نص تقرير اللجنة المكلّفة من الرئيس محمود عباس في التحقيق بالتقصير في التصدي ((لانقلاب المليشيات الخارجة عن القانون في غزة))، وترأس اللجنة الطيب عبد الرحيم وعاونه ثمانية أعضاء آخرين.
والتقرير يقع في 64 صفحة، ويضم قراءات تنظيمية وسياسية وأمنية، وخلاصات للنتائج وتوصيات عقابية، واقتراحات بترقيات، وتوصيات سياسية وتنظيمية.
والقارئ للتقرير يلاحظ أن واضعيه انطلقوا من قاعدة أنهم طرف، أي أن بنود التقرير حفلت بمجموعة من المغالطات السياسية والأكاذيب التي تظهر أن السلطة وفريقها ينظرون بعداوة إلى المقاومة وحركة حماس، فهم وصفوا حماس أكثر من مرة في التقرير بأنها ((ميليشيا خارجة عن القانون))، وأن الانقلاب كان على فتح ورئيس السلطة.
اللافت أن التقرير يكرر مرات كثيرة عبارات مثل ((التناقضات الداخلية)) و((المعنويات المنهارة)) و((فاقدي الأمل)) واصفاً حال فتح والأجهزة الأمنية. والتقرير يتحدث بالتفصيل عما قامت به حماس ضد الأجهزة لكنه لا يأتي مطلقاً على ما ارتكبته الأجهزة من أفعال وجرائم وممارسات ضد حماس والشعب. ويكشف التقرير حالة انعدام الثقة بين أبو مازن وفتح والأجهزة الأمنية، ويعترف بتراكم الأخطاء والممارسات السيئة للسلطة منذ عام 1994، ويعترف بتشكيل مرجعية أمنية موحدة قبل الحسم ووظيفتها ((الضرب بشدة)).
فيما يلي بعض أجزاء ومقتطفات من التقرير ننشرها بهدف اطلاع القارئ على أهم ما جاء في تقرير لجنة التحقيق، وبهدف زيادة معلومات القارئ عما حصل وما كان يحصل في غزة، ومع الأجهزة الأمنية.
على المستوى العسكري وإلى جانب محاولات ومساعي توفير الأسلحة والذخائر بالطرق الرسمية أو عن طريق السوق المحلية والتي تتحدث عنها أرقام الحسابات المالية المتوافرة، وحسب الكشوفات البنكية فقد تلقى مستشار الأمن القومي الأخ محمد دحلان منذ بداية شهر كانون ثاني/يناير 2007 ما يزيد عن 25 مليون دولار من الصندوق القومي، صرف منها حوالي 19 مليون دولار، كذلك تم طلب سيارات من مصر بقيمة 2 مليون دولار إضافية ومن مصادر أخرى سدد منها مليون دولار، ولم تسلم السيارات بعد، بالإضافة إلى وسائط النقل وبعض الاحتياجات اللوجستية التي يستنتج بأنها لم تكن عبر القنوات الصحيحة، ولم توضع بالمواقع الصحيحة والأشخاص المناسبين مما يستوجب المساءلة.
لقد تأخرت عملية البدء بإعادة هيكلة وتأهيل المؤسسة العسكرية وخاصة قوى الأمن الوطني التي كان مقرراً لها أن تجري من خلال مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي محمد دحلان بموجب المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ الثاني من آذار/مارس 2007 الذي فوض السيد محمد دحلان بصلاحيات واضحة قوبلت بامتعاض وإحباط ضباط وقيادات حركية ومستشارين آخرين، خاصة المستشار العسكري الفريق المجايدة الذي رأى بتلك الصلاحيات الواسعة تجاوزاً له ولدوره لصالح من فوضه (السيد دحلان) ليعمل نيابة عنه وهو الأخ توفيق أبو خوصة، الذي توصي اللجنة بضرورة نقله من الكادر العسكري إلى الكادر المدني.
لقد كانت تلك الصلاحيات الواسعة استشارية وتنفيذية شمولية على كافة الأجهزة الأمنية بما فيها الأمن الوطني مع أنه ليس رجلاً عسكرياً، وتتعارض صلاحياته مع قوانين خاصة بالمؤسسة الأمنية، وبما لا يتفق والمهام التقليدية الأساسية لمهمة مستشارية الأمن القومي ذات الطابع المعلوماتي الاستراتيجي بالصيغة الاستشارية التي تساعد صانع القرار.
