كما اعتاد كل صباح .. يفتح شرفتهُ المطلة على ربوع ارضه .. منتظراً ذالك القرص المتوهج .. ليطلع من بعيد .. مبعثراً أشعته بين سنابل القمح .. وأشجار الزيتون … ماسحاً كل الدمعات .. عن تلك الورقات المنتحبات … بحجة الأمل ..
لم يمل من الانتظار .. كان دوماً على الموعد …تسعة وخمسين عاماً .. لم تكن كفيلة … بتثبيطه … لم تكن كافية للنسيان .. لم يتغيب يوماً عن سماع أخبار السادسة …
كان يجلس على كرسيه المهترء … بكوفيته التي تلتف على كتفيه .. راسمتاً جرساً لا ينتهي من الصمود… ماسكاً بندقيته العتيقة .. يمسحها بطرف قميصه .. وكأنه يراها للمرة الأولى … لطالما فعل ذالك … ولطالما أحبت بندقيته تلك المداعبة ..
يتوقف فجأة !!! دقت أجراس السادسة … حان الموعد .. ” نشرة الاخبار” ..
فعلى الرغم من كثرة المذيعين الذين سمع صوتهم على مدى العقود الماضية .. إلا انه ومع كل مذيع جديد … كان ينظر إلى بندقيته ببتسامة كادت تجاعيد وجهه أن تخفيها .. ليقول كما جرت العادة .. لعلنا نرى على وجهه الخير ..
يسرد المذيع اسماء .. الموتى .. والجرحى والشهداء … تتلألأ عيني ذاك المسن .. لم يخجل بأن ينظر إلى بندقيته .. ليقول بصوتٍ بان عليه الآسى والحزن .. لا بد من ثمن …
يعاود النظر إلى القرص المتوهج خارج الغرفة .. مستمراً بمداعبة بندقيته .. يشدها كلما سمع .. بعملية جديدة ضد المحتل .. ويتركها كلما سمع بمؤتمر جديد ..
تلك هي قهوة الصباح .. وتلك هي الموسيقى التي كان يفضل سماعها ..
في اليوم التالي .. أفاق من سريره مفزوعاً .. فقد ظن أن موعده مع القرص الذهبي قد فات .. نظر إلى ساعته التي لم يبقى منها سوى مؤشر الساعات .. لأن الدقائق والثواني لم تعد تعني شيئاً في حياة ذاك العجوز ..
كانت الساعة السادسة إلا ربع … لكن اين القرص المتوهج … ما به قد تأخر عن موعده …
لم ييأس ذاك العجوز .. فتح شرفته .. بإنتظار الشمس … بإنتظار الأمل … لكن لا فائدة .. انتظر وانتظر .. لتزداد الاسئلة ازدحاماً في خاطره … من سيمسح دمعات تلك الاورق؟؟؟ ومن ؟؟؟؟ ومن ؟؟؟؟
لم يستطع ذاك العجوز … إلا أن يقول .. لا بد لذاك القرص من راحة .. ولم ييأس وعلى مدار سنتين … من تكرار تلك العبارة .. كلما دقت ساعة السادسة ..
ساءت حالة العجوز .. وبدء اليأس يتسلل إليه .. كان ينظر بحزن إلى بندقيته المعلقة .. وقد حاصرتها خيوط بيت العنكبوت .. لم يستطع إلا الصمت .. على غير عادته ..
فلطالما روى لتلك البندقية أخبار الثوار في فلسطين …لطالما ..لطالما أخبرها عن الكرامة … وعن حصار بيروت .. وعن تونس .. والجزائر … لطالما .. لطالما …
تأخر الغائب .. ازداد الصمت .. وازادات رائحة الموت .. عندها .. كان لا بد للبندقية أن تتكلم … كان لا بد لمن كانت الأم والأب .. والأخ والسمير .. أن تكسر القيد وتسحق السجان .. لتقول : صااااااابر .. قم يا صابر ..
رد صابر منتحب الوجه : كيف ولمن سأقوم .. لشعبي المتفكك .. أم لثورتي .. أم لارضي التي باتت تلة يتسلق عليها الخائنون ..
