لكي يتم فهم مفهوم السياسة الخارجية بكل تداخلاتها، لابد في البداية من إبراز أهمية دراسة السياسة الخارجية. وتحديد مفهومها بشكل عام وما طرأ عليه من تطور.
تكمن أهمية دراسة السياسة الخارجية في كونها واحدة من أهم الفروع الكبرى في حقل العلوم السياسية. فإذا كانت العلاقات الدولية تُعبر بشكل عام عن التفاعلات الجارية بين مُجمل الوحدات الدولية والفاعلين الدوليين؛ فإن السياسـة الخارجيـة تُعبر عـن السلوك الـذي تتبناه الدولة الواحدة في تفاعلاتها تجاه باقي الوحدات أو الفاعلـين الدولـيين.(1)
الفصل الأول
(مفهوم السياسة الخارجية)
المبحث الأول: المفهوم العام للسياسة الخارجية.
يُعتبر مفهوم السياسة الخارجية من المفاهيم التي تم تناولها من وجهات متعددة ويُمكن إجمالها على النحو التالي:
وجهة النظر التقليدية:
تقول إن السياسة الخارجية هي مجموعة من القرارات والأفعال التي تتضمن علاقات بين دولة ما وغيرها من الدول. وفي إطار هذه النظرية قال مرسيل مرل (Mercil Merill)، بأنها: "ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج أي الذي يُعالج مشاكل تُطرح ما وراء الحـدود، بنقيض السياسة الداخلية التي تُعالج مشاكل ضمن حدود معينة".(2)
وقد وصفها علي محمد شمبش، بأنها: "مجموعة الأفعال وردود الأفعال التي تقوم بها الدولة في البيئة الدولية ساعية إلى تحقيق أهداف قد تكون محددة في إطار الوسائل المختلفة المتوافرة لتلك الدولة".(3) وطبقا لوجهة النظر التقليدية فإن السياسة الخارجية تختلف اختلافاً جذرياً عن السياسـة الداخليـة، فالسياسـة الخارجيـة تحـدث فـي نسـق دولـي يتسـم بالفوضـى الدوليـة، أي بغيـاب سلطة عليا فوق الدول، بينما تتسم السياسة الداخلية في إطار تحكمه سيادة الدولة صاحبة السلطة المُلزمة. كما تعتبر أن الاضطراب والانقطاع الذي تتعرض له الحياة السياسية الداخلية لا يؤدي إلى تغيرات في السياسة الخارجية.
وجهة النظر الحديثة:
ترفض الفصل بين السياستين، وترى أن هناك تشابهاً بينهما فيما يتعلق بالأجهزة التي تضع السياستين، والوظائف التي يضطلع بها النسق الدولي والنسق الداخلي، مع أنها تُسلِّم بوجود فوارق تحليلية بين السياستين في جوانب أخرى.(4) وتؤكد بأن التغير في السياسة الداخلية لا بد له من إحداث تغيرات في السياسة الخارجية، وهذا يحدث على أثر تغير في السلطة نتيجة حرب أهلية أو انقلاب أو ثورة. وفي إطار هذه النظرية تقول صدقة فاضل: "أن السياسة الخارجية هي عملية وضع الأهداف التي تسعى حكومة الدولة لتحقيقها خارج حدودها الإقليمية إزاء وحدات خارجية أخرى، وتحديد واتخاذ الوسائل التي تتبعها لتحقيق تلك الأهداف".(5) كما ذهب بعض المُحدثين من علماء السياسة إلى أن السياسة الخارجية هـي: "تنظيم نشاط الدولة في علاقاتها مع غيرها من الدول".(6)
وجهة النظر الماركسية:
يقول أصحاب التفسير الماركسي للسياسة الخارجية إنه: "إذا ما قبلنا بأن الصراع الطبقي هو العامل السائد في التاريخ الإنساني؛ فإن السياسة الخارجية ليست سوى انعكاسات للتوترات التي تحدث على المسرح السياسي الداخلي".(7)
ومن ضمن التعريفات الشاملة والرصينة ما تناوله الدكتور محمد السيد سليم بشكل مُتكامل ومُلائم لدراسة وتحليل موضوع السياسة الخارجية، والتي أصبحت في الآونة الأخيرة محط اهتمام وتركيز الدارسين والمُتخصصين في مجال السياسات الدولية والخارجية تحديداً، وقد شملها بسبعة أبعاد أساسية.(
- فقد ميزها عن العلاقات الدولية مُعتبراً أن السياسة الخارجية هي مجموعة البرامـج التـي تتبعها الوحدة "الدولة" تجاه العالم الخارجي.