واتجهت مهمة السيد محمد دحلان وسط معارضة وانتقادات داخلية (كما استمعت اللجنة من الشهادات) نحو التركيز على تلبية احتياجات قوى الأمن الوطني خاصة بقطاع غزة. وحسب مصادر ومقدار التمويل الخارجي المتاح والذي يستطيع الحصول عليه، وحسب الآليات الممكنة لامتلاك العتاد والسلاح، وهذا مؤشر آخر على حجم التفويض الواسع الذي شمل الاتصال بجهات خارجية بصورة مباشرة للحصول على التمويل أو التجهيزات بما في ذلك تأمين إدخالها.
إلى جانب ذلك تم استحداث مكتب خاص لإعداد الخطط والهيكليات اللازمة لإعادة صياغة مؤسسة الأمن الوطني. وهو المكتب الذي بلور الرؤيا الخاصة للمؤسسة العسكرية الجديدة المزمع إقامتها، وتم اعتمادها بمرسوم رئاسي فيما بقيت الخطط والهيكليات بانتظار التمويل اللازم الذي شكل باستمرار عصب أزمة المؤسسة الأمنية العسكرية، وهذا مؤشر جديد على أسلوب العمل المتوازي بين الإحتياجات العاجلة والاستراتيجيات الآجلة بما فيه الخلط بين مهام التخطيط والتنفيذ.
غير أن تغييرات هيكلية تم استحداثها على مستوى الأمن الوطني بقطاع غزة كان لها أثر على السياق التراتبي العسكري والمعنوي، وبالتالي على الأداء الميداني للأمن الوطني أثناء المواجهة بصور ومستويات مختلفة، إلا أنها بالمجمل تضافرت مع عوامل ومسببات أخرى كان لها أثر سلبي على أداء الأمن الوطني بعدم استيعاب التغييرات الجديدة وعدم الرضى عنها وعن مرجعية هذه التغييرات خاصة أنها مرجعية مدنية مما خلق إشكالية إزدواجية المرجعيات.
بين مطلع آذار/مارس 2007 ومنتصف نيسان/أبريل الموالي أي بعد شهر ونصف من تكليفه الرسمي، كان السيد دحلان يغادر برحلة علاج، امتدت إلى ما بعد حسم المعركة والاستيلاء على السلطة بالضبط بعد شهر ونصف آخر، فما هو حجم الإنتاج المتوقع في مثل نصف هذه المدة الزمنية من مدة التكليف، والأهم قياساً إلى ضغط العامل الزمني الشديد استباقاً لقرار الحسم الحمساوي المعروف.
إضافة إلى صعوبة الواقع الذي تعيشه المؤسسة وحجم احتياجاتها الكبير والمعوّقات الموضوعية المتعددة من حالة الاعتمادات المالية والتسويف في تأمينها وتأمين دخول المعدات والتجهيزات وسط تذمر القيادات التنظيمية العسكرية من دور محمد دحلان وإشرافه على الموضوع الذي حاول بظروف صعبة زادها غيابه للعلاج صعوبة، ومع ذلك فإن الغياب حتى ولو كان قسرياً لصاحب المهمة الرسمية كان يتطلب الإعفاء أو يستبدل من المسؤولية.
إن نظرة سريعة إلى التاريخ القريب، تكشف حدة الأزمات العميقة والمركبة، البنيوية والوظيفية التي تعانيها الحركة بما يتناسب حتى بتآكل رصيدها النضالي، ويقدمها حركة يستشري الفساد في أوساطها القيادية وخصوصاً لدى العناصر التي احتلت مواقع متقدمة بالسلطة (بدءاً من تقرير هيئة الرقابة عام 97 وانتهاءاً بإعلان النائب العام بتاريخ 5/2/2006) حتى وصمت سلطة فتح بالفساد.
وهو الأمر الذي كان أحد الأسباب الرئيسية لخسارتها للانتخابات البلدية والتشريعية أمام حركة حماس، هذا بالطبع إلى جانب التشرذم وغياب وحدة الموقف الذي تكرر بالمواجهة الأخيرة.. بما يدلل على أن تجربة فتح بالحكم وقيادة النظام السياسي الفلسطيني دون إنجازات سياسية بعد إقامة السلطة نتيجة انسداد الآفاق وسوء الأداء، وانهيار خيار السلام التفاوضي ((لم تكن نموذجاً مشجعاً يحفز التفاف الرأي العام)).
