مر عامان على الانقضاض الحمساوي الدموي على السلطة الوطنية في غزة. وباختصار، لم تكن وضعية الانقلاب ستظل شاخصة، بعد عامين طويلين مريرين، لو لم يكن ما حدث يوم 14 حزيران 2007 دموياً، إذ لو لم تُزهق الأرواح في ذلك اليوم، ولو لم تُرتكب الفظائع، بالشكل الذي أهدى للمحتلين الأعداء، مشاهد ولقطات يتخذون منها مادة لتطبيع الحواس مع جرائمهم؛ لكان سهلاً على الانقلابيين، أن يتراجعوا وأن تتضاءل تعليلاتهم المتورمة، المفعمة صديداً فاسداً، فيقفون على مقربة من الحقيقة. وللأسف، ظلت التعليلات الحمساوية لما جرى تتكرر، حتى سئمها المخدوعون أنفسهم. وظلت بكائيات السرد مسترسلة، واستمرت افتراضات ذوي اللحى من قادة الانقلاب، الذين تشع عيونهم كذباً؛ تتحدى المنطق وتشوه الحقيقة وتستهتر بدم الناس وبأوقاتها، وبعذاباتها، وتستهين بمشاعر الأمهات والزوجات الثكلى. والأهم من ذلك كله، إن جُرح الوطن، ظل غائراً يزداد التهاباً، وتكرس الانقسام، وأثيرت الزوابع كلما اقترب المتحاورون في القاهرة من الوفاق، ذلك لأن الحمساويين لا يطيقون فكرة سقوط فرضيات زائفة، لكي تنهض حقائق بقيت تحت ركام غزة، ولا يعرفها سوى أولئك الذين رأوها بأمهات عيونهم وعرفوا كيف رُدمت!
üüü
لو لم يكن الانقلاب دموياً لكان سهلاً على الحمساويين أن يتمسكوا بفكرة الاحتكام الى الشعب، وأن يذهبوا الى ما تقتضيه هذه الفكرة، من الأريحية النقيضة للبطش والاستبداد. فالقادة الحمساويون مرعوبون من مجتمع غزة، لأنهم يعرفون طبائع الإنسان الفلسطيني الذي لا ينسى حقه الشخصي ولا حقه العام. فلكي يبقى الاستبداد مقيماً، لضمان السلامة (ولو مؤقتاً) تراهم يستغلون وضع "فتح" المُزري، لكي يجعلوا منها طرفاً في صراع يخوضونه بمشقة، ويتعين أن تكون له إجراءات طوارئ على الأرض. كأنما يصنعون هم بأنفسهم، صنماً من تمر، لكي يهبشوا وجهه، فيتبدى الصراع محتدماً، ما يستوجب تشديد القبضة الأمنية على الناس. فالمشكلة في غزة، ليست مع "فتح" وإنما مع الناس، وهذه حقيقة لن تغطيها "الجزيرة" بكل ما تملك من عناصر الدسيسة المشبوهة. أما حركة "فتح" فهي ليست ذات نشاط في غزة، بل ليست ذات نشاط في الضفة والشتات، لأنها معطلة وموقوفة عن العمل. فكلما أظهر مندوبوها الى الحوار، برهاناً جديداً على رغبتهم في الوفاق، وعلى أنهم لا يجيدون الخصومة أو الحقد أو حتى العتب؛ سرعان ما يصفعهم الحمساويون على وجوههم، ليس بُغضاً وإنما ضماناً لأن يستمر الصراع نقيضاً للوئام وللحياة الطبيعية، ولكي يستمر الانقلاب نقيضاً للكيانية المُهابة، المستندة الى قوانين ضامنة للحقوق الشخصية وللحق العام!
* * *
لهذه الأسباب وغيرها، مر عامان على الانقلاب، بينما كان الفلسطينيون وما زالوا، يتمنون أن تطُوى الصفحة، وألا تكون هناك ذكرى لـ 14 حزيران!