- وهي سياسة يصوغها الممثلون الرسميون فقط، أما ما يفعله غيرهم من الأشخاص غير الرسميين في الوحدة الدولية فلا يُعبر عن السياسة الخارجية لتلك الوحدة.
- اعتبر أن السياسة الخارجية هي مُجمل الأقوال والأفعال الصادرة عن صانعي تلك السياسـة، والتـي وظفـوا مـواردهم لتحقيقها.
- وهي تلك السياسة التي لا تكون مفروضة من خارج النظام السياسـي، بـل تتسـم بعنصـر الاختيـار بيـن سياسـات بديلة مُتاحة.
- إن السياسة الخارجية ليست مُجرد رد فعل آلي للبيئة الخارجية، ولكنها عملية واعية تنطوي على محاولة التأثير على تلك البيئة، أو التأقلم معها، وتحقيق مجموعة من الأهداف وبالتالي فإنه لا يدخل في نطاق السياسة الخارجية إلا ما ارتبط بشكل مباشر بعملـية تحقيق تلك الأهداف.
- إنها تسعى إلى تحقيق أهداف إزاء وحدات خارجية، وهو ما يُميزها عن السياسة الداخلية التي ترمي إلى تحقيق أهداف داخل المجتمع المدني، ومع العلم بأنه يوجد كثير من الترابط والتشابه بين السياستين في كثير من الجوانب.
- إنها تشمل برنامجاً ذا بُعدين أساسيين: البعد الأول، وهو الُبعد العام، ويشمل التوجيهات والأدوار والأهداف والاستراتيجيات. أما البُعد الثاني، وهو البُعد المُحدد، فإنه ينصرف إلى مجموعة القرارات والسلوكيات والمُعاملات التي تتضمنها السياسة الخارجية.
أما الباحث فيرى أن السياسة الخارجية "هي عبارة عن خُطط تقوم الدولة برسمها وتقوم بتطبيقها خارج حدودها الإقليمية تجاه الوحدات الأخرى مع بيان ماهية هذه الخطط التي ترمي إلى تحقيق السياسة الخارجية"، وبهذا يتفق الباحث إلى حد كبير مع صدقة فاضل في تعريفها للسياسة الخارجية.
وقد نجد أن بعض الباحثين يميلون إلى المُرادفة بين السياسة الخارجية وبعض أجزاء مـن تلك السياسـة، كالأهـداف أو السلوكـيات.
فهناك اتجاه في الأدب يُعرف السياسة الخارجية على أنها مُرادف لأهداف الدولة في المحيط الخارجي. وقد ذكر محمد السيد سليم في كتابه "تحليل السياسة الخارجية" بعض آراء الكُتاب السياسيين ومـن ضمن هؤلاء سيبوري (Sibore) الذي يُعرف السياسة الخارجية على أنها تنصرف أساساً إلى أهـداف الوحدة الدولية.