ولا تخفى حالة التشظي التنظيمية الغريبة التي تعيشها فتح، بغياب أدنى متطلبات الحياة التنظيمية الاعتيادية، بدءاً من التراتبية التنظيمية ودورية اجتماعاتها ومحاضرها الرسمية، مروراً بغياب المحاسبة والمساءلة والتقييم، إلى انتشار مرض الإدعاءات والتناقضات والشللية، وانتهاءاً بتشكيل مراكز القوى، المنشغلة ببعضها البعض، تعبئة وتحريضاً وصراعاً تناحرياً، إلى حد التخوين والتهديد باستخدام السلاح بما يؤكد انعدام الثقة الداخلية
في نفس الوقت كانت تعيش فيه الحركة بغزة ثلاثة تيارات أو مراكز قوى متباينة ومتناقضة، بأجندات ورؤى مختلفة ومتناقضة، تضرب عرض الحائط بإمكانات التوافق بالحد الأدنى، التي تستدعيها خطورة الأوضاع بغزة وتفرضها متطلبات المواجهة الحتمية مع حماس بمعنى أنها لم تتوحد أو تتفق، حتى لمواجهة التناقض الخارجي، خلافاً لتجارب الأحزاب والشعوب عبر التاريخ.
لقد حافظت هذه التيارات أو مراكز القوى على الالتزام بمواقفها التنظيمية المتناقضة، حتى أثناء المواجهات دون مبرر منطقي، خاصة بعد موافقة الأطراف بما فيها أبو ماهر حلس على مبدأ تشكيل قيادة الساحة وشارك بتشكيلها وبعد التوافق على أسماء أعضائها وانسحابه مع سمير مشهراوي من عضويتها عاد ثانية وتراجع بعد لقاء تنظيمي موسع لأنصاره بحضور وسائل الإعلام ليعلن معارضته لقيادة الساحة، ووقوفه ضدها وذلك لأسباب ومبررات أهمها أسباب مالية بحتة كما قال البعض، أو كما فسر البعض الآخر لأن دحلان استولى على العسكر والأمن والمال والتنظيم.
إن الإحجام عن المشاركة الجماعية العسكرية بالمواجهات كان يترجم أيضاً بالإحجام عن المشاركة بأي جهد آخر، لوقف المواجهات عبر الحوار لوقف النار، وكأن المواجهة هي بين حماس وأحد مراكز القوى التي تتألب ضدها المراكز الأخرى بالحركة أو تتشفى به، لتبدو كأنها مستفيدة من نتائج المواجهات، كما تعلق على نتائج هذه المواجهات الأمل المبني على سوء التقدير وفقدان الرؤى الذي كانت إحدى تعبيراته تلك الاختراقات السياسية من بعض كوادر الحركة القيادية بالاتصال والتنسيق المباشر مع حماس الداخل والخارج في ذروة المواجهات معها بدون قرار قيادي جماعي، وبدون عودة للأطر بما فيها المركزية أو الثوري أو القائد العام للحركة سواء بإجراء الاتصال مع حماس أو بإطلاع الحركة على نتائج الاتصال، وكأنها قضية شخصية يمارسها المعني بما يراه حصانة وحقاً لنفسه دون تفكير بانعكاسات ذلك على الحركة وأبنائها، أو على توجهات وقرارات حماس التي كانت تضع خططها وقراراتها مستندة إلى فيض معلومات ينبغي أن يكون سرياً وخاصاً بفتح.
لقد أضعف هذا الصراع الداخلي بفتح، موقفها أمام حماس، وزاد الأخيرة صلفاً وجرأة وثقة بالحسم لصالحها، وهي تقرأ جيداً رسائل التزلف والمهادنة الواضحة والمشفرة، التي يبثها المحايدون من فتح، فاستباحت الحركة بتسارع كبير دون إفساح المجال حتى لتهدئة اعلامية.
وقد عملت حماس على توجيه المعركة نحو دحلان وما تصفه ((بالتيار الخياني)) بفتح كعنوان للاستهداف والاجتثاث، لتستقوي بجزء من فتح على جزء فيها، وقد نجحت بمثل هذا التكتيك على المستويين الإعلامي والتعبوي وصولاً إلى المواجهة المسلحة، باختراقات متعددة المستويات، بما فيها الاختراق النفسي، الذي جعل الكثيرين من مستويات قيادية يرددون بصوت مرتفع (لن نخوض معركة دحلان)، وذلك على خلفية الصراعات الفتحاوية الداخلية.
لقد نجحت حماس بتحييد قسم كبير من الحركة (حتى في أطرها القيادية) هذا القسم الذي لم يكن يرى أن هذه المعركة هي معركة فتح، ولهذا قرر موقفه الحيادي السلبي الذي شكل خذلاناً للحركة والمدافعين عنها، غير آبه بالنتائج التي ستسفر عنها المواجهة في ظل ميزان القوى القائمة، ودون رؤية لوقائع الحرب الميدانية، التي لم تميز على الأرض بين ((التيار الخياني)) كما تزعم، وبين الأمن الوطني والحرس الرئاسي والمخابرات على سبيل المثال إنها مسؤولية التقاعس عن تحمل المسؤولية بالدفاع عن الحركة والسلطة والمراهنة على نتائج عسكرية تفضي إلى نتائج تنظيمية يتوهمون أنها ستكون لصالحهم.
