مسامير وأزاهير 70 ... رئيس بلا صلاحية وحكومة غير شرعية وقضية باتت في خبر كان !!!.
ربما كان السيد الرئيس محمود عباس قد استبق الزمن قليلاً ، فتصور بأن شهرنا هذا هو شهر رجب بالتقويم الإسلامي العربي فأراد أن يحاكي المثل العربي القائل ( عش رجباً ترى عجباً ) فراح يمارس ما يمارسه من فعل عجيب وشأن غريب!!!.
بالأمس ... كنا قد عرفنا وقرأنا بأن للديمقراطية عدة مشاهد وتطبيقات لعل أهمها وأبرزها تتلخص بثلاثة أمور رئيسية هي : رئيس الدولة المنتخب ( جماهيرياً أو برلمانياً ) له فترة ولاية دستورية عليه أن يلتزم بها ، رئيس الحكومة يختاره رئيس الدولة المنتخب بشرطين اثنين أولهما أن يكون رئيس الدول المنتخب ضمن صلاحية الفترة الدستورية وأن يحظى ثانياً بتصديق وقبول مجلس برلماني ، وأخيراً وليس آخراً برلمان وطني منتخب من قبل أبناء الشعب يمارس التشريع وسن القوانين ويكون له دور وحضور فاعلان في الحياة السياسية والاجتماعية ويراقب ويحاسب رئيس الدولة ورئيس الحكومة وأعضاء الحكومة إن أخلوا بمسؤولياتهم الدستورية والقانونية.
واليوم ... وعلى حين غرة ( متوقعة !!) فإننا قد سمعنا بآذاننا ورأينا بأمهات أعيننا أمراً عجباً يتمثل بديمقراطية فريدة بفصال خاص مميز قل نظيره في العالم كان قد ابتدعها السيد الرئيس محمود عباس وانتهجها وسار عليها بإصرار وعناد ( يحسدان عليهما!!! ) رغم ما لقيه من معارضة دستورية شرعية مصحوبة بسكوت ورضا أمريكي على غير عادة الأخيرة في مثل هذه المواقف لدول تناصبها العداء التاريخي المستحكم وتتربص لها وتحسب عليها هناتها وزلاتها !!، مما يؤهل السيد الرئيس أبا مازن وبجدارة لأن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ويسجل اسمه في موسوعة غينيس للأحداث والظواهر القياسية والفريدة ويذكر في برامج الفضائيات تحت عنوان ( حدث في مثل هذا اليوم )!!!.
لنتمعن معاً لجملة معطيات ومؤشرات لنرى أي مصيبة نحن فيها وأي هاوية تاريخية سقطنا بها وبأي عنق زجاجة حشرنا: بلد محتل منذ أكثر من ستين عاماً ، قاسى شعبه شتى صنوف العذاب والقهر والتنكيل جراء رزوحه القسري تحت نير احتلال همجي بغيض راح يعمل ليل نهار من أجل طمس هويته العربية والإسلامية ، فصار ذاك الوطن والشعب قضية قد استعصي حلها مذ أربعينات القرن المنصرم تتقاذفها القرارات الدولية والفيتو الأمريكي والتدليس الأوربي، فإذا برئيس دولة فلسطين يصر على تجاوز كل الأعراف والدساتير وتجارب الشعوب ويأبى إلا أن يمارس ما لا يجوز له ممارسته شرعياً ودستورياً بحكم انتهاء ولايته الدستورية ، في ظل مجلس تشريعي منقسم ومعطل جراء تجاذبات سياسية يشيب لها الرضيع ولا تخفى على أحد ، فكان أن أعاد تكليف السيد سلام فياض بتشكيل حكومة تصريف أعمال جديدة!!!.
