قصائد تميم البرغوثي من: بحر الألم
كأنني أريد ذريعة ما أتكىء عليها لكي أكتب عن بلدي، العراق فوجدتها وبامتياز في ديوانّي الشاعر الشاب تميم البرغوثي.أريد أن أقدمه ولوحده، أريد أن أنحاز إلى قصائده القوية ذات النبرة الشفيفة بالحزن الطافح. أريد أن أشرب من العين، عين ينبوعه التي لم تتوقف عن التفجر والانفجار:
اتوضو يازايرين ده الخير في عتباته
ده راعي يرعى القصايد تحت نخلاته
ده المبتدأ والخبر متربين عنده
بعد الشّعر في الكتب بيجوا هنا يباتو
بدون أن ينبعث مني صرير المبالغة، ان الديوانين؛ «قالوا بتحب مصر قلت مش عارف» وديوان «مقام عراق» وضعت على أغلب صفحاتهما خطوطي وتعليقاتي. أقرأ بصوت عال،على الخصوص الشعر العامي باللهجة المصرية والابوذية العراقية المجنونة بها. كنت أشير وأدل على المقاطع وأريد نقلها كلها إلى القارىء.
في اليوم الأخير من زيارتنا لمدينة تورينو الايطالية سلمتني الدكتورة رضوى عاشور كتّابي ولدها تميم. كنا في اليوم المنقضي نستحضره ونحن نتمشى ما بين الندوات ووقائع المقابلات الصحافية أو الاذاعية. تتحدث الوالدة فأشعر أنني أريد أن أيمم وجهي شطره وشطر شعره فقد قرأت عنه في الصحافة المصرية مقالات تشيد وبحماسة كبيرة إلى القصائد وإلى حكايته المعذبة هو بالذات. كنت أريد أن أتجنب ذيوع صيت والديه، الكاتبة والناقدة والمناضلة المصرية رضوى عاشور والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي. كنت أريد الذهاب إلى موهبة تميم ذات التيلة الآسرة، والابن المثقل باسمي والديه فهو يكتب عنهما بطريقة متقدة بطاقات متعددة من العاطفة التي لم تتوقف ولو لدقائق، ولائحة من التحريضات التي شحن بها هذا الوليد الجميل فتحول ما بين الوالدين هو أيضا، إلى بيت من الشعر فريد في صياغته:
قالوا بتحب مصر، قلت مش عارف
لكني عارف بإني ابن رضوى عاشور
امي التي حملها ما ينحسب بشهور
الحب في قلبها والحرب خيط مظفور
الكتابة عن الشاعر تميم البرغوثي هي ذاتها عن ديوانيه، فهو ابن التواد العربي / الفلسطيني والذي استتبع ذلك عدم منح تميم اوراقه الثبوتية التي تعلن انه مصري بنسب الوالدة فهو لا يحمل هذه الصفة ولم يوقع على جواز سفر ولا سمح له الا أن يكون منفيا بين بلاد العرب اوطاني وداخل الحكاية العربية الماسخة، فنفى نفسه بعد النفي القسري ما بين الاردن والسودان حيث مقر عمله الآن. كتب ديوانه البديع قالوا بتحب مصر، بالدقة والشجن والغضب الوهاج الذي يحول بعض الفحم الذي اصاب الكبد إلى لآلىء. صدر هذا الديوان عن دار الشروق عام 2005. بقيت أتلو القصائد بالعامية المصرية والعراقية لمقام عراق، وأحاول أن أشتم تميم من المحبة الشديدة، وعلى ذلك الملاذ الذي أتخذه لنفسه؛ الشعر، الحارق والحقيقي، ليس لمصر بالذات فهو يعرفها كما ماء العينيين، وأنّما للعراق أيضا. سعدت ان هذا الابن أعلن عن إعجابه بالوالدة، هو الذي تغذى من ثمارها المعرفية والانسانية والوطنية، فمن النادر على الذكر العربي اعلان ذلك وعلى رؤوس الأشهاد. أما اسم الوالد فقد كتب يقول:
أمي وأبويا ألتقوا وألحر للحرة
شاعر من الضفة برغوثي واسمه مريد
قالو لها ده اجنبي، ما يجوز بالمرّة
قالت لهم من امتى كانت رام الله من بلاد بره
