مسامير وأزاهير 101 ... أترون معي ما أراه بقرار تشكيل لجنة أبي مازن!!!.
أي لعبة تلك التي تلعبها السلطة بنشرها خبر قيام السيد أبي مازن بتشكيل لجنة للتحقيق في ظروف تأجيل التصويت على تقرير غولدستون!!؟، وأي تبرير تحاول إظهاره وإبرازه تغطية لتداعيات ما جرى!!؟، الأمر كله برمته يدعو للسخرية والاستهزاء والخجل والضحك ثم البكاء والنحيب!!؟.
هم ... بخبرهم ذاك ... إنما يرسمون مسلسلاً من ثلاث حلقات من الكوميديا السوداء:
الحلقة الأولى ... يتعمد المخرج في أن يُظهر فيها السيد محمود عباس ( رئيس السلطة الفلسطينية – رئيس منظمة التحرير الفلسطينية – رئيس فتح الجديدة) بأنه لم يكن على دراية قبل اليوم بأن تقرير غولدستون قد أجهض من قبل سفيره الدائم في الأمم المتحدة السيد إبراهيم خريشه!!؟.
الحلقة الثانية ... يوحي مخرج المسلسل لنا بأن السيد أبا مازن ما أن وصلته الأنباء عن قيام سفيره في الأمم المتحدة بإجهاض تقرير غولدستون حتى يظهر عليه الامتعاض للأمر والاستغراب لما أقدم على فعله سفيره ( دون علمه طبعاً !!) فيسارع بإصدار قرار رئاسي بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في ملابسات ذاك التأجيل !!؟.
الحلقة الثالثة ... فذاك لعمري قابل للتحوير والاجتهاد من قبل المخرج واعتماداً على تطورات وتداعيات ما سيجري في الحلقتين السابقتين وردة الفعل عليهما ، وقد تكلل خاتمتها بتقديم كبش فداء كي يجري دمه بين فصائل وأبناء شعب فلسطين باعتبار أنه من تسبب في كل ذلك، ولكن بطبيعة الحال سيكون الوقت قد مضى على إعادة تفعيل تقرير غولدستون وستنطلق المفاوضات حباً وكرامة لعيون أوباما ... ولتبقى "إسرائيل" كريمة مصانة الشرف والسمعة دونما عقاب ولا عتاب لتستمر في مسلسلها المستمر والناجح في ذبحها أبناء شعب فلسطين وسرقة أراضيه وطمس هويته وتايخه!!.
ذاك ورب الكعبة المعبود ما يُستشـَفُ بطبيعة الحال مما سلط من أخبار اليوم التي حدثتنا عن تشكيل لجنة رئاسية بأمر مباشر من السيد محمود عباس ، فبدا الأمر وكأن السيد أبا مازن ما كان على علم بما جرى ليسارع بعدها كما بينا آنفاً لإصدار تعليماته الرئاسية بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق في ملابسات وتداعيات قرار إجهاض تقرير غولدستون وإرجاء النظر فيه لستة أشهر أخرى، وإلا ودون ذاك التحليل والتبرير والإيحاء... فكيف يتسنى لنا تفسير تشكيل اللجنة تلك بعد مضي أكثر من يومين على إعلان التأجيل ذاك!!.
ونردد على مسامع السيد أبي مازن ما قاله المثل العربي الشهير : ( حـَدّثِ العاقل بما لا يعقل، فإن صدّقَ ما حدث فلا عقل له!! )، وأنت بخطوتك الإستباقية المكشوفة تلك والمتمثلة بقرار تشكيلك لتلك اللجنة الموقرة فإنما تحاكي ذاك المثل تماماً كي تعرف درجة وعينا ومدى دقة وصواب تحليلنا وتمحيصنا للأمور ، فما أوحيته لنا من أنك كنت لا تعلم بذاك القرار فإنما هو أمر لا يعقل بالمرة ، وما دمنا نرى قرار تشكيلك لتلك اللجنة بأنه أمر غير طبيعي ولا منطقي ولا يعقل بالمرة ( وذلك لجملة أسباب ستأتي على توضيحها لاحقاً ) فيكون بذلك أمامنا خياران اثنان لا ثالث لهما:
1. إما أن ( لا نصدقك ) فنكون قد بينا للعالم أجمع أننا بكامل قوانا العقلية ومن أننا لا يمكن خداعنا بهكذا سيناريو... والعقل زينة كما يقال بالأمثال عندنا.