ولنتمعن معاً كرة أخرى لأمر بات مفضوحاً وكيلاً لدولة عظمى بمكيالين ... فلطالما تعالى احتجاج الولايات المتحدة الأمريكية لمثل هذه المشاهد والممارسات والتي عدتها وبإصرار خروجاً عن نهج الديمقراطية واعتبرتها ممارسة دكتاتورية وانتهاكاً لحقوق الإنسان والمواطنة ، تماماً كما تعالت أصوات إدارة بوش الأمريكية مستنكرة منددة حين تم تمديد ولاية الرئيس اللبناني العروبي النهج إميل لحود لفترة إضافية دستورية فاعتبرته في حينها خروجاً عن النهج الديمقراطي ومن منطلق أمريكي بحت ( إن كنت تريد أرنباً فهاك أرنباً وإن أردت غزالاً فخذ ... أرنبا )!!.
لم نسمع يوماً أن رئيساً منتهي الصلاحيات الدستورية في بلد متحضر يقوم بتكليف رئيس وزراء لحكومة تسيير أعمال في ظل غياب السلطة التشريعية أو عدم مباركتها لهذا الاختيار والتشكيل، غير أننا وبحمد الله قد تجاوزنا تلك ( المرحلة المتخلفة والعتيقة ) وتطورنا وقفزنا نحو الأمام فأوجدنا لأنفسنا نهجاً ومشهداً جديداً لديمقراطية فريدة على سطح هذا الكوكب بفضل ما ابتدعه وأوجده السيد الرئيس أبو مازن ( منتهي الصلاحية لدستورية ) من خلال إعادة تكليف السيد سلام فياض لتشكيل حكومة تسيير أعمال جديدة في ظل غياب التأييد والموافقة البرلمانية المطلوبة وفي ظل أجواء ملبدة بالغيوم والعواصف السياسية ناشئة عن انقسام حاد في المشهد السياسي الفلسطيني أولاً ومحاولات حثيثة تجري بسرعة السلحفاة من أجل إنجاح حوار فلسطيني فلسطيني في القاهرة ثانياً!!!.
لقد تناسى السيد الرئيس أبو مازن بأنه رئيس قد انتهت صلاحياته الدستورية بحكم انتهاء فترة ولايته، كما وأنه قد غض الطرف وضرب عرض الحائط اعتراضات الفصائل الفلسطينية على نتائج إقدامه على تنفيذ خطوته تلك التي ستزيد من أزمة المشهد السياسي الفلسطيني ، ولم يقتصر الاعتراض على تشكيل تلك الحكومة بهذه الكيفية ( وسلق البيض !!) على فصائل المعارضة لنهج التسوية وحدها ، بل امتد ذاك الاعتراض والاستنكار ليشمل كتلة فتح البرلمانية برئاسة السيد عزام الأحمد ( مع اختلاف توجهات وتداعيات الاعتراض طبعاً )!!.
حين سألت مذيعة الجزيرة الفضائية السيد محمود الهباش وزير الأوقاف في حكومة سلام فياض الجديدة كيف يتسنى لرئيس دولة أن يكلف شخصاً برئاسة حكومة دون أن يتقدم للمجلس البرلماني للحصول على مباركته وموافقته على تشكيلها فلقد أجابها السيد الوزير باعتداد رأي بأنها ديمقراطية الشأن الفلسطيني من منطلق أن الرئيس يحمل من المهام والمسؤوليات ما يجعله جديراً لاختيار ما يناسبه وما يقرره هو تحديداً دون الرجوع للبرلمان أو لقيادة حركته على أقل تقدير، فهو ( وكما قال الوزير الهباش بعظمة لسانه ) رئيس السلطة ... ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ... ورئيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني ... كما أنه القائد العام للقوات المسلحة الفلسطينية ، وأضاف قائلاً بأن حكومة الرئيس عباس ( كما جاء على لسانه ووصفه أيضاً ) بذلك إنما تعبر عن سياسته ورأيه ... بغض النظر عن رأي المجلس التشريعي أولاً وباقي كوادر قيادة فتح في ذاك القرار ثانياً عاداً بأن الانتقادات تلك أمر طبيعي يأتي من منطلق ديمقراطية السلطة الفلسطينية، متناسياً بأن في كل دول العالم التي تحترم نفسها وتقدر النهج الديمقراطي الصحيح يكون شرط تشكيل حكومة واكتسابها للشرعية الدستورية حين تحظى تلك الحكومة بموافقة ومباركة برلمان تلك الدول ، ومتناسياً أيضاً بأن جميع دول العالم التي تحترم شعوبها فإنها تقدم على إسقاط حكوماتها وإعادة تشكيلها إذا ما كثر اللغط وتأزمت الأوضاع ، فيما نرى نحن أن ( ديمقراطية ) السلطة الوطنية الفلسطينية لا تعير بالاً ولا تظهر احتراماً لمشاعر أبناء شعبها أولاً ولا تقيم وزناً لاعتراضات الحركات السياسية والفصائلية داخل الأرض المحتلة ثانياً!!.