فالسياسة الخارجية عنده هي: "مجموعة الأهداف والارتباطات التي تُحاول الدولة بواسطتها، من خلال السلطات المحددة دستورياً، أن تتعامل مع الدول الأجنبية ومُشكلات البيئة الدولية باستعمال النفوذ والقوة بل والعنف في بعض الأحيان…".(9)
وهناك اتجاه أخر يُعرف السياسة الخارجية على أنها عملية تحويل المُدخلات إلى أنشطة تهدف إلى تحقيق غايات مُعينة. وقد ذكر أيضاً محمد السيد سليم في كتابــه "تحليل السياسة الخارجية" بعض أنصــار هذا الاتجـاه ومنهم مودلسكي (Modelsky) الذي يُعرف السياسة الخارجية بأنها: "نظام الأنشطة الذي تطوره المجتمعات لتغير سلوكيات الدول الأخرى، ولأقلمة أنشطتها طبقاً للبيئة الدولية"، وفي هذا الإطار هناك نمطان أساسـيان مـن الأنشطة: المُدخلات والمخرجات.(10)
ويُقدم روزناو (Rosenao) أكثر التعريفات شُمولاً، فهـو يُعرف السياسـة الخارجيـة علـى أنهـا: "منهج للعمل يتبعه الممثلون الرسميـون للمجتمـع القومـي بوعـي من أجل إقرار أو تغير موقف معين في النسق الدولي بشكل يتفق والأهداف المحددة سلفاً".(11)
والواقع أن تعدد التعريفات وتفاوت نواحي التركيز فيها إنما يعكس تعقيد ظاهرة السياسة الخارجية وصعوبة التوصل إلى مجموعة الأبعاد التي تندرج في إطارها والعلاقة بينها.
المبحث الثاني: مفهوم السياسة الخارجية عند اليهود.
المطلب الأول: اليهود في التاريخ.
تذكر بعض المراجع التاريخية أن اليهود "العبرانيين" (Hebrew) الذين هاجموا فلسطين كانوا من الساميين الذين خرجوا من جزيرة العرب بين سنتي 1500 و 1200 ق. م ويقول المؤرخ فيليب (Phillip): "حتى أنهم من الناحية الجغرافية جيران العرب الأقربين، وأنهم من الناحية الجنسية أقرب الشعوب نسباً للعرب.. ويقول أيضاً إن الشعب العبري القديم كان مزيجاً من شعبين ساميين الواحد منهما قدِم من مصر والصحراء السورية، والثاني من الشمال بقيادة سيدنا إبراهيم عليه السلام وقد دخل في هذا المزيج البشري عناصر أخرى غير سامية من حيثيين وحوريين وسواهم".(12)
وتشير التوراة إلى أن أصلهم من الخـلاء أو القفـر أو من البرية.
ولم يعرف التاريخ عنصرية كعنصرية اليهود في تماسكها، واستعصائها على التطور، واكتفائها بنفسها، ولعل أهم أسباب صلابة هذه العنصرية قيامها على عوامل دينية، فقد ورد في التوراة أن اليهود "شعب الله المُختار"، وتقول لهم التوراة إن كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم من البرية والبنان. من الفرات إلى النيل تكون تخومكم. وقد اختاركم الرب لتكونوا شعباً خاصاً فوق جميع الشعـوب التـي على وجه الأرض.
وأباحت لهم التوراة دِماء جميع الأُمم.. تقول كلمات التوراة: "حين تذهب إلى مدينة لكي تُحاربها استدعها للصلح فإن أجابتك وفتحت لك أبوابها فكل الشعب الذي تجده فيها يكون عبيداً لك تُسخره في خدمتك.. فإن حاربتك ودفعها الرب إلى يدك فاضرب جميع ذُكورها بحد السيف واجعل من نسائها وأطفالها وبهائمـها غنيمتـك".(13)
وعندنا نحن المسلمين أن الله فضل بني إسرائيل على العالمين وفي ذلك يقول تبارك وتعالى - من سورة البقرة -: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين". ونحن معشر المسلمين فهمنا ولم يفهموا!! فهمنا أنهم إنما فُضلوا على عالمي زمانهم وذلك لظهور دين التوحيد فيهم يومئذ، وفهمنا أيضاً أن التفضيل مشروط بالاستمرار على الطاعة لله، وفهموا أنهم إنما فُضلوا تفضيلاً مُطلقاً، لأنهم من طينة غير طينة بقية البشر وأنه تفضيل غير مشروط بشرط على الإطلاق ومن أجل ذلك تورطوا فيما حدثنا به القرآن، وذلك من سورة المائدة، "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلم يُعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء، ويُعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير".
