أخبار العراق 69.5% من جملة المشاركين، وهذه نسبة ضخمة لا بد من تفسيرها؛ فالأحداث في العراق تجذب الملايين في العالم من مختلف الجنسيات والأديان والمذاهب والاتجاهات الفكرية لمتابعتها؛ فكيف يكون اهتمام المسلمين بها قليلاً؟!!
إن قِلَّة الاهتمام هذه يمكن تفسيرها بالأسباب التالية:
أولاً: إِلْف المأساة؛ فقد اعتدنا أن تطالعنا الأخبار كل يوم بأخبار العشرات والمئات من القتلى، وبأخبار الصلف الأمريكي في تحكمه في ثروات ومقدرات، وكرامة العراق وأهله، واعتدنا أن نسمع عن تفجيرات في الأسواق، وأن نطالع اعتداءات الشيعة على أهل السنة، وغير ذلك كثير.
مذابح يومية
كل هذا اعتدناه؛ فلم يعُدْ يؤثِّر فينا بكثير أو قليل. وإلف الشيء يقتل أهميته مهما كانت، والذي لا يستشعر حرارة الدم المسلم المهراق على أيدي أعداء الله يستحق أن ينطبق عليه قول الشاعر:
مَن يَهُن يسهل الهوان عليه مـا لجرح بميت إيلام
وقد رُويَ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنه قال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا، اتَّقِ اللَّهِ، وَدَعْ مَا تَصْنَعُ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ. ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ؛ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ". ثم قال: "{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} إلى قوله: {فَاسِقُونَ} [المائدة: 78- 81]". ثم قال: "كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا"1
وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا إلا أنه يمثِّل حال إلف المجتمع للخطأ أفضل تمثيل؛ إذ يتعود المجتمع على الوضع الخاطئ، فيتعايش معه دون حرج، بل تصبح علاقته بمرتكب الخطأ طبيعية، لا يأمره بخير ولا ينهاه عن شر، فضلاً عن مقاومة أفعاله الفاسدة المخرِّبة.
ثانيًا: الإحباط؛ فإن كثرة المصائب، وتواليها قد أصاب الكثيرين بالإحباط واليأس من القدرة على تغيير الأوضاع. إن الأمة الإسلامية تعيش في تدهور وأزمات طاحنة، وتسلط من أعداء الله عليها منذ عشرات السنين؛ إذ تخلَّت بمحض إرادتها عن أسباب النصر المتمثل في تطبيق شرع الله I تطبيقًا سليمًا، ومن ذلك الأخذ بأسباب القوة والعلم، وفَهْم الأوضاع الدولية؛ فأوكل الله أبناءها إلى أنفسهم؛ فكانت النتيجة أن انتهز أعداء الأمة الفرصة، وتسلَّطوا عليها، وغلبوها على أمرها.
كل هذا جعل هناك أجيالاً لم ترَ زمنًا لعزة الإسلام والمسلمين؛ فكان من الطبيعي أن تشعر هذه الأجيال والجموع بالإحباط واليأس من التغيير.
اللون الأحمر يشير إلى بعض جروح المسلمين
ثالثًا: كثرة الهموم في العالم الإسلامي؛ فجَنَبَات العالم الإسلامي تَئِنُّ بجراحها، والذي يطَّلِع على خريطة العالم الإسلامي يجد الدماء المسلمة تنزف في مواطن عديدة، وعلى أيدي مجرمين ينتمون لمختلف الأديان والأعراق؛ فجراحنا كثيرة كفلسطين ولبنان والتبت والسودان وأفغانستان والشيشان والبوسنة وكوسوفا وغيرها كثير؛ ومِن ثَمَّ يجد المسلم الملتزم الذي يهتم بأمر المسلمين صعوبة في متابعة السيل المتدفق من الأخبار عن كل جرح نازف من هذه الجروح؛ فيكتفي بمتابعة ما يصل إليه من أخبار، أو بالأخبار الضخمة غير المتكررة يوميًّا.
رابعًا: الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي تمر بكثير من بلاد العالم الإسلامي؛ فهذه الأزمات تترك المسلمين تائهين في الأسواق بحثًا عن لقمة العيش، أو عن عمل إضافي، أو عن سعرٍ أرخص لمنتَج أساسي. وحينها لا يصبح للناس حديث إلا عن الدرهم والدينار، وإلا عن الأسعار والغلاء، بل قد يهرب الناس من كل همومهم الداخلية والخارجية وينشغلون بالحديث عن مباراة لكرة القدم، أو عن زواج فنانة، أو عن هروب مستثمر بأموال الشعوب.
خامسًا: شعور المواطن المسلم بالقهر في بلاده وعدم قدرته على التعبير عن رأيه؛ فمن أهم أسباب استمرار المتابعة شعور الفرد بالقدرة على التعبير عن رأيه بحرية في القضايا التي يتابعها، ومِن ثَمَّ شعوره بقدرته على التأثير في مجتمعه، ونشر فكرته، وصولاً إلى شعوره بالقدرة على تغيير الواقع الدامي.
إن الشعوب المقهورة التي فقدت إرادتها، وقدرتها على التغيير، وصلت إلى مرحلة ابتلاع الألسنة خوفًا ممَّا قد يصيبها من أذى، هذه الشعوب عاجزة عن التغيير، لا أقول في مستقبل العراق، أو فلسطين، أو غيرها، بل عاجزة عن تغيير واقعها هي نفسها.
إلى متى الهوان؟؟
سادسًا: الصراعات الداخلية الكثيرة في العراق مما جعل الناس تزهد في متابعة الموضوع؛ فقد اشتعلت في العراق - بجوار الحرب بين المسلمين والأمريكان - حروب أخرى وصراعات بين أبناء البلد الواحد، أخذت أشكالاً متعددة، وصورًا شتَّى؛ فهناك صراع مذهبي بين السنة والشيعة سالت فيه دماء أهل السنة أنهارًا، وصاروا لا يأمنون على أنفسهم وذويهم من الشيعة أكثر من خوفهم من الأمريكان.
وهناك صراع على وَحْدة العراق كما يريد السُّنة والمخلصون للعراق والأمة، أو تمزيقه إلى دويلات مستقلة، أو حكم فيدرالي كما يريد الشيعة، وبعض أحزاب الأكراد.
كما اتخذ ذلك الصراع شكلاً تنافسيًّا بين الشيعة بعضهم بعضًا؛ فقامت صراعات بين جيش المهدي وغيره من الشيعة التابعين لمراجع النجف.
كل هذا أشعر الكثيرين أن الأمر قد صار صراعًا داخليًّا، وحربًا أهلية؛ فنأوا بأنفسهم عن متابعتها؛ فالنفس تضيق بالصراعات الداخلية التي تستنزف جهود الأمة، والأجدر بكل من يحمل سلاحًا أن يوجِّهه إلى صدور الأمريكان المعتدين، لا إلى صدر أخيه في الدين والوطن، ولو اختلف معه في المذهب، أو الأهداف والوسائل السياسية.
ورغم كل شيء فإن أمريكا ما زالت موجودة في العراق، فهل اقترب رحيلها أم ما زال أمامها الكثير؟!