إن وقائع المواجهة ونتائجها، لا تدع مجالاً للشك، أن المواجهات والحرب إنما كانت ضد فتح والشرعية الفلسطينية بهدف الإطاحة بالأولى والاستيلاء على الثانية، ولكنها أي فتح عملياً، لم تكن الطرف الرئيس الميداني المباشر في مواجهة حماس، بل اختفت حركة فتح خلف الأجهزة الرسمية لتقوم الأجهزة بالدور الذي هو بالأساس دور التنظيم والكتائب المسلحة، وكأن فتح خطفت المؤسسة العسكرية لتصد بها خصمها حماس، خاصة وأن قرار الحرب الذي لم يتخذه أحد، لم تتخذه قيادة فتح ممثلة باللجنة المركزية.
فلم يكن التنظيم تنظيماً، بل مجموعات متفرقة، وفي أحسن حالات مشاركتها الميدانية لم تكن أكثر من مشاغلة، مع أن المعركة بالأساس هي معركة فتح، وليست معركة الأجهزة، فلم يقاتل أحد بمعنى القتال، بل كان التشفي بين العسكر والتنظيم، الذي لم يشارك بشيء وربما بتعليمات.
وهي ترى أن المعركة ليست معركتها بل هي مع التنظيم، ومعاناتها جراء ممارسات التنظيم، خاصة الحالات التنظيمية العسكرية، التي لعبت دوراً سلبياً، يؤكد حالة الاختراق والارتباط لكثير من تلك الحالات سواء مع حماس أو مع غيرها والتي تم التأكد من وجودها بالقوات كظاهرة صاعقة أثناء المواجهة، يضاف إليها سلسلة من الممارسات السيئة، المرتبطة بحالة الفوضى والفلتان المحسوبة على حركة فتح.
بمعنى أن تنظيم فتح الذي من المفترض أن يدافع عن حركته والأجهزة، تراجع دوره، وأصبح عبئاً على الأجهزة. والحجم العسكري للتنظيم، كان لمرافقة وحماية مسؤولي الحالات العسكرية وقادة التنظيم، ولا أحد يساند الآخر تغلباً للولاءات الفردية والعائلية داخل الحركة على العصبوية التنظيمية وهو ما يستحق المساءلة.
وهكذا جرت المواجهة وانتهت بغياب قيادة سياسية عن أرض المواجهة بما جعل القادة الميدانيين، يشعرون بأنهم يخوضون هذه المواجهة، بدون غطاء سياسي أو حتى إعلامي أو معنوي يفسر طبيعة المواجهة ويحسم خيارات الموقف والقرار بصورة معلنة، تحدد جبهة الانقلابيين وتعلن حالة الاستنفار والتعبئة لردعهم، ولحماية النظام السياسي والشرعية والمشروع الوطني.
هذا الصمت الذي تواصل إلى الجولة الحاسمة من المواجهات حيث كانت المواقف الرسمية القليلة تدعو لوقف الاقتتال من الجانبين أي التعامل بنفس النظرة والموقف بين طرفي المواجهة، وكأن المعركة معركة أمراء حرب، بينما مركزية فتح لا تقوم بدورها ومشروعها يتعرض للخطر وبعض أعضائها لا ينطق، القيادة برام الله غير معنية، والمواقع تقاتل وظهرها مكشوف، قيادة فتح غير موجودة، وإن وجدت لا تتدخل، وكأن الأمر على خطورته لا يعنيها.
إن قيادة غائبة الدور غائبة الفعل غائبة الحضور لا تنتج رؤيا بأي اتجاه لمواجهة تحدي المصير، ... لهذا كانت وقائع الحرب الميدانية تواكب حالة التردي والانهيار التنظيمية، بمقاييس الهزيمة المسبقة ... وعليه فإن التنظيم بكل مراكز القوى فيه، ومستوياته التنظيمية وصولاً إلى رأس الهرم، بما فيه الحالات العسكرية، وامتداد تجاذباته وألوانه إلى المؤسسة العسكرية، لا يمكن أن يُعفى من المسؤولية تجاه هذه الهزيمة المدوية بقطاع غزة، وامتداد تأثير صداها، إلى كافة أماكن تواجد الحركة، وخاصة الضفة الغريبة بما يبعث على القلق والخشية من تفاقم حالة الانقسام والتشظي الحركية.