فليس للخلق مع الله نسب إلا نسب الطاعة.. فمن أقام عليهما فهو القريب، ومن أحدث فيها أمراً فهو البعيد.
المطلب الثاني: قُدماء العرب والإسرائيليون.
رغم أن ذِكر العرب في التوراة لا يظهر بوضوح كاشف، إلا مع الأحداث التي يُفترض أنها دارت حوالي عام ألف قبل الميلاد، أي مع قيام مملكة إسرائيل التي أسسها سُـليمان بن داود، فإن ذات التوراة تذكر أموراً يُمكن أن نستنتج منها أن العرب أحد أقدم العروق في التاريخ، حسب شجرة الأنساب التوراتية، لكن في البداية يجب أن نُقر أنهم هم أنفسهم لم يشعروا بوحدة جنسهم إلا في المرحلة قبل الإسلامية مُباشرةً.(14)
المطلب الثالث: المُفكرون اليهود ودورهم في السياسة الخارجيـة.
يعتمد اليهود فـي جميـع مجـالات حياتهـم على التلمود وأقـوال الحاخامـات كمقيـاس ومـيزان للتعامـل مـع الكون والإنسـان والحـياة، وهـم يعتبـرون التلمـود كشريعـة مـوسى عليـه السـلام مـن حـيث المكانـة والقداسـة، "التلمـود وجـد قبـل الخليـقة ولـولاه لـزال الكـون، ومن يخالف حرفاً منه يمت".(15)
لقد كانت التعاليم التلمودية وأقوال الحاخامات اليهود عبر مئات السنين هي محور سلوك اليهود تجاه غيرهم من شعوب الأرض، وذلك على الأصعدة العقائدية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
واليهود بتكوينهم النفسي مُستعلون مُـتكبرون يرون أن غيرهم من الشعوب قد خُلقوا لخدمتهم، وذلك بسبب توجيهات التلمود المُنحرفة والتي أخذها فلاسفتهم وزُعماؤهم محوراً لأقوالهم وأفعالهم، ومن هذه المفاهيم الخبيثة بدءوا يُخططون بأمل السيطرة على العالم، ولقد استمرت هذه المفاهيم المُنحرفة عبر مئات السنين في تنمية روح العداء والحِقد عند اليهود على الأُمم الأخرى، ونتج عن هذا عشرات من المؤتمرات السياسية والاقتصادية التي حاول اليهود القيام بها للسيطرة على مُقدرات الشعوب.
إن المسلكية التي سار عليها اليهود مع الشعوب، كانت تعكس دائماً معاني الفساد والأنانية، وقد كانت هذه المسلكية نتيجة طبيعية لمفاهيم الحِقد والتعالي التي أرستها وثبتتها المبادئ التلمودية السوداء في عقول وقلوب اليهود المريضة.
وكذلك فإن اليمين الذي يؤديه اليهودي لغيره من اليهود لا قيمة له ولا يلزم اليهودي بشيء، لأنه لا أيمان بين اليهودي والحيوان، والربا مُحرم بين اليهود ومُباح تعاطيه مع غير اليهود، يقول الحاخام ليفي بن جرسون (Levi Gerson)، "إن حياة الأجنبي مِلك يد اليهودي فكيف بأمواله".(16)
لقد استخدم اليهود الفِكر في إبعاد الناس عن الدين، وكانوا قد بدءوا بين الشعوب التي تُدين بالنصرانية. أما الطريقة فقد كانت بواسطة نشر نظريات غير صحيحـة ومُضللـة عـن الكـون والإنسان والحياة.
