مسامير وأزاهير 103 ... أكان ( ريتشارد فولك ) معارضاً للسلطة الفلسطينية!!!.
صرنا مضرباً للأمثال والحكايا والتندر والتهكم جراء التقاء طرفين أحدهما يُـعـَدُ ضحية متضرراً فيما كان الثاني جلاداً فراحا رغم اختلاف العنوانين إلا أنهما بات أحدهما يكمل دور الآخر، دهاء عدونا وسيره حثيثاً من أجل إكمال وتنفيذ مخططه أولاً ، وقلة حيلة وسوء تدبر وعدم اكتراث وموت ضمير أولي أمر وساسة وقادة يفترض بهم نقاء الضمير ويقظة الوجدان وحسن التصرف ثانياً، والنتيجة المنطقية والطبيعية لهذا الالتقاء والتزامن هو استمرار وحشية احتلال وغطرسته من جانب ، وضياع لحقوق شعب قد ذاق ما ذاق من تشرد وضياع وانقسام وتشرذم وحصار وتغييب إرادة من جانب آخر !!، والطريف والغريب أن واجب الطرف الثاني هو مجابهة ومواجهة الطرف المعادي والمحتل فإذا بالمشهد يجمعهما على حب ووفاق وتناغم!!.
حتى يشيب الغراب !!!.
ذاك هو الأمل ( المفقود !!) الذي بتنا ننتظره فلا نلقاه ولا نرى له بصيص أمل بتحقيقه ، والأمل المقترن بتحقيق وعد والمشروط بأن يشيب الغراب إنما هو أمر يستحيل حدوثه ، لسبب بسيط يتمثل بأن الغراب لا يشيب البتة!!، وما دمنا بتمسكنا بسلطة تراهن على أن يشيب الغراب قبل تحقيق الآمال العراض فإن الأمل في :
1. إنهاء معاناة شعبنا قد صارت ضعيفة!!.
2. نيل حقوقنا باتت مستحيلة!!.
3. الثأر لدماء شهدائنا أمست حلماً بعيد المنال !!.
4. الحفاظ على عروبة وإسلامية مسجد الصخرة ومنعه من الانهيار قد صار كالحرث في مياه البحر!!.
5. إيقاف زحف يهود على ما تبقى من مدن الضفة مجرد أضغاث أحلام!!.
6. الأمل المنشود في حنكة قيادة ويقظة ضمير وسعي حثيث من أجل شعبها ودرء المخاطر عنها قد كانت أمراً مستحيلاً يصعب تحقيقه!!.
ما نمر به هذه الأيام ما هو إلا حلقة من حلقات مسلسل قد خبرناه وعرفناه وعشناه مذ نعومة أظفارنا ولمن كان صغيراً منا فإنه ولابد قد سمعه من كبار قومه وعشيرته، إلا أن الأمر العجيب الغريب أننا وبرغم ما نالنا من خطوب فإننا ما احترسنا ولا اتعظنا لما قد سيأتي من حلقات قادمة يستكمل فيها عدونا ما خطط لنا وبيت لاسيما وأن ذاك العدو جاد في خططه فهو لا يمارس إضاعة الوقت كما نفعل نحن حين آثرنا أن نستكين لقدرنا بعد أن سلمنا مقدراتنا لمن لا ضمير ولا وجدان له فراح الأخير يسرح ويمرح ويعقد الصفقات على حسابنا وحساب حقوقنا التاريخية ليأتي يوم ( أراه قريباً جداً في ظل ما يجري !!) قد لا نرى شيئاً مما تركه لنا آباؤنا وأجدادنا من إرث وأمانة !!.
فوضى عارمة تلك التي عشناها في الأيام القلائل المنصرمة نتيجة تناقض في المواقف وكذب على الذقون وتدليس مستمر ، فبعد أن أصر ياسر عبد ربه على رفضه الاتهامات التي وجهت للقيادة الفلسطينية بالوقوف وراء تأجيل التصويت على قرار تقرير غولدستون حول الأحداث التي شهدتها غزة خلال الحرب "الإسرائيلية " الأخيرة عليها واصفاً تلك الاتهامات بالزائفة المغرضة ، فإذا بذات الشخص بلحمه ودمه وخفة ظله ودمه يخرج علينا من على شاشة تلفزيون فلسطين الرسمية ليعلن بعظمة لسانه عن اكتشافه المذهل والفريد بأن تلك الاتهامات التي كان قد رفضها بالأمس قد كانت صحيحة وأن ما جرى وفق حساباته وحسابات سلطته يـُـعَدّ ( خطأ ) بسيطاً يمكن علاجه وتداركه مستقبلاً!!.