الكتابة ليست مزاجا حاميا أو حالة من إجراء السباقات لالتهام المناهج والنظريات المعرفية فحسب، الكتابة، ربما في أحد أساسياتها، هي التقصي العظيم عن الذات لما تدركه من الهام وورع، والهتاف لها في ساعة العتمة للخوض في طرائق الجنة والجحيم سويا:
وأنا ابويا قالو له يللا ع الترحيل
دلوقت جه دوري لاجل بلادي تنفيني
وتشيب أمي في عشرينها وعشريني
تميم سبب لي إرباكا شديدا وهو يكتب عن العراق في ديوانه الآخاذ والناضج مقام عراق. ففي كل مقطع من الديوان أبصر نضجا روحيا وموسيقيا وشعريا ووطنيا. لا أقدر الا على التأمل في أناقة تربية الوالدين له فهو ثمرة طيبة نضجت داخل ضلوع عاشقين وخارج المؤسسات. مقام عراق مرثية فاجعة من التراجيديا العراقية مصاغة بهدوء الحكماء الذين بلغوا سن الشقاء مبكرا لكنهم دبروا أمرهم بصورة من الصور لكي يؤجلوا ميقات حتفهم إلى أبعد حد، وإلى أبعد انجاز هذا المقام. هذا ديوان الرجاء في لا موت بغداد والعراق، لا موت سائر العواصم العربية. قصيدة واحدة ذات نفس ملحمي ومسرحي يمر على الذبائح والجثث، يسلّم على أهل البيت الكريم وعترة الرسول العظيم، يستشهد بالحلاج وأبي زريق البغدادي وينادي على أبي الشهداء الحسين بن علي. كتب مقدمة الديوان الصادر عن دار نشر اطلس للانتاج الإعلامي وأيضا لعام 2005:
كنت في عمان بعد اضطراري لمغادرة مصر. في بداية الحرب، أشاهد سقوط بغداد على أيدي القوات الامريكية، فكل ناطق بالعربية عراقي، كل من رفع فاعلا ونصب مفعولا به. إن عالما كاملا وثقافة بأسرها احتلت يوم احتل العراق:
كفوا لسان المراثي انها ترف
عن سائر الموت هذا الموت مختلف
توجعت ونحت بصوت مختنق وأنا اقرأ هذا الديوان بعدما غادرت الزميلات الكاتبات إلى مكان يبعد عن تورينو ساعة ونصف، شئت عدم الذهاب والبقاء بين العراق ومقام هذا الشاعر الذي تورطت وأنا اقرأ وأردد؛ يعقل أن يكون هذا الشاب وهو في السابعة والعشرين أن يمتلك هذه الوفرة من الاهتمامات، في العمارة وقراءة التاريخ بعين جذرية فاحصة، بين رؤية الهلال من بين نخيل العراق فيقسم الكون لديه بين الشعر واللاشعر.. الخ
يكتب عن بغداد برحابة وحرية قل نظيرها:
ناديت بغداد وأهل بغداد،
عمري إذا أنقصتموه يزداد
هو استعار أعمار غيره من شعراء العربية الشاهقة فكما يبدو تميم سبّاح منضبط في عموم بحور وموسيقى الشعر العربي لكن بحره الذي يبدو خارج جميع مصطلحات البحور المعروفة؛ هو بحر الألم، ألمه خارج أوقات العرب الرسمية:
أتأخرت؟ قال امرؤ لأخيه
فقال له: بل مضوا مسرعين
كأنني أريد ذريعة ما أتكىء عليها لكي أكتب عن بلدي، العراق فوجدتها وبامتياز في ديوانّي الشاعر الشاب تميم البرغوثي.أريد أن أقدمه ولوحده، أريد أن أنحاز إلى قصائده القوية ذات النبرة الشفيفة بالحزن الطافح. أريد أن أشرب من العين، عين ينبوعه التي لم تتوقف عن التفجر والانفجار:
اتوضو يازايرين ده الخير في عتباته
ده راعي يرعى القصايد تحت نخلاته
ده المبتدأ والخبر متربين عنده
بعد الشّعر في الكتب بيجوا هنا يباتو
بدون أن ينبعث مني صرير المبالغة، ان الديوانين؛ «قالوا بتحب مصر قلت مش عارف» وديوان «مقام عراق» وضعت على أغلب صفحاتهما خطوطي وتعليقاتي. أقرأ بصوت عال،على الخصوص الشعر العامي باللهجة المصرية والابوذية العراقية المجنونة بها. كنت أشير وأدل على المقاطع وأريد نقلها كلها إلى القارىء.