أما أهم جنود الفِكر والمعرفة.. والذين أثروا بنظرياتهم وأفكارهم المُضللة على الشعوب النصرانية فهم:
- دارون (Darwin): الذي أخرج بعد درس وبحث في علوم الأحياء بدعة أن الإنسان يعود في أصله التكويني "الجسدي" إلى سُلالة حيوانية تطورت وانتهت بالقرد ضمن "نظرية التطور"، والتقطتها الدعاية اليهودية، وجعلت تُصور حولها الهالات الفكرية والكُشوفات العلمية والفُتوحات الكونية.(17)
تكمن أهمية دراسة السياسة الخارجية في كونها واحدة من أهم الفروع الكبرى في حقل العلوم السياسية. فإذا كانت العلاقات الدولية تُعبر بشكل عام عن التفاعلات الجارية بين مُجمل الوحدات الدولية والفاعلين الدوليين؛ فإن السياسـة الخارجيـة تُعبر عـن السلوك الـذي تتبناه الدولة الواحدة في تفاعلاتها تجاه باقي الوحدات أو الفاعلـين الدولـيين.(1)
الفصل الأول
(مفهوم السياسة الخارجية)
المبحث الأول: المفهوم العام للسياسة الخارجية.
يُعتبر مفهوم السياسة الخارجية من المفاهيم التي تم تناولها من وجهات متعددة ويُمكن إجمالها على النحو التالي:
وجهة النظر التقليدية:
تقول إن السياسة الخارجية هي مجموعة من القرارات والأفعال التي تتضمن علاقات بين دولة ما وغيرها من الدول. وفي إطار هذه النظرية قال مرسيل مرل (Mercil Merill)، بأنها: "ذلك الجزء من النشاط الحكومي الموجه نحو الخارج أي الذي يُعالج مشاكل تُطرح ما وراء الحـدود، بنقيض السياسة الداخلية التي تُعالج مشاكل ضمن حدود معينة".(2)
وقد وصفها علي محمد شمبش، بأنها: "مجموعة الأفعال وردود الأفعال التي تقوم بها الدولة في البيئة الدولية ساعية إلى تحقيق أهداف قد تكون محددة في إطار الوسائل المختلفة المتوافرة لتلك الدولة".(3) وطبقا لوجهة النظر التقليدية فإن السياسة الخارجية تختلف اختلافاً جذرياً عن السياسـة الداخليـة، فالسياسـة الخارجيـة تحـدث فـي نسـق دولـي يتسـم بالفوضـى الدوليـة، أي بغيـاب سلطة عليا فوق الدول، بينما تتسم السياسة الداخلية في إطار تحكمه سيادة الدولة صاحبة السلطة المُلزمة. كما تعتبر أن الاضطراب والانقطاع الذي تتعرض له الحياة السياسية الداخلية لا يؤدي إلى تغيرات في السياسة الخارجية.
وجهة النظر الحديثة:
ترفض الفصل بين السياستين، وترى أن هناك تشابهاً بينهما فيما يتعلق بالأجهزة التي تضع السياستين، والوظائف التي يضطلع بها النسق الدولي والنسق الداخلي، مع أنها تُسلِّم بوجود فوارق تحليلية بين السياستين في جوانب أخرى.(4) وتؤكد بأن التغير في السياسة الداخلية لا بد له من إحداث تغيرات في السياسة الخارجية، وهذا يحدث على أثر تغير في السلطة نتيجة حرب أهلية أو انقلاب أو ثورة. وفي إطار هذه النظرية تقول صدقة فاضل: "أن السياسة الخارجية هي عملية وضع الأهداف التي تسعى حكومة الدولة لتحقيقها خارج حدودها الإقليمية إزاء وحدات خارجية أخرى، وتحديد واتخاذ الوسائل التي تتبعها لتحقيق تلك الأهداف".(5) كما ذهب بعض المُحدثين من علماء السياسة إلى أن السياسة الخارجية هـي: "تنظيم نشاط الدولة في علاقاتها مع غيرها من الدول".(6)
وجهة النظر الماركسية:
يقول أصحاب التفسير الماركسي للسياسة الخارجية إنه: "إذا ما قبلنا بأن الصراع الطبقي هو العامل السائد في التاريخ الإنساني؛ فإن السياسة الخارجية ليست سوى انعكاسات للتوترات التي تحدث على المسرح السياسي الداخلي".(7)
ومن ضمن التعريفات الشاملة والرصينة ما تناوله الدكتور محمد السيد سليم بشكل مُتكامل ومُلائم لدراسة وتحليل موضوع السياسة الخارجية، والتي أصبحت في الآونة الأخيرة محط اهتمام وتركيز الدارسين والمُتخصصين في مجال السياسات الدولية والخارجية تحديداً، وقد شملها بسبعة أبعاد أساسية.(
- فقد ميزها عن العلاقات الدولية مُعتبراً أن السياسة الخارجية هي مجموعة البرامـج التـي تتبعها الوحدة "الدولة" تجاه العالم الخارجي.
