مسامير وأزاهير ( 87 ) ... المنطق والعقل يتنافران في سماح "إسرائيل " لانعقاد المؤتمر في بيت لحم!!
هل مجرد النجاح بانعقاد المؤتمر ( بغض النظر عما ستسفر عنه من نقاشات وتوصيات ) يعد بحد ذاته مكسباً وهدفاً!؟، ذاك ما رآه البعض واعتقد وآمن به فراح مهللاً مطبلاً لذاك النصر العظيم و( الفتح المبين ) الذي تحقق بمجرد انعقاد المؤتمر!!، ولم تكتف بهذا القدر ، بل وراحت تلك الأقلام في غيها وسباتها تبشر بسقوط ما أسمته بمراهنات الحاقدين والمتربصين ، هكذا هم كتبوا ... وهكذا فكروا حين ضيقوا هموم فتح واختزلوا مشكلاتها فحصروا جل اهتمامهم بضرورة عقد المؤتمر تحت أي ظرف وفي أي مكان كان حتى ولو كان في ظل حراب المحتل وهيمنته وتحت سمعه وأبصاره !!.
وأقول لهؤلاء جميعاً أن ترفقوا بحالكم ، فخلط الأوراق الذي تمارسونه وبهذا الشكل المريب لن يخدم القضية الفلسطينية أولاً ولن ينفع فتحاً ثانياً ، فليس من اللائق بكم أيها الكرام أن تحشروا كل من كـَتـَبَ منتقداً متوجساً خيفة من انعقاد المؤتمر في ظل حراب الاحتلال باعتبار أنهم ( من منطلقاتكم ) يراهنون لإسقاط فتح ويسعون لتفتيتها وشرذمتها وإذابتها، فذاك لعمري هو الجهل وقصر النظر بعينه ، وتأكدوا بأن هناك من هو أكثر فتحاوية منكم ( وإن لم ينتم لها ) بما يكتبه لها ومن أجلها ولصالح خيرها وعافيتها واستنهاضها ، على عكس ما دأب بعضكم ( ممن يحسبون أنفسهم فتحاويين حد النخاع ) بكتاباته المهلهلة الأهداف المجة الغايات والتي تستخف بالعقول وتضرب المنطق والتي تدور وتدور في فراغ ويقصد منها مسح الأكتاف وجلب أنظار أولي الأمر الفتحاوي ومن يمسكون بمقدراتها إليهم!!.
لهؤلاء جميعاً أقول ...
لا تجعلوا انعقاد المؤتمر غابة بحد ذاته ، أنما الغاية المتوخاة من انعقاد المؤتمر أن يخرج ذاك المؤتمر بنتائج طيبة تعيد للفتح نضارتها وألقها ودورها الذي
انطلقت من أجله في عام 1965.
وأقول لجوقة المطبلين والمزمرين والهاتفين جميعاً ...
وهل كل من كتب غيرة على فتح ودفاعاً عن مكتسباتها وتاريخها وأبدى تخوفه مما يبيت لها في الخفاء والعلن يوصم من قبلكم بالحاقدين والمتربصين والساعين لهدمها!!.
وأقول لجوقة المطبلين والمهللين والمزمرين ...
ليس كل من وضع الكوفية الفلسطينية الشهيرة حول رقبته للدلالة أنه عضو مشارك في المؤتمر بقادر على أن يمنح فتحاً حقها ويعيد لها بعض دَيـْـنها الذي بات بعنقه !!!.
وأقول لجوقة المطبلين والمزمرين والمرددين لشعارات كانت يوماً قد أطلقتها فتح يوم كانت على صواب نهجها وفي أوج عنفوان عطائها وبذلها ... وهل دار في خلدكم أن الكيان الصهيوني قد وافق أن يعقد المؤتمر على أرض بيت لحم ( المحتلة !!) كي تعود فتح ناراً ثورية متأججة بعد أن أخمد نارها وطوع قيادتها!!؟.