ولا أجدني إزاء ذاك التناقض والتراقص على حبل التصريحات المتناقضة إلا أن أتساءل بمرارة واستغراب :
1. كيف يحق لمستشار وأحد رموز منظمة التحرير أن يتقلب في رأيه بهذه السرعة القياسية ، فينفي في يوم ليأتي فيؤكد في اليوم الآخر بوصف ما جرى أنه قد كان وبمنتهى البساطة واليسر على أنه خطأ يمكن تصحيح مساراته وتداعياته!!،
2. وبعد أن أذعن لتداعيات ما جرى فقرر أن يعلن بأن الاتهامات بتقصير السلطة كانت صحيحة ، فبأي ميزان قد وزن وبأي معيار قد قاس ياسر عبد ربه ذاك التصرف فوجده يندرج تحت خانة ( الخطأ )، هذا إذا ما أخذنا بالحسبان أننا وطيلة ستة عقود قد نلنا ما نلناه فما انتصفنا خلالها من عدونا رغم شراسة ما نالنا منه!!؟.
3. وهل أن قرار إرجاء السلطة لتحقيق إدانة مؤكدة لإجرام ومجازر حكومة يهود يعتبر بنظره مجرد ... ( خطأ )!؟.
لا أرى والله فيما سمعنا وقرأنا من تصريحات ياسر عبد ربه ( وقبله عريقات ) إلا تأكيداً راسخاً ودليلاً دامغاً بأن معياريتهما ونظرتهما لتداعي الأمر كان سطحياً وتافهاً وأنه تبرير سخيف يقبع خلف أكمته ما ينذر بالخطر الجسيم على شعبنا وحقوقه المضيعة وعلى مستقل الأجيال من بعدنا، فأي ( خطأ !!) هذا الذي وصفا فيه ما جرى وعلى لسانهما في الوقت الذي كلفنا ذاك (الخطأ ) ثمناً فادحاً تمثل وبمنتهى البساطة بإنقاذ " إسرائيل " من فضيحة مدوية حسب ما جاء بتصريح مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريتشارد فولك الذي بدا عليه الاستنكار والاستهجان والتعجب حيال ذاك التصرف حيث صرح فقال ( بأن السلطة الفلسطينية التي يفترض أنها تمثل الشعب الفلسطيني هي التي قامت بإنقاذ إسرائيل من الإدانة بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع من خلال تأجيل التصويت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون في مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية.)...علماً أن السيد ريتشارد فولك هذا ليس بفلسطيني أبداً كما وأنه ليس بمعارض للسلطة الفلسطينية ولا يعادي رموزها الكبيرة كي نسد الطريق لمن ينبري لنا فيدينه لتصريحه ذاك!!.
وأتساءل ثانية فأقول ... هل هو مجرد ( خطأ ) حين :
1. تحجب عن عدوك التاريخي ومغتصب أرضك ومنتهك كرامتك وسافك دم أبنائك أم أنه أعظم وصفاً !!.
2. ينقذ الضحية جلاده الذي مارس بحق أبنائه التقتيل والتهجير ويمنع عنه بالتالي فرصة الإدانة الدولية ( تحت أي ذريعة أو تبرير) أم أنه أشد وقعاً ودوياً!!.
3. تكون في معركة مصير وحياة وصراع إرادة مع عدو لا يعترف بكينونتك ولا هويتك ولا يهتم لدماء أبنائك وأبناء جلدتك التي سالت بفعل ( رصاصه المنصهر والمصبوب على أجسادهم !!) ثم تسنح لك الفرصة أن تقتص منه ثأراً فلا تفعل !!.
4. تفتقر القيادة للمصداقية والشفافية في الأداء ولا تأخذ بأسباب تمريغ أنف العدو في التراب ولو لمرة واحدة متى ما أتيحت الفرصة أمامها !!.
5. يكون بإمكان قيادتك أن تلقن عدوك درساً كي لا يعود مستقبلاً لممارسة ما اعتاد أن يمارسه بحقك إلا أنها لا تفعل!!.
وأجيب ملء فمي واثق الخطو وثابت الرأي والجنان، لا وحق الله تعالى فذاك ليس بمجرد خطأ أو اجتهاد خاطئ يمكن إصلاحه وتسويته ، بل هي خطيئة كبرى لا تغتفر أيها الرمزان الكبيران ( عريقات وعبد ربه ) ، وهي فضيحة مدوية مجلجلة وليست بالخطأ أيها الرمزان الكبيران ( عريقات وعبد ربه ) ، وهي مصيبة كبرى في ألا تضع حداً لشر عدوك وغطرسته ستسألان عنها ( وبقية رموز السلطة ) يوماً وسيكتبها التاريخ في سفركم جميعاً !!!.