قالت البندقية : ما بك يا صابر ؟؟ ألا تذكر !!! لطالما رددنا فلسطين داري .. فلسطين ناري .. ما بك !! قم يا صابر ..
رد صابر دامع العينين : يا ليتني مت قبل أن اسمع هذا .. ألم تعلمي بأن نشرة الأخبار .. أصبحت تنقل يومياً .. وبلا خجل .. أخبار اقتتال الأخوة .. في غزة لا اتفاق .. وفي الضفة لا وفاق .. غيمة سوداء لا تزول … لمن سأقوم .. وعلى ماذا سأقوم .. على رائحة الدم الفلسطيني .. أم على آنين الأرض ..
رددها صارخاً : قولي لي …
دعيني .. دعيني أنااااام .. أتركيني فلن احزن لو أبيد شعبي … فحبوب سنبلة تموت .. ستملئ الأرض سنابل .. لن أيأس .. لو سلبت كامل الأرض … لكن ما يمزقني .. هو حرمة الدم الفلسطيني .. قالها .. وكادت أن لا تكتمل ..
صرخت البندقية : لا تمت يا صابر .. انت الخيمة … انت الشتات … انت من سيعود ..
رد بغضب : اصمتي .. اتظنيني بتلك الوقاحة .. لو مت .. ماذا ساقول لدلال .. وبما سأخبر الختيار .. والياسين .. وأبو جهاد .. لا تخافي .. فمع أن الموت رحمة بالنسبة لي .. إلا اني لن اموت قب أن اهدم الخيمة .. واعود … لن اموت … قبل أن أعود … قبل أن أعود .. قبل أن أعود …
تعقيب
هذه الخاطرة تتعلق بالاقتتال الفلسطيني الفلسطيني .. ففي حزيزان في العام التاسع والخمسين للنكبة .. حررت غزة بمفهوم حماس .. وانقلبت حماس بمفهوم السلطة … وعم الظلام .. بمفهوم صابر .. الذي يمثل الشتات الفلسطيني .. بحيث أن التفكك والفتنة قائمة .. ونحن قد بدأنا في العام الواحد والستين للنكبة …
فثوروا … فلن نخسر سوى القيد … والخيمة
لم يمل من الانتظار .. كان دوماً على الموعد …تسعة وخمسين عاماً .. لم تكن كفيلة … بتثبيطه … لم تكن كافية للنسيان .. لم يتغيب يوماً عن سماع أخبار السادسة …
كان يجلس على كرسيه المهترء … بكوفيته التي تلتف على كتفيه .. راسمتاً جرساً لا ينتهي من الصمود… ماسكاً بندقيته العتيقة .. يمسحها بطرف قميصه .. وكأنه يراها للمرة الأولى … لطالما فعل ذالك … ولطالما أحبت بندقيته تلك المداعبة ..
يتوقف فجأة !!! دقت أجراس السادسة … حان الموعد .. ” نشرة الاخبار” ..
فعلى الرغم من كثرة المذيعين الذين سمع صوتهم على مدى العقود الماضية .. إلا انه ومع كل مذيع جديد … كان ينظر إلى بندقيته ببتسامة كادت تجاعيد وجهه أن تخفيها .. ليقول كما جرت العادة .. لعلنا نرى على وجهه الخير ..
يسرد المذيع اسماء .. الموتى .. والجرحى والشهداء … تتلألأ عيني ذاك المسن .. لم يخجل بأن ينظر إلى بندقيته .. ليقول بصوتٍ بان عليه الآسى والحزن .. لا بد من ثمن …
يعاود النظر إلى القرص المتوهج خارج الغرفة .. مستمراً بمداعبة بندقيته .. يشدها كلما سمع .. بعملية جديدة ضد المحتل .. ويتركها كلما سمع بمؤتمر جديد ..
تلك هي قهوة الصباح .. وتلك هي الموسيقى التي كان يفضل سماعها ..