والتقرير يقع في 64 صفحة، ويضم قراءات تنظيمية وسياسية وأمنية، وخلاصات للنتائج وتوصيات عقابية، واقتراحات بترقيات، وتوصيات سياسية وتنظيمية.
والقارئ للتقرير يلاحظ أن واضعيه انطلقوا من قاعدة أنهم طرف، أي أن بنود التقرير حفلت بمجموعة من المغالطات السياسية والأكاذيب التي تظهر أن السلطة وفريقها ينظرون بعداوة إلى المقاومة وحركة حماس، فهم وصفوا حماس أكثر من مرة في التقرير بأنها ((ميليشيا خارجة عن القانون))، وأن الانقلاب كان على فتح ورئيس السلطة.
اللافت أن التقرير يكرر مرات كثيرة عبارات مثل ((التناقضات الداخلية)) و((المعنويات المنهارة)) و((فاقدي الأمل)) واصفاً حال فتح والأجهزة الأمنية. والتقرير يتحدث بالتفصيل عما قامت به حماس ضد الأجهزة لكنه لا يأتي مطلقاً على ما ارتكبته الأجهزة من أفعال وجرائم وممارسات ضد حماس والشعب. ويكشف التقرير حالة انعدام الثقة بين أبو مازن وفتح والأجهزة الأمنية، ويعترف بتراكم الأخطاء والممارسات السيئة للسلطة منذ عام 1994، ويعترف بتشكيل مرجعية أمنية موحدة قبل الحسم ووظيفتها ((الضرب بشدة)).
فيما يلي بعض أجزاء ومقتطفات من التقرير ننشرها بهدف اطلاع القارئ على أهم ما جاء في تقرير لجنة التحقيق، وبهدف زيادة معلومات القارئ عما حصل وما كان يحصل في غزة، ومع الأجهزة الأمنية.
على المستوى العسكري وإلى جانب محاولات ومساعي توفير الأسلحة والذخائر بالطرق الرسمية أو عن طريق السوق المحلية والتي تتحدث عنها أرقام الحسابات المالية المتوافرة، وحسب الكشوفات البنكية فقد تلقى مستشار الأمن القومي الأخ محمد دحلان منذ بداية شهر كانون ثاني/يناير 2007 ما يزيد عن 25 مليون دولار من الصندوق القومي، صرف منها حوالي 19 مليون دولار، كذلك تم طلب سيارات من مصر بقيمة 2 مليون دولار إضافية ومن مصادر أخرى سدد منها مليون دولار، ولم تسلم السيارات بعد، بالإضافة إلى وسائط النقل وبعض الاحتياجات اللوجستية التي يستنتج بأنها لم تكن عبر القنوات الصحيحة، ولم توضع بالمواقع الصحيحة والأشخاص المناسبين مما يستوجب المساءلة.
لقد تأخرت عملية البدء بإعادة هيكلة وتأهيل المؤسسة العسكرية وخاصة قوى الأمن الوطني التي كان مقرراً لها أن تجري من خلال مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي محمد دحلان بموجب المرسوم الرئاسي الصادر بتاريخ الثاني من آذار/مارس 2007 الذي فوض السيد محمد دحلان بصلاحيات واضحة قوبلت بامتعاض وإحباط ضباط وقيادات حركية ومستشارين آخرين، خاصة المستشار العسكري الفريق المجايدة الذي رأى بتلك الصلاحيات الواسعة تجاوزاً له ولدوره لصالح من فوضه (السيد دحلان) ليعمل نيابة عنه وهو الأخ توفيق أبو خوصة، الذي توصي اللجنة بضرورة نقله من الكادر العسكري إلى الكادر المدني.
لقد كانت تلك الصلاحيات الواسعة استشارية وتنفيذية شمولية على كافة الأجهزة الأمنية بما فيها الأمن الوطني مع أنه ليس رجلاً عسكرياً، وتتعارض صلاحياته مع قوانين خاصة بالمؤسسة الأمنية، وبما لا يتفق والمهام التقليدية الأساسية لمهمة مستشارية الأمن القومي ذات الطابع المعلوماتي الاستراتيجي بالصيغة الاستشارية التي تساعد صانع القرار.