هي فرصة وقد ضاعت ، وإضاعة الفرصة غصة ، فأين بالله عليكم التدبر وحكمة القرار ودهاء إدارة الصراع في قضيتنا !!؟، ثم وأين الإصرار وحنكة الشيب وما تعلمتماه في رحلة عمر في مفاوضات قضيتماها وسباحة في بحور السياسة وفي إدارة صراعنا مع عدونا !!؟، لا أرى والله إلا كونها خطيئة كبرى وجريمة عظمى تلك التي ارتكبتها السلطة الفلسطينية بقرار سحب التقرير ولم تكن ( خطأ ) يمكن تداركه وتصحيح مساره كما أعلنتم، وما خطيئتهم تلك إلا تأكيد على استمرار نهج هم سائرون فيه يندرج ضمن سياق استراتيجية السلطة الممنهج بكامل رموزها وعناوينها متمثلة:
1. بالتمسك بخيار المساومة الذليلة على حقوقنا وثوابتنا.
2. بالإصرار على مفاوضات أثبتت الأيام ومجريات ما جرى أنها عبثية بكل المقاييس والأوزان.
3. بإقصاء المقاومة عن الساحة الفلسطينية و تصفيتها سياسيا باعتبارهم إرهابيين تماشياً وانصياعاً لإرادة واشتراطات أمريكا من أجل استمرار تدفق المساعدات لتلك السلطة!!.
4. وصولاً لإنهاء القضية بكامل أبعادها!!.
وأعود من جديد موجهاً كلامي لرموز السلطة ، قد أتمكن من تبرير صنيعكم ذاك واعتباره بالتالي ( خطأ ) إن أجبتموني على تساؤلاتي هذه :
• هل اكتوت عوائلكم يوماً بفقدان شهيد أو إصابة جريح أو أسير حتى يكون بوسعكم معرفة وتذوق ألم ذاك المصاب الجلل كما يشعر به الغزاوي وابن الضفة البسيط المسالم!!؟.
• هل سقطت قذيفة صهيونية غادرة يوماً على دار أحدكم أو أحد أبنائكم فتهدم جزء من بنائها وأصاب الهلع من كان ساكنا فيها حتى تكون لكم ردة فعل مشابهة لما يحس به أبناء غزة والضفة إزاء إجرام بني يهود!!؟.
• هل قاسى أحدكم الأمرين يوماً نتيجة مرض أحد أفراد عوائلكم فدارت بكم الدنيا واسود نهارها بحثاً عن خلاص من تلك المعاناة أسوة كما يشعر به أبناء غزة جراء الحصار والتجويع والتضييق عليهم!!!.
فإن كانت إجاباتكم بالنفي ، فإنه لا غرابة إذن إن رأى صائب عريقات وياسرعبد ربه بأن ما جرى على أنه مجرد خطأ يمكن تداركه ... وليس بالخطيئة، فالعين التي لا تبكي لمعاناة شعبها فإنها إنما لا تبصر إلا ما تراه وتعيشه وتمارسه لأنها ببساطة شديدة لا تفقه شيئاً من واقع شعبها المزري شيئاً !!.
وأقول لشعبنا الصابر المرابط المحتسب ، انتظاركم قد طال لوعود خير سلطتكم ومنجزاتها الجبارة وهو كمثل انتظاركم حتى يشيب الغراب أو حتى يلج الجمل من سم الخياط ، فاحذروا وتجنبوا من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره ، ففي ذاك خلاصك مما أنت فيه !!.
وأقول لأبناء شعبنا منبهاً محذراً ... وما دام رموز سلطتكم لا يعون حجم معاناتكم ولا يعايشون ما قد نالكم من حيف وظلم سواءاً من عدوكم أو ممن يقود ركبكم ، وكي تـُبـَرّوا وتنزعوا حقكم السليب وما سعيتم طويلاً من أجله بعد أن قدمتم من أجل ذلك أبناءكم شهداء ، فما عليكم والحالة هذه إلا تدبر ما جاء بهذه الحكمة كي لا تروا أنفسكم في مزالق ( اجلس حيث يؤخذ بيدك وتَُـبَرّ ولا تجلس حيث يؤخذ برجلك فتجر )!!.
ولا أنسى بالطبع ذكر من لا يعجبه ما أكتب فيفسره بشتى العبارات وينعتني بشتى الأوصاف ( كصاحب المزامير ) على سبيل المثال لا الحصر ، فأقول لهؤلاء ما أنا مؤمن به والذي يتلخص بأن لكل كلمة أذناً ، وحيث أن كلمتي هذه قد كانت صادقة لأنها لسان حال ما تردده الأغلبية الصامتة المنكوبة والمجروحة من أبناء شعبنا ، فإن لم تفقه أو تعي ما تقرأه ها هنا فلعل أذنك ليست لكلماتي بل هي لكلمات الكذب والتدليس والخداع والتضليل ، فلا تتهمني بعدها بالغموض فيما أكتب !!!.
كلنا معادون ومناهضون للسلطة ... حتى السيد ريتشارد فولك مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة!!.
سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
9 / 10 / 2009