أي جهل هذا وأي تجديف ذاك الذي تطبلون وتزمرون به !!، وأي تناقض وقعتم فيه حين تناسيتم عداء "إسرائيل " لفتح وماضيها ورغم ذلك فقد يسرت أمر انعقاد مؤتمركم ضمن يقعة مازالت بحكم سيطرتها وسيادتها!!، وأي شفافية ونقاء سريرة تلك التي تتحلى بها " إسرائيل " حتى تسمح لفتح بأن تتعافى مما لحق بها فيما سعت هي على الدوام لتحجيم دورها وحرف بوصلتها!!، ثم أتناسيتم من تسبب باغتيال قادة فتح ... من قتل أبا جهاد ، أبا إياد ، وكمال عدوان وكمال ناصر ، من سمم الشهيد ختيار الثورة ومؤسسها ... أليس من فعل ذاك هو الكيان الصهيوني ، فيما جاء اليوم ليفتح الحدود وليسمح لقيادات فتح الشتات أن يدخلوا ( بسلام آمنين مطمئنين !!) ليشاركوا في مؤتمرهم وليناقشوا مستقبل حركتهموقضيتهم!!، أي استخفاف في العقول هذا فكيف بالله عليكم يا أصحاب النظرة الثاقبة والبصيرة الحية تسمحون لعقولكم أن تصدق وتتوهم بأن تسمح "إسرائيل " كي تبنى فتح من جديد ولينبعث قادة فتح من الشهداء من قبورهم ليتحكموا بمقدرات فتح ويعيدوها حيث كانت في طليعة من حارب الكيان الصهيوني وأذاقها الرعب والهول!!!.
عشرون عاماً والأم جلست تنتظر وليدها كي يتعافى، فهل مجرد انعقاد المؤتمر يعتبر بحد ذاته مكسباً!؟.
شيء لا يصدق!!!.
العقل والمنطق يتطابقان دائماً إلا في هذا الموضع تحديداً فهما يفترقان يتنافران ... فـ ( العقل ) قد قال بأن أرضاً قد اغتصبت وأن فتحاً حين انطلقت فإنما كانت لغاية تحرير فلسطين ومقارعة الصهيونية والتصدي لأهدافها العدوانية.
وإذا كان العقل يتحدث هكذا فالمنطق ( إن كان منطقاً سليماً ) غير قابع خلف الأكمات يقول إزاء العقل ذاك بأنه لزاماً على الكيان الصهيوني أن يتصدى لهذه الحركة ويحاربها ويفقدها كل أسباب عافيتها ويجردها من كل مستلزمات تصديها له، فهل بربكم ترون مثل هذا المنطق في موافقة "إسرائيل " باستضافة المؤتمر غي بيت لحم وتسهيل أمر انعقاده ، وأين حكمة المنطق حين نرى الكيان الصهيوني وقد هيأ الأسباب ولطـّف الأجواء وسعى حثيثاً من أجل إنجاح المؤتمر السادس لفتح!!!؟.
أهذا بالله عليكم منطق يعتد به ويركن إليه أم أن خلف ذاك المنطق والممارسة أكمة يخشى مما خلفها وما وراءها!!!.
يقول المثل الدارج ( حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدّقك ... فلا عقل له ) ، وها أنا ذا قد حدثتكم في أمر لا يعقل ، فهل يا عقلاء الأمة ستصدقونني أم ستبحثون ما وراء أكمة منطق "إسرائيل"!!.
ذاك أمر ... وهناك أمر آخر قد شد انتباهي لتناقض ما احتواه، فهناك من راح يطبل ويزمر ويمجد في شخص السيد أبي مازن وما حققه للقضية الفلسطينية حتى وصل الأمر بأحدهم أن وصفه بغاندي فلسطين وأنه قد زرع فكرة الدولة الفلسطينية في أذهان الكرة الأرضية ، وراح يسترسل في الوصف ذاكراً بأن من منجزات أبي مازن أن تراجعت الصهيونية وأصبحت تقر بضرورة قيام الدولة الفلسطينية ... فيما تناسى هؤلاء جميعاً إلى حقيقة من كان له الفضل بترسيخ قضية فلسطين في أذهان العالم وأعطاها البعد الإنساني والذي يتمثل بأمرين اثنين :
1- الانتفاضتان الفلسطينيتان الأولى والثانية اللتان سجلتا ملحمة عظيمة لعطاء وإصرار شعب على الحياة الكريمة ورسختا في أذهان العالم الذي كاد أن ينسى قضية فلسطين أن شعبنا لن يستكين ويهدأ له بال إلا باعتراف العالم أجمع بحقه المستلب في وطنه وكرامته وسيادته.