لقد تناسى السيد الرئيس عباس بأن من أهداف تشكيل الحكومات الخروج من الأزمات السياسية التي تعصف في البلدان ، فما باله وقد زاد الطين بلة بإصراره على تشكيل تلك الحكومة وبرئاسة السيد فياض رغم تحذيرات مختلف الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي علاوة على اعتراض فصائل فلسطينية فاعلة في الشارع الفلسطيني وتلويحها بتأثيرات تلك الخطوة على الوضع الفلسطيني بمجمله والذي يعاني أساساً من حالة تأزم وانشقاق وفوضى سياسية ناشئة عن تلكؤ الحوار الفلسطيني الفلسطيني الجاري في القاهرة !!!.
جملة من التساؤلات باتت تسمع عالياً عبر المواقع الاخبارية والفضائيات ...
1. لم الإصرار والعناد على إعادة تكليف السيد سلام فياض رغم ما يحيطه من اعتراض شديد وواسع من قبل الفصائل الفلسطينية وحتى من داخل كتلة فتح البرلمانية التي أعلنت عن تخوفها من سياسته التي ترمي لإقصاء رجال حركة فتح داخل الضفة ذاتها!!!.
2. لـِمَ لـَمْ يصغ السيد الرئيس لدعوات انتظار نتائج الحوار الفلسطيني الفلسطيني ولأسابيع معدودة لاسيما في ظل أمرين اثنين : دعوة السيد عمر سليمان ( راعي المفاوضات ) للفصائل المتحاورة وتحديده بأن يكون السابع من تموز / يوليو القادم موعداً نهائياً لانتهاء جلسات الحوار والخروج بنتائج ملموسة، وأن حكومة تسيير الأعمال السابقة كانت تمارس دورها ( المرسوم لها ) وأن الحكومة الجديدة لن تكون بأفضل عطاءاً ودوراً من سابقتها.
3. لـِمَ لـَمْ يمنح السيد الرئيس جلسات الحوار فرصة إضافية لاسيما في ظل امتعاض واحتجاج معظم الفصائل الفلسطينية وإعلانها بأن تشكيل الحكومة بقيادة فياض هو نسف متعمد لجهود الحوار وترسيخ لحالة الانقسام الفلسطيني!!؟.
4. لـِمَ هذا الإصرار على إعادة اختيار رجل ( مجرب !!) تدور حوله جملة تساؤلات عن مدى علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية واشتراطها على تلقي حكومة فياض أموال إعادة إعمار غزة دون غيره!!؟.
5. لـِمَ هذا التوقيت تحديداً على تشكيل حكومة تسيير أعمال جديدة برئاسة السيد فياض في ظل تفاقم أزمة انعقاد المؤتمر الحركي السادس وعدم التوافق على مكان انعقاده مما زاد من حدة الخلافات داخل الحركة وانشقاق في صفوفها!!؟.