واتجهت مهمة السيد محمد دحلان وسط معارضة وانتقادات داخلية (كما استمعت اللجنة من الشهادات) نحو التركيز على تلبية احتياجات قوى الأمن الوطني خاصة بقطاع غزة. وحسب مصادر ومقدار التمويل الخارجي المتاح والذي يستطيع الحصول عليه، وحسب الآليات الممكنة لامتلاك العتاد والسلاح، وهذا مؤشر آخر على حجم التفويض الواسع الذي شمل الاتصال بجهات خارجية بصورة مباشرة للحصول على التمويل أو التجهيزات بما في ذلك تأمين إدخالها.
إلى جانب ذلك تم استحداث مكتب خاص لإعداد الخطط والهيكليات اللازمة لإعادة صياغة مؤسسة الأمن الوطني. وهو المكتب الذي بلور الرؤيا الخاصة للمؤسسة العسكرية الجديدة المزمع إقامتها، وتم اعتمادها بمرسوم رئاسي فيما بقيت الخطط والهيكليات بانتظار التمويل اللازم الذي شكل باستمرار عصب أزمة المؤسسة الأمنية العسكرية، وهذا مؤشر جديد على أسلوب العمل المتوازي بين الإحتياجات العاجلة والاستراتيجيات الآجلة بما فيه الخلط بين مهام التخطيط والتنفيذ.
غير أن تغييرات هيكلية تم استحداثها على مستوى الأمن الوطني بقطاع غزة كان لها أثر على السياق التراتبي العسكري والمعنوي، وبالتالي على الأداء الميداني للأمن الوطني أثناء المواجهة بصور ومستويات مختلفة، إلا أنها بالمجمل تضافرت مع عوامل ومسببات أخرى كان لها أثر سلبي على أداء الأمن الوطني بعدم استيعاب التغييرات الجديدة وعدم الرضى عنها وعن مرجعية هذه التغييرات خاصة أنها مرجعية مدنية مما خلق إشكالية إزدواجية المرجعيات.
بين مطلع آذار/مارس 2007 ومنتصف نيسان/أبريل الموالي أي بعد شهر ونصف من تكليفه الرسمي، كان السيد دحلان يغادر برحلة علاج، امتدت إلى ما بعد حسم المعركة والاستيلاء على السلطة بالضبط بعد شهر ونصف آخر، فما هو حجم الإنتاج المتوقع في مثل نصف هذه المدة الزمنية من مدة التكليف، والأهم قياساً إلى ضغط العامل الزمني الشديد استباقاً لقرار الحسم الحمساوي المعروف.
إضافة إلى صعوبة الواقع الذي تعيشه المؤسسة وحجم احتياجاتها الكبير والمعوّقات الموضوعية المتعددة من حالة الاعتمادات المالية والتسويف في تأمينها وتأمين دخول المعدات والتجهيزات وسط تذمر القيادات التنظيمية العسكرية من دور محمد دحلان وإشرافه على الموضوع الذي حاول بظروف صعبة زادها غيابه للعلاج صعوبة، ومع ذلك فإن الغياب حتى ولو كان قسرياً لصاحب المهمة الرسمية كان يتطلب الإعفاء أو يستبدل من المسؤولية.
إن نظرة سريعة إلى التاريخ القريب، تكشف حدة الأزمات العميقة والمركبة، البنيوية والوظيفية التي تعانيها الحركة بما يتناسب حتى بتآكل رصيدها النضالي، ويقدمها حركة يستشري الفساد في أوساطها القيادية وخصوصاً لدى العناصر التي احتلت مواقع متقدمة بالسلطة (بدءاً من تقرير هيئة الرقابة عام 97 وانتهاءاً بإعلان النائب العام بتاريخ 5/2/2006) حتى وصمت سلطة فتح بالفساد.
وهو الأمر الذي كان أحد الأسباب الرئيسية لخسارتها للانتخابات البلدية والتشريعية أمام حركة حماس، هذا بالطبع إلى جانب التشرذم وغياب وحدة الموقف الذي تكرر بالمواجهة الأخيرة.. بما يدلل على أن تجربة فتح بالحكم وقيادة النظام السياسي الفلسطيني دون إنجازات سياسية بعد إقامة السلطة نتيجة انسداد الآفاق وسوء الأداء، وانهيار خيار السلام التفاوضي ((لم تكن نموذجاً مشجعاً يحفز التفاف الرأي العام)).