2- ملحمة غزة الأخيرة وصمودها أمام شراسة هجمة الاحتلال والتي أدت إلى تفجر الغضب في الشارع الأوربي قبل الشارع العربي وأعطت دليلاً ومؤشراً ودافعاً إلى ضرورة قيام دولة فلسطينية ذات سيادة ناجزة.
بل على العكس تماماً ... فلقد عمل السيد عباس على إطفاء نار ووهج المقاومة الجماهيرية وألقى برجالاتها في معتقلاته أسوة بما تفعله قوات الاحتلال ، على عكس ما كان يقوم به الراحل الشهيد أبو عمار ( رحمه الله ) باتباعه أسلوب الباب الدوار مع رجال المقاومة.
تساؤلات بسيطة وشفافة أطرحها على مسامع عباقرة التسوية ومن يطبل لهم :
1- قد قامت الدنيا ولم تقعد لموقف حماس بمنعها خروج أعضاء فتح من غزة والمشاركة في المؤتمر ، ولسنا هنا بمعرض البحث في دواعي وأسباب اتخاذ حماس ذاك القرار بمنع كوادر فتح من غزة وربط خروجهم بإطلاق سراح كافة المحتجزين الحمساويين في الضفة ، ولكننا نتساءل وباستغراب ... لم لم تقم الدنيا وتقعد حين منعت قوات الاحتلال عدداً من أعضاء المؤتمر من الدخول للمشاركة!؟.
2- وهل لو قيض لهذا المؤتمر أن يعقد خارج الأرض المحتلة ، فهل يتوقع المطبلون والمزمرون والهتافون والردادون للشعارات أن "إسرائيل " ستقبل بخروج كل أعضاء فتح من أرض فلسطين المحتلة للمشاركة في هذا المؤتمر ، وإذا كان جوابهم ( لا ) فلم إذن سمحت لهم بالدخول ويسرت أمر انعقاد هذا المؤتمر على الأرض المحتلة !!؟.
3- لطالما سمعنا السيد أبو مازن يردد بخطاباته ولقاءاته الفضائية وصفه للمفاوضات بأنها ( الخيار الستراتيجي والتاريخي ) ، واليوم إذ تحدث بخطابه في المؤتمر عن المفاوضات والمقاومة المشروعة المكفولة دولياً!!.
فهل يستشف من حديثه ذاك أن هناك صيغة للمقاومة لا نعرفها لاسيما وأننا قد خبرنا موقفه من المقاومة وحساسيته الشديدة منها، وإذا كانت المقاومة التي يقصدها هي ذاتها المقاومة التي يكفلها الشرع وتكفلها الديانات السماوية وتكفلها الأمم المتحدة ، فهل من تداعيات حديثه الجديد هذا :
• أننا سنرى إطلاق سراح المعتقلين من رجال المقاومة من سجون ومعتقلات الضفة الغربية!!؟.
• وهل سيرد الاعتيار حقاً لهؤلاء فيسمح لهم بالمقاومة دونما تضييق !!؟.
• وكيف سيوازن بين الأمرين ( المفاوضات والمقاومة )!؟.
• وإن تم له ذلك بتوفيق من الله فما ردة فعل ( دايتون ) القابع في رام الله إذن!!؟.
• أم أن ما جاء بخطاب المؤتمر سينسف غداً بتوجيهات وأوامر دايتونية حازمة، تماماً كما كلام الليل يمحوه النهار لتعود ( حليمة اللئيمة لعادتها القديمة )!!!.
ختاماً ... أقول :
إذا ما كان انعقاد مؤتمر حركي لمناقشة وتقويم شأن داخلي يعد نصراً في نظر بعض المطبلين والمزمرين ، فلكم أن تتصوروا حجم التناقض التنظيمي الذي خلق الهاجس الكبير والخوف العظيم من عدم انعقاده ، وبالتالي لكم أن تتخيلوا وتبحثوا وتمحصوا لتعرفوا أسباب عدم نجاح مؤتمرات ولقاءات التصالح الفصائلية في المشهد الفلسطيني وتعطل ردم الفجوة والتشرذم فيه!!.
سماك العبوشي
7 آب / أغسطس / 2009