في اليوم التالي .. أفاق من سريره مفزوعاً .. فقد ظن أن موعده مع القرص الذهبي قد فات .. نظر إلى ساعته التي لم يبقى منها سوى مؤشر الساعات .. لأن الدقائق والثواني لم تعد تعني شيئاً في حياة ذاك العجوز ..
كانت الساعة السادسة إلا ربع … لكن اين القرص المتوهج … ما به قد تأخر عن موعده …
لم ييأس ذاك العجوز .. فتح شرفته .. بإنتظار الشمس … بإنتظار الأمل … لكن لا فائدة .. انتظر وانتظر .. لتزداد الاسئلة ازدحاماً في خاطره … من سيمسح دمعات تلك الاورق؟؟؟ ومن ؟؟؟؟ ومن ؟؟؟؟
لم يستطع ذاك العجوز … إلا أن يقول .. لا بد لذاك القرص من راحة .. ولم ييأس وعلى مدار سنتين … من تكرار تلك العبارة .. كلما دقت ساعة السادسة ..
ساءت حالة العجوز .. وبدء اليأس يتسلل إليه .. كان ينظر بحزن إلى بندقيته المعلقة .. وقد حاصرتها خيوط بيت العنكبوت .. لم يستطع إلا الصمت .. على غير عادته ..
فلطالما روى لتلك البندقية أخبار الثوار في فلسطين …لطالما ..لطالما أخبرها عن الكرامة … وعن حصار بيروت .. وعن تونس .. والجزائر … لطالما .. لطالما …
تأخر الغائب .. ازداد الصمت .. وازادات رائحة الموت .. عندها .. كان لا بد للبندقية أن تتكلم … كان لا بد لمن كانت الأم والأب .. والأخ والسمير .. أن تكسر القيد وتسحق السجان .. لتقول : صااااااابر .. قم يا صابر ..
رد صابر منتحب الوجه : كيف ولمن سأقوم .. لشعبي المتفكك .. أم لثورتي .. أم لارضي التي باتت تلة يتسلق عليها الخائنون ..
قالت البندقية : ما بك يا صابر ؟؟ ألا تذكر !!! لطالما رددنا فلسطين داري .. فلسطين ناري .. ما بك !! قم يا صابر ..
رد صابر دامع العينين : يا ليتني مت قبل أن اسمع هذا .. ألم تعلمي بأن نشرة الأخبار .. أصبحت تنقل يومياً .. وبلا خجل .. أخبار اقتتال الأخوة .. في غزة لا اتفاق .. وفي الضفة لا وفاق .. غيمة سوداء لا تزول … لمن سأقوم .. وعلى ماذا سأقوم .. على رائحة الدم الفلسطيني .. أم على آنين الأرض ..
رددها صارخاً : قولي لي …
دعيني .. دعيني أنااااام .. أتركيني فلن احزن لو أبيد شعبي … فحبوب سنبلة تموت .. ستملئ الأرض سنابل .. لن أيأس .. لو سلبت كامل الأرض … لكن ما يمزقني .. هو حرمة الدم الفلسطيني .. قالها .. وكادت أن لا تكتمل ..
صرخت البندقية : لا تمت يا صابر .. انت الخيمة … انت الشتات … انت من سيعود ..
رد بغضب : اصمتي .. اتظنيني بتلك الوقاحة .. لو مت .. ماذا ساقول لدلال .. وبما سأخبر الختيار .. والياسين .. وأبو جهاد .. لا تخافي .. فمع أن الموت رحمة بالنسبة لي .. إلا اني لن اموت قب أن اهدم الخيمة .. واعود … لن اموت … قبل أن أعود … قبل أن أعود .. قبل أن أعود …
تعقيب
هذه الخاطرة تتعلق بالاقتتال الفلسطيني الفلسطيني .. ففي حزيزان في العام التاسع والخمسين للنكبة .. حررت غزة بمفهوم حماس .. وانقلبت حماس بمفهوم السلطة … وعم الظلام .. بمفهوم صابر .. الذي يمثل الشتات الفلسطيني .. بحيث أن التفكك والفتنة قائمة .. ونحن قد بدأنا في العام الواحد والستين للنكبة …
فثوروا … فلن نخسر سوى القيد … والخيمة