2. أو أن ( نصدق ) نواياك تلك وما حاولت بتشكيل لجنتك تلك أن توحي إلينا به من أن لا علم مسبقاً لك بقرار سفيرك ذاك، عند ذاك فإننا نستحق وبجدارة بأن نوصف أننا ( كمن لا عقل له )!!.
ترفق بنا قليلاً ولا تضحك على ذقوننا فتصور لنا بأنك قد فوجئت ( مثلنا تماماً !!) بقرار سفيرك الدائم في الأمم المتحدة بإجهاض تقرير غولدستون ، فلعبتك هذه لن تنطلي على أحد منا ، فكلنا قد أدرك بأنك ما أقدمت على تشكيل اللجنة هذه ( رغم مضي أكثر من يومين على سماعنا لذاك القرار) إلا بعد ما وصلتك التقارير من مستشاريك ومقربيك وما تناقلته وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية من أخبار ردة الفعل العنيفة حيال ما أقدمت سلطتك عليه فأردت بخطوتك تلك امتصاص نقمة الشارع الفلسطيني والعربي وتفادي استهجان واستغراب وسخرية المجتمع الدولي بقرار سفيرك ذاك على حد سواء!!.
أتريدنا حقاً أن نصدق تبريرات تشكيلك تلك اللجنة فنبدو بذلك أمامك وأمام المجتمع الدولي كالمغفلين !!، قد تجد من يصدق نواياك وأعذارك تلك لدى فئة مضلله ممن يطبلون ويزمرون ويهللون ويتقافزون تبريراً لما أنجزته وحققته السلطة الفلسطينية ، لكننا لن تنطلي علينا أبداً!!.
وكي أكون شفافاً أكثر فلا أوصف بالتجني على مقام السيد أبي مازن فأطلق اتهاماتي جزافاً بحقه وأعلن بأنه يحاول استغفالنا وإيهامنا من أنه لا يعلم بالقرار ، فلذا فإنني أدعوكم لنناقش الأمر بروية وتبصر وبالشكل التالي:
لنفترض جدلاً بأن السيد أبا مازن ( ما كان ) على دراية مسبقة بقرار سفيره في الأمم المتحدة، وحيث أننا نعلم بأن تاريخ إعلان خبر إجهاض قرار التصويت قد مضى عليه أكثر من يومين ، فإنني أتساءل والحالة هذه :
1. أيعقل أن يكون السيد أبو مازن بما يمسك بيديه بثلاث مناصب خطيرة ( رئيس م ت ف ، رئيس السلطة الفلسطينية / رئيس فتح الجديدة ) لا يعلم بما يفعله سفيره وما يتخذه من قرارات مصيرية تاريخية لها انعكاسات جد خطيرة على القضية الفلسطينية برمتها وعلى أجيالنا القادمة من بعدنا !!؟.
2. وقد يأتينا من ينبري لنا ليجيب نيابة عن السيد أبي مازن قائلاً بأن مهام إصدار التوجيهات إلى السفراء هي من صميم واجبات ومهام رئيس الوزراء، وأن السيد أبا مازن قد منح صلاحيات واسعة لرئيس وزرائه لاتخاذ قرارات دون الرجوع إليه ، عندها لا نجد مناصاً من أن نرد على ذاك الشخص المتبرع بالإجابة نيابة ، ذاك ليس بمبرر مقنع كي لا يعرف السيد أبو مازن بمثل هكذا أمر خطير له مساس مباشر على مجمل القضية لاسيما وأننا في حالة صراع ونزاع دام مع العدو الصهيوني، ولنفترض جدلاً هنا أيضاً بأن السيد رئيس الوزراء الفلسطيني قد وجه وزير خارجيته كي يأمر سفير فلسطين في الأمم المتحدة كي يتخذ هذا الموقف الشائن ، فبالله عليكم ما دور المستشارين المحلقين حول السيد أبي مازن ، أليسوا هم من الحكمة والوعي ليدركوا فداحة ذاك القرار المتخذ ، ولنفترض جدلاً ( ثالثاً ) بأن المستشارين والمحلقين حول السيد أبي مازن ما قاموا بتبليغه ساعتها !!، أليس للسيد الرئيس فسحة من راحة واستجمام فيزاول هواية مطالعة الصحف والمجلات في وقت فراغه !؟، أما يملك السيد أبو مازن جهاز تلفزيون ليقضي بعض وقت فراغه ليستمع إلى أخبار القنوات الفضائية وما تبثه من أخبار على رس أأأأأس كل ساعة!!؟.