ولا تخفى حالة التشظي التنظيمية الغريبة التي تعيشها فتح، بغياب أدنى متطلبات الحياة التنظيمية الاعتيادية، بدءاً من التراتبية التنظيمية ودورية اجتماعاتها ومحاضرها الرسمية، مروراً بغياب المحاسبة والمساءلة والتقييم، إلى انتشار مرض الإدعاءات والتناقضات والشللية، وانتهاءاً بتشكيل مراكز القوى، المنشغلة ببعضها البعض، تعبئة وتحريضاً وصراعاً تناحرياً، إلى حد التخوين والتهديد باستخدام السلاح بما يؤكد انعدام الثقة الداخلية
في نفس الوقت كانت تعيش فيه الحركة بغزة ثلاثة تيارات أو مراكز قوى متباينة ومتناقضة، بأجندات ورؤى مختلفة ومتناقضة، تضرب عرض الحائط بإمكانات التوافق بالحد الأدنى، التي تستدعيها خطورة الأوضاع بغزة وتفرضها متطلبات المواجهة الحتمية مع حماس بمعنى أنها لم تتوحد أو تتفق، حتى لمواجهة التناقض الخارجي، خلافاً لتجارب الأحزاب والشعوب عبر التاريخ.
لقد حافظت هذه التيارات أو مراكز القوى على الالتزام بمواقفها التنظيمية المتناقضة، حتى أثناء المواجهات دون مبرر منطقي، خاصة بعد موافقة الأطراف بما فيها أبو ماهر حلس على مبدأ تشكيل قيادة الساحة وشارك بتشكيلها وبعد التوافق على أسماء أعضائها وانسحابه مع سمير مشهراوي من عضويتها عاد ثانية وتراجع بعد لقاء تنظيمي موسع لأنصاره بحضور وسائل الإعلام ليعلن معارضته لقيادة الساحة، ووقوفه ضدها وذلك لأسباب ومبررات أهمها أسباب مالية بحتة كما قال البعض، أو كما فسر البعض الآخر لأن دحلان استولى على العسكر والأمن والمال والتنظيم.
إن الإحجام عن المشاركة الجماعية العسكرية بالمواجهات كان يترجم أيضاً بالإحجام عن المشاركة بأي جهد آخر، لوقف المواجهات عبر الحوار لوقف النار، وكأن المواجهة هي بين حماس وأحد مراكز القوى التي تتألب ضدها المراكز الأخرى بالحركة أو تتشفى به، لتبدو كأنها مستفيدة من نتائج المواجهات، كما تعلق على نتائج هذه المواجهات الأمل المبني على سوء التقدير وفقدان الرؤى الذي كانت إحدى تعبيراته تلك الاختراقات السياسية من بعض كوادر الحركة القيادية بالاتصال والتنسيق المباشر مع حماس الداخل والخارج في ذروة المواجهات معها بدون قرار قيادي جماعي، وبدون عودة للأطر بما فيها المركزية أو الثوري أو القائد العام للحركة سواء بإجراء الاتصال مع حماس أو بإطلاع الحركة على نتائج الاتصال، وكأنها قضية شخصية يمارسها المعني بما يراه حصانة وحقاً لنفسه دون تفكير بانعكاسات ذلك على الحركة وأبنائها، أو على توجهات وقرارات حماس التي كانت تضع خططها وقراراتها مستندة إلى فيض معلومات ينبغي أن يكون سرياً وخاصاً بفتح.
لقد أضعف هذا الصراع الداخلي بفتح، موقفها أمام حماس، وزاد الأخيرة صلفاً وجرأة وثقة بالحسم لصالحها، وهي تقرأ جيداً رسائل التزلف والمهادنة الواضحة والمشفرة، التي يبثها المحايدون من فتح، فاستباحت الحركة بتسارع كبير دون إفساح المجال حتى لتهدئة اعلامية.
وقد عملت حماس على توجيه المعركة نحو دحلان وما تصفه ((بالتيار الخياني)) بفتح كعنوان للاستهداف والاجتثاث، لتستقوي بجزء من فتح على جزء فيها، وقد نجحت بمثل هذا التكتيك على المستويين الإعلامي والتعبوي وصولاً إلى المواجهة المسلحة، باختراقات متعددة المستويات، بما فيها الاختراق النفسي، الذي جعل الكثيرين من مستويات قيادية يرددون بصوت مرتفع (لن نخوض معركة دحلان)، وذلك على خلفية الصراعات الفتحاوية الداخلية.
لقد نجحت حماس بتحييد قسم كبير من الحركة (حتى في أطرها القيادية) هذا القسم الذي لم يكن يرى أن هذه المعركة هي معركة فتح، ولهذا قرر موقفه الحيادي السلبي الذي شكل خذلاناً للحركة والمدافعين عنها، غير آبه بالنتائج التي ستسفر عنها المواجهة في ظل ميزان القوى القائمة، ودون رؤية لوقائع الحرب الميدانية، التي لم تميز على الأرض بين ((التيار الخياني)) كما تزعم، وبين الأمن الوطني والحرس الرئاسي والمخابرات على سبيل المثال إنها مسؤولية التقاعس عن تحمل المسؤولية بالدفاع عن الحركة والسلطة والمراهنة على نتائج عسكرية تفضي إلى نتائج تنظيمية يتوهمون أنها ستكون لصالحهم.