أحد القادة الحمساويين، ممن نجحوا في تحويل اضطرابات نفوسهم الى كوابيس وكوارث تقض مضاجع الوطن كله؛ يقفز معترضاً متظاهراً بالفزع من >عودة القتلة والمجرمين<. فكلما تحدث الوسطاء عن رفع القبضة الأمنية الحمساوية عن رقاب الناس في غزة، من خلال تحييد قوة الاستبداد، وتشكيل قوة أمنية مشتركة تعمل بالقانون وبأجندة العدالة لا بأجندة الجماعة؛ استشاط هذا القيادي المأزوم رافضاً عودة "القتلة والمجرمين". فالمذكور، ما زال يعتقد بأنه ما زال قادراً على استثمار مظاهر تافهة تراكمت وسُجلت على رجال السلطة منذ تأسيسها الى يوم الانقلاب. نعم كان هناك فساد، وما زال هناك فساد، وكانت هناك تفاهة وسخافة، ولكن كانت هناك سيرورة عمل تقويمي يضطلع به الوطنيون والشرفاء. لم يكن هناك سياق للجريمة السياسية وللقتل الحزبي، ولا مخطط هدم للمشروع الوطني، سمعنا شروحاته ـ مبكراً منذ أيام السجن ـ بألسنة إخوانيي الثقافة والوُجهة. وسمعنا اعتراضات علنية، على مفهوم الوطنية التي هي فطرة، والتي جعلوها معادلاً للإلحاد!
الآن، ولمناسبة مرور عامين على الانقلاب، بمقدورنا أن نضع بالتفصيل غير المُمل، تسلسلاً لوقائع القتل بتواريخها، وسيكون هذا التفصيل ـ آجلاً أو عاجلاً ـ هو المُعتمد لدى المؤرخ المُنصف، لا عند التلفزة التي تتحاشى الحقيقة وتتجنب الرواية الأمينة، التي سيبني عليها الرأي العام مواقف صحيحة، فتهرب الى عرض روايات أبعد زمنياً من ثُلث القرن، عن طيار ـ مثلاً ـ شارك في محاولة انقلاب عربية!
فلم يكن شعب فلسطين، المتعطش لأن يحكم نفسه بنفسه، يعرف جرائم القتل السياسي والحزبي، الى أن تشكل الجهاز السري الحمساوي، بعد قيام السلطة الوطنية. وبدأ ذلك الجهاز القتل في عام 1995 باغتيال أربعة آدميين، منهم شرطيان، أحدهما أكرم أحمد، حارس المرحوم قصي العبادلة قاضي القضاة آنذاك، مع اثنين قالت حماس انها قتلتهم حسب نتائج تحقيقات داخلية. أما الرابع، فهو الشرطي المغدور وائل المغاري، الذي كان ـ للمفارقة ـ حارس منزل العميد محمود أبو مرزوق، شقيق د. موسى، الذي هو الآن، مستشار حكومة هنية العسكري. فقد كان العميد محمود آنذاك، قائداً لجهاز الدفاع المدني!
لقد التقيت مؤخراً في القاهرة، وفي فندق الحوار، صديقي اللواء محمود أبو مرزوق، الذي كان حاضراً بصحبة وفد حماس. كان لقاؤنا حميماً. إنه أحد الشهود الكُثر، على بدء حكاية القتل التي استرسلت واختتمها الانقلاب فصولاً، على امتداد صراع أشعلته حماس، وأعدت له بكائياته وتلفيقاته وآليات صنع أحقاده، وانجرّ اليه ـ في وقت متأخر ـ أنفار من الفتحاويين، لم يكن احدهم تلقى فتوى أو أمراً من قيادة مركزية أو من حركة فتح رائدة الكفاح الوطني، التي ارهقها كُساح قيادتها!
üüü
لو لم يكن الانقلاب دموياً لكان سهلاً على الحمساويين أن يتمسكوا بفكرة الاحتكام الى الشعب، وأن يذهبوا الى ما تقتضيه هذه الفكرة، من الأريحية النقيضة للبطش والاستبداد. فالقادة الحمساويون مرعوبون من مجتمع غزة، لأنهم يعرفون طبائع الإنسان الفلسطيني الذي لا ينسى حقه الشخصي ولا حقه العام. فلكي يبقى الاستبداد مقيماً، لضمان السلامة (ولو مؤقتاً) تراهم يستغلون وضع "فتح" المُزري، لكي يجعلوا منها طرفاً في صراع يخوضونه بمشقة، ويتعين أن تكون له إجراءات طوارئ على الأرض. كأنما يصنعون هم بأنفسهم، صنماً من تمر، لكي يهبشوا وجهه، فيتبدى الصراع محتدماً، ما يستوجب تشديد القبضة الأمنية على الناس. فالمشكلة في غزة، ليست مع "فتح" وإنما مع الناس، وهذه حقيقة لن تغطيها "الجزيرة" بكل ما تملك من عناصر الدسيسة المشبوهة. أما حركة "فتح" فهي ليست ذات نشاط في غزة، بل ليست ذات نشاط في الضفة والشتات، لأنها معطلة وموقوفة عن العمل. فكلما أظهر مندوبوها الى الحوار، برهاناً جديداً على رغبتهم في الوفاق، وعلى أنهم لا يجيدون الخصومة أو الحقد أو حتى العتب؛ سرعان ما يصفعهم الحمساويون على وجوههم، ليس بُغضاً وإنما ضماناً لأن يستمر الصراع نقيضاً للوئام وللحياة الطبيعية، ولكي يستمر الانقلاب نقيضاً للكيانية المُهابة، المستندة الى قوانين ضامنة للحقوق الشخصية وللحق العام!