- وهي سياسة يصوغها الممثلون الرسميون فقط، أما ما يفعله غيرهم من الأشخاص غير الرسميين في الوحدة الدولية فلا يُعبر عن السياسة الخارجية لتلك الوحدة.
- اعتبر أن السياسة الخارجية هي مُجمل الأقوال والأفعال الصادرة عن صانعي تلك السياسـة، والتـي وظفـوا مـواردهم لتحقيقها.
- وهي تلك السياسة التي لا تكون مفروضة من خارج النظام السياسـي، بـل تتسـم بعنصـر الاختيـار بيـن سياسـات بديلة مُتاحة.
- إن السياسة الخارجية ليست مُجرد رد فعل آلي للبيئة الخارجية، ولكنها عملية واعية تنطوي على محاولة التأثير على تلك البيئة، أو التأقلم معها، وتحقيق مجموعة من الأهداف وبالتالي فإنه لا يدخل في نطاق السياسة الخارجية إلا ما ارتبط بشكل مباشر بعملـية تحقيق تلك الأهداف.
- إنها تسعى إلى تحقيق أهداف إزاء وحدات خارجية، وهو ما يُميزها عن السياسة الداخلية التي ترمي إلى تحقيق أهداف داخل المجتمع المدني، ومع العلم بأنه يوجد كثير من الترابط والتشابه بين السياستين في كثير من الجوانب.
- إنها تشمل برنامجاً ذا بُعدين أساسيين: البعد الأول، وهو الُبعد العام، ويشمل التوجيهات والأدوار والأهداف والاستراتيجيات. أما البُعد الثاني، وهو البُعد المُحدد، فإنه ينصرف إلى مجموعة القرارات والسلوكيات والمُعاملات التي تتضمنها السياسة الخارجية.
أما الباحث فيرى أن السياسة الخارجية "هي عبارة عن خُطط تقوم الدولة برسمها وتقوم بتطبيقها خارج حدودها الإقليمية تجاه الوحدات الأخرى مع بيان ماهية هذه الخطط التي ترمي إلى تحقيق السياسة الخارجية"، وبهذا يتفق الباحث إلى حد كبير مع صدقة فاضل في تعريفها للسياسة الخارجية.
وقد نجد أن بعض الباحثين يميلون إلى المُرادفة بين السياسة الخارجية وبعض أجزاء مـن تلك السياسـة، كالأهـداف أو السلوكـيات.
فهناك اتجاه في الأدب يُعرف السياسة الخارجية على أنها مُرادف لأهداف الدولة في المحيط الخارجي. وقد ذكر محمد السيد سليم في كتابه "تحليل السياسة الخارجية" بعض آراء الكُتاب السياسيين ومـن ضمن هؤلاء سيبوري (Sibore) الذي يُعرف السياسة الخارجية على أنها تنصرف أساساً إلى أهـداف الوحدة الدولية.