إن وقائع المواجهة ونتائجها، لا تدع مجالاً للشك، أن المواجهات والحرب إنما كانت ضد فتح والشرعية الفلسطينية بهدف الإطاحة بالأولى والاستيلاء على الثانية، ولكنها أي فتح عملياً، لم تكن الطرف الرئيس الميداني المباشر في مواجهة حماس، بل اختفت حركة فتح خلف الأجهزة الرسمية لتقوم الأجهزة بالدور الذي هو بالأساس دور التنظيم والكتائب المسلحة، وكأن فتح خطفت المؤسسة العسكرية لتصد بها خصمها حماس، خاصة وأن قرار الحرب الذي لم يتخذه أحد، لم تتخذه قيادة فتح ممثلة باللجنة المركزية.
فلم يكن التنظيم تنظيماً، بل مجموعات متفرقة، وفي أحسن حالات مشاركتها الميدانية لم تكن أكثر من مشاغلة، مع أن المعركة بالأساس هي معركة فتح، وليست معركة الأجهزة، فلم يقاتل أحد بمعنى القتال، بل كان التشفي بين العسكر والتنظيم، الذي لم يشارك بشيء وربما بتعليمات.
وهي ترى أن المعركة ليست معركتها بل هي مع التنظيم، ومعاناتها جراء ممارسات التنظيم، خاصة الحالات التنظيمية العسكرية، التي لعبت دوراً سلبياً، يؤكد حالة الاختراق والارتباط لكثير من تلك الحالات سواء مع حماس أو مع غيرها والتي تم التأكد من وجودها بالقوات كظاهرة صاعقة أثناء المواجهة، يضاف إليها سلسلة من الممارسات السيئة، المرتبطة بحالة الفوضى والفلتان المحسوبة على حركة فتح.
بمعنى أن تنظيم فتح الذي من المفترض أن يدافع عن حركته والأجهزة، تراجع دوره، وأصبح عبئاً على الأجهزة. والحجم العسكري للتنظيم، كان لمرافقة وحماية مسؤولي الحالات العسكرية وقادة التنظيم، ولا أحد يساند الآخر تغلباً للولاءات الفردية والعائلية داخل الحركة على العصبوية التنظيمية وهو ما يستحق المساءلة.
وهكذا جرت المواجهة وانتهت بغياب قيادة سياسية عن أرض المواجهة بما جعل القادة الميدانيين، يشعرون بأنهم يخوضون هذه المواجهة، بدون غطاء سياسي أو حتى إعلامي أو معنوي يفسر طبيعة المواجهة ويحسم خيارات الموقف والقرار بصورة معلنة، تحدد جبهة الانقلابيين وتعلن حالة الاستنفار والتعبئة لردعهم، ولحماية النظام السياسي والشرعية والمشروع الوطني.
هذا الصمت الذي تواصل إلى الجولة الحاسمة من المواجهات حيث كانت المواقف الرسمية القليلة تدعو لوقف الاقتتال من الجانبين أي التعامل بنفس النظرة والموقف بين طرفي المواجهة، وكأن المعركة معركة أمراء حرب، بينما مركزية فتح لا تقوم بدورها ومشروعها يتعرض للخطر وبعض أعضائها لا ينطق، القيادة برام الله غير معنية، والمواقع تقاتل وظهرها مكشوف، قيادة فتح غير موجودة، وإن وجدت لا تتدخل، وكأن الأمر على خطورته لا يعنيها.
إن قيادة غائبة الدور غائبة الفعل غائبة الحضور لا تنتج رؤيا بأي اتجاه لمواجهة تحدي المصير، ... لهذا كانت وقائع الحرب الميدانية تواكب حالة التردي والانهيار التنظيمية، بمقاييس الهزيمة المسبقة ... وعليه فإن التنظيم بكل مراكز القوى فيه، ومستوياته التنظيمية وصولاً إلى رأس الهرم، بما فيه الحالات العسكرية، وامتداد تجاذباته وألوانه إلى المؤسسة العسكرية، لا يمكن أن يُعفى من المسؤولية تجاه هذه الهزيمة المدوية بقطاع غزة، وامتداد تأثير صداها، إلى كافة أماكن تواجد الحركة، وخاصة الضفة الغريبة بما يبعث على القلق والخشية من تفاقم حالة الانقسام والتشظي الحركية.