في اليوم الأخير من زيارتنا لمدينة تورينو الايطالية سلمتني الدكتورة رضوى عاشور كتّابي ولدها تميم. كنا في اليوم المنقضي نستحضره ونحن نتمشى ما بين الندوات ووقائع المقابلات الصحافية أو الاذاعية. تتحدث الوالدة فأشعر أنني أريد أن أيمم وجهي شطره وشطر شعره فقد قرأت عنه في الصحافة المصرية مقالات تشيد وبحماسة كبيرة إلى القصائد وإلى حكايته المعذبة هو بالذات. كنت أريد أن أتجنب ذيوع صيت والديه، الكاتبة والناقدة والمناضلة المصرية رضوى عاشور والشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي. كنت أريد الذهاب إلى موهبة تميم ذات التيلة الآسرة، والابن المثقل باسمي والديه فهو يكتب عنهما بطريقة متقدة بطاقات متعددة من العاطفة التي لم تتوقف ولو لدقائق، ولائحة من التحريضات التي شحن بها هذا الوليد الجميل فتحول ما بين الوالدين هو أيضا، إلى بيت من الشعر فريد في صياغته:
قالوا بتحب مصر، قلت مش عارف
لكني عارف بإني ابن رضوى عاشور
امي التي حملها ما ينحسب بشهور
الحب في قلبها والحرب خيط مظفور
الكتابة عن الشاعر تميم البرغوثي هي ذاتها عن ديوانيه، فهو ابن التواد العربي / الفلسطيني والذي استتبع ذلك عدم منح تميم اوراقه الثبوتية التي تعلن انه مصري بنسب الوالدة فهو لا يحمل هذه الصفة ولم يوقع على جواز سفر ولا سمح له الا أن يكون منفيا بين بلاد العرب اوطاني وداخل الحكاية العربية الماسخة، فنفى نفسه بعد النفي القسري ما بين الاردن والسودان حيث مقر عمله الآن. كتب ديوانه البديع قالوا بتحب مصر، بالدقة والشجن والغضب الوهاج الذي يحول بعض الفحم الذي اصاب الكبد إلى لآلىء. صدر هذا الديوان عن دار الشروق عام 2005. بقيت أتلو القصائد بالعامية المصرية والعراقية لمقام عراق، وأحاول أن أشتم تميم من المحبة الشديدة، وعلى ذلك الملاذ الذي أتخذه لنفسه؛ الشعر، الحارق والحقيقي، ليس لمصر بالذات فهو يعرفها كما ماء العينيين، وأنّما للعراق أيضا. سعدت ان هذا الابن أعلن عن إعجابه بالوالدة، هو الذي تغذى من ثمارها المعرفية والانسانية والوطنية، فمن النادر على الذكر العربي اعلان ذلك وعلى رؤوس الأشهاد. أما اسم الوالد فقد كتب يقول:
أمي وأبويا ألتقوا وألحر للحرة
شاعر من الضفة برغوثي واسمه مريد
قالو لها ده اجنبي، ما يجوز بالمرّة
قالت لهم من امتى كانت رام الله من بلاد بره
الكتابة ليست مزاجا حاميا أو حالة من إجراء السباقات لالتهام المناهج والنظريات المعرفية فحسب، الكتابة، ربما في أحد أساسياتها، هي التقصي العظيم عن الذات لما تدركه من الهام وورع، والهتاف لها في ساعة العتمة للخوض في طرائق الجنة والجحيم سويا:
وأنا ابويا قالو له يللا ع الترحيل
دلوقت جه دوري لاجل بلادي تنفيني
وتشيب أمي في عشرينها وعشريني
تميم سبب لي إرباكا شديدا وهو يكتب عن العراق في ديوانه الآخاذ والناضج مقام عراق. ففي كل مقطع من الديوان أبصر نضجا روحيا وموسيقيا وشعريا ووطنيا. لا أقدر الا على التأمل في أناقة تربية الوالدين له فهو ثمرة طيبة نضجت داخل ضلوع عاشقين وخارج المؤسسات. مقام عراق مرثية فاجعة من التراجيديا العراقية مصاغة بهدوء الحكماء الذين بلغوا سن الشقاء مبكرا لكنهم دبروا أمرهم بصورة من الصور لكي يؤجلوا ميقات حتفهم إلى أبعد حد، وإلى أبعد انجاز هذا المقام. هذا ديوان الرجاء في لا موت بغداد والعراق، لا موت سائر العواصم العربية. قصيدة واحدة ذات نفس ملحمي ومسرحي يمر على الذبائح والجثث، يسلّم على أهل البيت الكريم وعترة الرسول العظيم، يستشهد بالحلاج وأبي زريق البغدادي وينادي على أبي الشهداء الحسين بن علي. كتب مقدمة الديوان الصادر عن دار نشر اطلس للانتاج الإعلامي وأيضا لعام 2005:
كنت في عمان بعد اضطراري لمغادرة مصر. في بداية الحرب، أشاهد سقوط بغداد على أيدي القوات الامريكية، فكل ناطق بالعربية عراقي، كل من رفع فاعلا ونصب مفعولا به. إن عالما كاملا وثقافة بأسرها احتلت يوم احتل العراق:
كفوا لسان المراثي انها ترف
عن سائر الموت هذا الموت مختلف
توجعت ونحت بصوت مختنق وأنا اقرأ هذا الديوان بعدما غادرت الزميلات الكاتبات إلى مكان يبعد عن تورينو ساعة ونصف، شئت عدم الذهاب والبقاء بين العراق ومقام هذا الشاعر الذي تورطت وأنا اقرأ وأردد؛ يعقل أن يكون هذا الشاب وهو في السابعة والعشرين أن يمتلك هذه الوفرة من الاهتمامات، في العمارة وقراءة التاريخ بعين جذرية فاحصة، بين رؤية الهلال من بين نخيل العراق فيقسم الكون لديه بين الشعر واللاشعر.. الخ
يكتب عن بغداد برحابة وحرية قل نظيرها:
ناديت بغداد وأهل بغداد،
عمري إذا أنقصتموه يزداد
هو استعار أعمار غيره من شعراء العربية الشاهقة فكما يبدو تميم سبّاح منضبط في عموم بحور وموسيقى الشعر العربي لكن بحره الذي يبدو خارج جميع مصطلحات البحور المعروفة؛ هو بحر الألم، ألمه خارج أوقات العرب الرسمية:
أتأخرت؟ قال امرؤ لأخيه
فقال له: بل مضوا مسرعين