فالسياسة الخارجية عنده هي: "مجموعة الأهداف والارتباطات التي تُحاول الدولة بواسطتها، من خلال السلطات المحددة دستورياً، أن تتعامل مع الدول الأجنبية ومُشكلات البيئة الدولية باستعمال النفوذ والقوة بل والعنف في بعض الأحيان…".(9)
وهناك اتجاه أخر يُعرف السياسة الخارجية على أنها عملية تحويل المُدخلات إلى أنشطة تهدف إلى تحقيق غايات مُعينة. وقد ذكر أيضاً محمد السيد سليم في كتابــه "تحليل السياسة الخارجية" بعض أنصــار هذا الاتجـاه ومنهم مودلسكي (Modelsky) الذي يُعرف السياسة الخارجية بأنها: "نظام الأنشطة الذي تطوره المجتمعات لتغير سلوكيات الدول الأخرى، ولأقلمة أنشطتها طبقاً للبيئة الدولية"، وفي هذا الإطار هناك نمطان أساسـيان مـن الأنشطة: المُدخلات والمخرجات.(10)
ويُقدم روزناو (Rosenao) أكثر التعريفات شُمولاً، فهـو يُعرف السياسـة الخارجيـة علـى أنهـا: "منهج للعمل يتبعه الممثلون الرسميـون للمجتمـع القومـي بوعـي من أجل إقرار أو تغير موقف معين في النسق الدولي بشكل يتفق والأهداف المحددة سلفاً".(11)
والواقع أن تعدد التعريفات وتفاوت نواحي التركيز فيها إنما يعكس تعقيد ظاهرة السياسة الخارجية وصعوبة التوصل إلى مجموعة الأبعاد التي تندرج في إطارها والعلاقة بينها.
المبحث الثاني: مفهوم السياسة الخارجية عند اليهود.
المطلب الأول: اليهود في التاريخ.
تذكر بعض المراجع التاريخية أن اليهود "العبرانيين" (Hebrew) الذين هاجموا فلسطين كانوا من الساميين الذين خرجوا من جزيرة العرب بين سنتي 1500 و 1200 ق. م ويقول المؤرخ فيليب (Phillip): "حتى أنهم من الناحية الجغرافية جيران العرب الأقربين، وأنهم من الناحية الجنسية أقرب الشعوب نسباً للعرب.. ويقول أيضاً إن الشعب العبري القديم كان مزيجاً من شعبين ساميين الواحد منهما قدِم من مصر والصحراء السورية، والثاني من الشمال بقيادة سيدنا إبراهيم عليه السلام وقد دخل في هذا المزيج البشري عناصر أخرى غير سامية من حيثيين وحوريين وسواهم".(12)
وتشير التوراة إلى أن أصلهم من الخـلاء أو القفـر أو من البرية.
ولم يعرف التاريخ عنصرية كعنصرية اليهود في تماسكها، واستعصائها على التطور، واكتفائها بنفسها، ولعل أهم أسباب صلابة هذه العنصرية قيامها على عوامل دينية، فقد ورد في التوراة أن اليهود "شعب الله المُختار"، وتقول لهم التوراة إن كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكون لكم من البرية والبنان. من الفرات إلى النيل تكون تخومكم. وقد اختاركم الرب لتكونوا شعباً خاصاً فوق جميع الشعـوب التـي على وجه الأرض.
وأباحت لهم التوراة دِماء جميع الأُمم.. تقول كلمات التوراة: "حين تذهب إلى مدينة لكي تُحاربها استدعها للصلح فإن أجابتك وفتحت لك أبوابها فكل الشعب الذي تجده فيها يكون عبيداً لك تُسخره في خدمتك.. فإن حاربتك ودفعها الرب إلى يدك فاضرب جميع ذُكورها بحد السيف واجعل من نسائها وأطفالها وبهائمـها غنيمتـك".(13)
وعندنا نحن المسلمين أن الله فضل بني إسرائيل على العالمين وفي ذلك يقول تبارك وتعالى - من سورة البقرة -: "يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين". ونحن معشر المسلمين فهمنا ولم يفهموا!! فهمنا أنهم إنما فُضلوا على عالمي زمانهم وذلك لظهور دين التوحيد فيهم يومئذ، وفهمنا أيضاً أن التفضيل مشروط بالاستمرار على الطاعة لله، وفهموا أنهم إنما فُضلوا تفضيلاً مُطلقاً، لأنهم من طينة غير طينة بقية البشر وأنه تفضيل غير مشروط بشرط على الإطلاق ومن أجل ذلك تورطوا فيما حدثنا به القرآن، وذلك من سورة المائدة، "وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه، قل فلم يُعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق، يغفر لمن يشاء، ويُعذب من يشاء ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما وإليه المصير".