* * *
لهذه الأسباب وغيرها، مر عامان على الانقلاب، بينما كان الفلسطينيون وما زالوا، يتمنون أن تطُوى الصفحة، وألا تكون هناك ذكرى لـ 14 حزيران!
أحد القادة الحمساويين، ممن نجحوا في تحويل اضطرابات نفوسهم الى كوابيس وكوارث تقض مضاجع الوطن كله؛ يقفز معترضاً متظاهراً بالفزع من >عودة القتلة والمجرمين<. فكلما تحدث الوسطاء عن رفع القبضة الأمنية الحمساوية عن رقاب الناس في غزة، من خلال تحييد قوة الاستبداد، وتشكيل قوة أمنية مشتركة تعمل بالقانون وبأجندة العدالة لا بأجندة الجماعة؛ استشاط هذا القيادي المأزوم رافضاً عودة "القتلة والمجرمين". فالمذكور، ما زال يعتقد بأنه ما زال قادراً على استثمار مظاهر تافهة تراكمت وسُجلت على رجال السلطة منذ تأسيسها الى يوم الانقلاب. نعم كان هناك فساد، وما زال هناك فساد، وكانت هناك تفاهة وسخافة، ولكن كانت هناك سيرورة عمل تقويمي يضطلع به الوطنيون والشرفاء. لم يكن هناك سياق للجريمة السياسية وللقتل الحزبي، ولا مخطط هدم للمشروع الوطني، سمعنا شروحاته ـ مبكراً منذ أيام السجن ـ بألسنة إخوانيي الثقافة والوُجهة. وسمعنا اعتراضات علنية، على مفهوم الوطنية التي هي فطرة، والتي جعلوها معادلاً للإلحاد!
الآن، ولمناسبة مرور عامين على الانقلاب، بمقدورنا أن نضع بالتفصيل غير المُمل، تسلسلاً لوقائع القتل بتواريخها، وسيكون هذا التفصيل ـ آجلاً أو عاجلاً ـ هو المُعتمد لدى المؤرخ المُنصف، لا عند التلفزة التي تتحاشى الحقيقة وتتجنب الرواية الأمينة، التي سيبني عليها الرأي العام مواقف صحيحة، فتهرب الى عرض روايات أبعد زمنياً من ثُلث القرن، عن طيار ـ مثلاً ـ شارك في محاولة انقلاب عربية!
فلم يكن شعب فلسطين، المتعطش لأن يحكم نفسه بنفسه، يعرف جرائم القتل السياسي والحزبي، الى أن تشكل الجهاز السري الحمساوي، بعد قيام السلطة الوطنية. وبدأ ذلك الجهاز القتل في عام 1995 باغتيال أربعة آدميين، منهم شرطيان، أحدهما أكرم أحمد، حارس المرحوم قصي العبادلة قاضي القضاة آنذاك، مع اثنين قالت حماس انها قتلتهم حسب نتائج تحقيقات داخلية. أما الرابع، فهو الشرطي المغدور وائل المغاري، الذي كان ـ للمفارقة ـ حارس منزل العميد محمود أبو مرزوق، شقيق د. موسى، الذي هو الآن، مستشار حكومة هنية العسكري. فقد كان العميد محمود آنذاك، قائداً لجهاز الدفاع المدني!
لقد التقيت مؤخراً في القاهرة، وفي فندق الحوار، صديقي اللواء محمود أبو مرزوق، الذي كان حاضراً بصحبة وفد حماس. كان لقاؤنا حميماً. إنه أحد الشهود الكُثر، على بدء حكاية القتل التي استرسلت واختتمها الانقلاب فصولاً، على امتداد صراع أشعلته حماس، وأعدت له بكائياته وتلفيقاته وآليات صنع أحقاده، وانجرّ اليه ـ في وقت متأخر ـ أنفار من الفتحاويين، لم يكن احدهم تلقى فتوى أو أمراً من قيادة مركزية أو من حركة فتح رائدة الكفاح الوطني، التي ارهقها كُساح قيادتها!