3. أليس ما جرى دون علم السيد أبي مازن وهو رئيس لثلاث مؤسسات كبيرة وذات تاريخ طويل عريض يعد بحد ذاته مصيبة أعظم مما لو كان يدري مسبقاً!!.
إن الأسباب الكامنة والحقيقية لقيام السيد أبو مازن بتشكيل لجنته تلك إنما جاءت لتفادي ردة الفعل التي أحدثها قرار سفير فلسطين بإجهاض قرار إدانة "إسرائيل" وإعلانه أنه قد تم إرجاء النظر بالقرار لستة أشهر أخرى، ردات الفعل تلك التي تمثلت بالمواقف التالية التي اقتبستها من وكالات الأنباء العالمية والعربية والفلسطينية ، وهي على سبيل المثال لا الحصر رغم أنها غيض من فيض :
أولاً ...منظمة العفو الدولية :
(( أدانت منظمة العفو الدولية (أمنستي) تأجيل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة التصويت على تقرير القاضي ريتشارد غولدستون لذي يتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في حربها العام الماضي على قطاع غزة.
وطالبت المنظمة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بإحالة التقرير إلى مجلس الأمن فورا((.
ثانياً ... جامعة الدول العربية : تصريح السيد عمرو موسى
(( الموقف الذي حدث في جنيف خلال اليومين الماضيين يعد غاية في الخطورة والسلبية ولم يتشاور معنا أحد في هذا القرار، وأسفي شديد لهذه الطريقة، وإن ما حدث هناك أصابني بغثيان شديد لأن هناك تقريرا دوليا بتكليف دولي من الأمم المتحدة بالتحقيق في جرائم حدثت ضد أهل فلسطين في غزة.. وأن يترك هكذا ويفرط فيه بشكل غير مسبوق، فإن هذه مسألة تقتضي وقفة، ونحن نتحقق من الموقف الفلسطيني. والسؤال هو: هل وصلنا إلى موقف تُبنى فيه المستوطنات ويهمش تقرير غولدستون دون رادع أو حتى موقف واضح وأمين. هذه مسألة تشير إلى حدوث انهيار مفاجئ في الموقف العربي وستكون له آثار بعيدة المدى خلال الأيام والأسابيع القليلة القادمة)).
ثالثاً ... منظمات حقوقية فلسطينية :
(( طالبت 14 منظمة حقوقية فلسطينية بمحاسبة رئيس السلطة منتهي الولاية محمود عباس، بصفته الاعتبارية، كمسؤول عن السلطة التنفيذية؛ لدور السلطة أمس الجمعة (2-10) في إرجاء مسودة مشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان يتبنَّى كافة التوصيات الواردة في تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق تقرير "غولدستون". وقالت المؤسسات -في بيان تلاه عصام يونس مدير "مركز الميزان لحقوق الإنسان" اليوم السبت (3-10) في غزة- "إن هذا التأجيل ينكر حقَّ الشعب الفلسطيني في إنصاف قضائي فعال، والمساواة أمام القانون، ويشكِّل تغليبًا للسياسة على حقوق الإنسان وإهانةً للضحايا وتنازلاً عن حقوقهم".
وتابع البيان: "إن التبريرات التي قدمتها القيادة الفلسطينية فيما يتعلق بقرار تأجيل التصويت غير ملائمة.. إن الادِّعاء بعدم توفر الإجماع لصالح القرار لا يمكن قبوله بأي حال من الأحوال؛ إذ إن الإجماع ليس متطلبًا لصدور القرار عن مجلس حقوق الإنسان؛ حيث تعمل مؤسسات الأمم المتحدة وفق مبدأ الأغلبية"، مضيفًا: "ومنذ أن احتلت "إسرائيل" الأرض الفلسطينية في العام 1967 فإن القرارات ذات الصلة الصادرة عن مختلف أجسام الأمم المتحدة لم تصدر بالإجماع إلا فيما ندر.. لقد أُنشئت الأمم المتحدة لتمثل إرادة شعوب العالم، ومن المحتمل أن يكون هناك عدم توافق أو اعتراض من قبل هذا الطرف أو ذاك، ولأجل ذلك تؤخذ القرارات بالأغلبية".))...
رابعاً ... حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية :
(( أعربت حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية عن استهجانها ورفضها لما جرى من تأجيل للتصويت على تقرير لجنة غولدستون بشان أحداث غزة رغم توفر ضمانات كاملة بوجود أغلبية داخل مجلس حقوق الإنسان لإقرار هذا التقرير غير المسبوق والذي يثبت ارتكاب اسرائيل لجرائم حرب ضد الشعب الفلسطيني.