فليس للخلق مع الله نسب إلا نسب الطاعة.. فمن أقام عليهما فهو القريب، ومن أحدث فيها أمراً فهو البعيد.
المطلب الثاني: قُدماء العرب والإسرائيليون.
رغم أن ذِكر العرب في التوراة لا يظهر بوضوح كاشف، إلا مع الأحداث التي يُفترض أنها دارت حوالي عام ألف قبل الميلاد، أي مع قيام مملكة إسرائيل التي أسسها سُـليمان بن داود، فإن ذات التوراة تذكر أموراً يُمكن أن نستنتج منها أن العرب أحد أقدم العروق في التاريخ، حسب شجرة الأنساب التوراتية، لكن في البداية يجب أن نُقر أنهم هم أنفسهم لم يشعروا بوحدة جنسهم إلا في المرحلة قبل الإسلامية مُباشرةً.(14)
المطلب الثالث: المُفكرون اليهود ودورهم في السياسة الخارجيـة.
يعتمد اليهود فـي جميـع مجـالات حياتهـم على التلمود وأقـوال الحاخامـات كمقيـاس ومـيزان للتعامـل مـع الكون والإنسـان والحـياة، وهـم يعتبـرون التلمـود كشريعـة مـوسى عليـه السـلام مـن حـيث المكانـة والقداسـة، "التلمـود وجـد قبـل الخليـقة ولـولاه لـزال الكـون، ومن يخالف حرفاً منه يمت".(15)
لقد كانت التعاليم التلمودية وأقوال الحاخامات اليهود عبر مئات السنين هي محور سلوك اليهود تجاه غيرهم من شعوب الأرض، وذلك على الأصعدة العقائدية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
واليهود بتكوينهم النفسي مُستعلون مُـتكبرون يرون أن غيرهم من الشعوب قد خُلقوا لخدمتهم، وذلك بسبب توجيهات التلمود المُنحرفة والتي أخذها فلاسفتهم وزُعماؤهم محوراً لأقوالهم وأفعالهم، ومن هذه المفاهيم الخبيثة بدءوا يُخططون بأمل السيطرة على العالم، ولقد استمرت هذه المفاهيم المُنحرفة عبر مئات السنين في تنمية روح العداء والحِقد عند اليهود على الأُمم الأخرى، ونتج عن هذا عشرات من المؤتمرات السياسية والاقتصادية التي حاول اليهود القيام بها للسيطرة على مُقدرات الشعوب.
إن المسلكية التي سار عليها اليهود مع الشعوب، كانت تعكس دائماً معاني الفساد والأنانية، وقد كانت هذه المسلكية نتيجة طبيعية لمفاهيم الحِقد والتعالي التي أرستها وثبتتها المبادئ التلمودية السوداء في عقول وقلوب اليهود المريضة.
وكذلك فإن اليمين الذي يؤديه اليهودي لغيره من اليهود لا قيمة له ولا يلزم اليهودي بشيء، لأنه لا أيمان بين اليهودي والحيوان، والربا مُحرم بين اليهود ومُباح تعاطيه مع غير اليهود، يقول الحاخام ليفي بن جرسون (Levi Gerson)، "إن حياة الأجنبي مِلك يد اليهودي فكيف بأمواله".(16)
لقد استخدم اليهود الفِكر في إبعاد الناس عن الدين، وكانوا قد بدءوا بين الشعوب التي تُدين بالنصرانية. أما الطريقة فقد كانت بواسطة نشر نظريات غير صحيحـة ومُضللـة عـن الكـون والإنسان والحياة.
أما أهم جنود الفِكر والمعرفة.. والذين أثروا بنظرياتهم وأفكارهم المُضللة على الشعوب النصرانية فهم:
- دارون (Darwin): الذي أخرج بعد درس وبحث في علوم الأحياء بدعة أن الإنسان يعود في أصله التكويني "الجسدي" إلى سُلالة حيوانية تطورت وانتهت بالقرد ضمن "نظرية التطور"، والتقطتها الدعاية اليهودية، وجعلت تُصور حولها الهالات الفكرية والكُشوفات العلمية والفُتوحات الكونية.(17)