وقالت المبادرة ان من المستهجن ان يوافق مندوب فلسطين على هذا التأجيل بحجة الرغبة في الوصول الى اجماع لن يحدث أبدا،لان هناك دولا لا يمكن ان تعارض السياسة الاسرائيلية،وبالتالي فان التأجيل لم يخدم سوى مصلحة إسرائيل التي كان قادتها يرتعشون رعبا من تأثيرات هذا التقرير وسيسعون الى الاستفادة من التأجيل لتمييع آثاره والتنصل من مسؤولية جرائمهم المستمرة ضد قطاع غزة والشعب الفلسطيني بأسره .
وعبرت المبادرة عن الأسف لما أثاره الموقف الفلسطيني بهذا الشان من استياء لدى منظمات حقوق الإنسان والقوى المناصرة للشعب الفلسطيني في العالم والتي تعمل دون كلل لفضح وتعرية السياسة الاسرائيلية وفرض عقوبات عليها والتي كانت ترى في تقرير غولدستون الفرصة غير المسبوقة لوضع اسرائيل في قفص الاتهام الذي تستحقه. ))...
خامساً ... إقليم فتح في فرنسا :
(( ندد اقليم فتح في فرنسا بما وصفه "الطلب الفلسطيني لتأجيل بحث تقرير جولدستون المقدم إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة"معتبرا " إن هذه الخطوة أيا كانت مسوغاتها وأسبابها، تمثل بالطريقة التي جاءت فيها صفعة لمشاعر جماهير شعبنا الفلسطيني حيث ما وجد، واستخفافا بآلام ومعاناة أبناء هذا الشعب الذي يواجه اضطهاد وممارسات سلطات الاحتلال يوميا، وانتكاسة لآمال وأحلام الآلاف بل مئات الآلاف من ضحايا الإجرام الإسرائيلي وضربة لمحبي العدالة والسلام حول العالم الذين رأوا في هذا التقرير فرصة نادرة لمحاسبة إسرائيل وتطبيق القانون الدولي الذي طالما افلت من عقابه". ))...
سادساً ... المؤتمر الصحفي لذوي ضحايا الحرب الصهيونية على غزة :
(( عقد ذوو ضحايا الحرب الإسرائيلية على غزة صباح اليوم، السبت ( 3 / 10 )، مؤتمرًا صحفيًا استنكروا فيه وبشدة ما قامت به السلطة الفلسطينية من طلب الأمم المتحدة تأجيل مناقشة تقرير غولدستون، معتبرين هذا العمل "خيانة عظمى" لدماء أبنائهم الشهداء والجرحى، ولآلاف الأسر التي لا تجد مأوى لها يقيها حر الصيف، وبرد الشتاء، على حد قولهم.
وتعقد اليوم السبت خمس فصائل فلسطينية هي: (حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، فضلاً عن حزب الشعب) اجتماعًا لتدارس موقف السلطة الوطنية بطلبها تأجيل النظر في تقرير غولدستون، والخروج بموقف موحد حول القرار.
وقد حضر المؤتمر الذي أقيم على أنقاض المنازل المدمرة في حي السلام شرق بلدة جباليا شمال قطاع غزة، بحضور ممثلين عن عوائل أبيدت بالكامل خلال الحرب مثل: "عائلة السموني، بعلوشة، صبح، وريان، أبو عسكر، وعبد ربه"، وكذلك عدد من الجرحى ومبتوري الأطراف وأصحاب البيوت المدمرة والأراضي المجرفة. ))...
تلك هي الحقيقة كاملة كما أراها !!.
فإن كان ما جرى ( مصيبة عظيمة ) باعتبار أن أبا مازن كان محاطاً علماً بالأمر باعتباره رئيساً كما بينا ، أو عد الأمر ( مصيبة أعظم ) بسبب عدم إحاطته بالأمر علماً ، ففي الحالتين يكون شعبنا الجريح هو الخاسر الأكبر لتلك الفرصة العظيمة لتجريم وتعرية العدو وكشفه أمام الرأي العام العالمي!!.
وما دامت ( مصيبة عظيمة ) أو كانت ( مصيبة أعظم )، ففي الحالتين تكون سلطتنا الفلسطينية قد منحت بقرار إجهاض تقرير غولدستون الغطاء للعدو كي يمضي قدماً مستقبلاً في صلفه وسياسته وجرائمه بحق شعبنا!!.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
4 / 10 / 2009