لا نجد في معرض الإجابة عن تلك التساؤلات والصرخات المستغيثة والمحذرة من عواقب ما سيجري وإظهار السيد الرئيس غير مبالاة لاعتراضات الفصائل الفلسطينية إلا مؤشراً قوياً على عمق ارتباط والتزام السيد عباس بنهج التسوية وإيمانه بجدواها لاسيما بعد أن وضع كل بيضه في سلتها المتمثل بتعطيل ميثاق المنظمة وتحجيم فعل المقاومة وطول فترة المفاوضات العبثية والتي لم تسفر عن نتائج ملموسة رغم ما تنفذه "إسرائيل " من مخطط يجري على قدم وساق لتهويد القدس وقضم الأراضي وزيادة البقع الاستيطانية !!.
وبعبارة أكثر وضوحاً ... فإن هدف الرئيس الفلسطيني عباس من إعادة السيد سلام فياض للواجهة السياسية من جديد هو محاولة منه لتأكيد صيغة ( الأمر الواقع ) المتمثل بإعطائه فرصة زمنية من أجل استكمال فرض رؤى وتوجهات وسياسة السيد فياض بما يصب في معين الولايات المتحدة الأمريكية وبما يلقى استحسان ورضا الكيان الصهيوني الذي يرمي لترسيخ الانقسام في المشهد الفلسطيني من جانب ، ولتعطيل دور المقاومة من جانب آخر وتحجيم رجالها وكسب عامل الزمن وصولاً لترسيخ وتوطيد أسس كيانه المسخ!!!.
ختاماً نقول : ما دام هناك رئيس قد انتهت فترة صلاحيته الدستورية ... وما دامت حكومة غير شرعية يتم فرضها فرضاً ... وما دام هناك مجلس تشريعي منقسم على نفسه ومعطل الإرادة ... فإن الانقسام سيستمر ... ولن يتحقق ما نتمناه من جولات حوار ومصالحة ... والعدو الصهيوني سادر بغيه ومستمر بتنفيذ مخططه ... وقضية فلسطينية قد أصبحت في خبر كان !!!.
وعش رجباً ... ترى عجباً.
سماك العبوشي
simakali@yahoo.com
ربما كان السيد الرئيس محمود عباس قد استبق الزمن قليلاً ، فتصور بأن شهرنا هذا هو شهر رجب بالتقويم الإسلامي العربي فأراد أن يحاكي المثل العربي القائل ( عش رجباً ترى عجباً ) فراح يمارس ما يمارسه من فعل عجيب وشأن غريب!!!.
بالأمس ... كنا قد عرفنا وقرأنا بأن للديمقراطية عدة مشاهد وتطبيقات لعل أهمها وأبرزها تتلخص بثلاثة أمور رئيسية هي : رئيس الدولة المنتخب ( جماهيرياً أو برلمانياً ) له فترة ولاية دستورية عليه أن يلتزم بها ، رئيس الحكومة يختاره رئيس الدولة المنتخب بشرطين اثنين أولهما أن يكون رئيس الدول المنتخب ضمن صلاحية الفترة الدستورية وأن يحظى ثانياً بتصديق وقبول مجلس برلماني ، وأخيراً وليس آخراً برلمان وطني منتخب من قبل أبناء الشعب يمارس التشريع وسن القوانين ويكون له دور وحضور فاعلان في الحياة السياسية والاجتماعية ويراقب ويحاسب رئيس الدولة ورئيس الحكومة وأعضاء الحكومة إن أخلوا بمسؤولياتهم الدستورية والقانونية.
واليوم ... وعلى حين غرة ( متوقعة !!) فإننا قد سمعنا بآذاننا ورأينا بأمهات أعيننا أمراً عجباً يتمثل بديمقراطية فريدة بفصال خاص مميز قل نظيره في العالم كان قد ابتدعها السيد الرئيس محمود عباس وانتهجها وسار عليها بإصرار وعناد ( يحسدان عليهما!!! ) رغم ما لقيه من معارضة دستورية شرعية مصحوبة بسكوت ورضا أمريكي على غير عادة الأخيرة في مثل هذه المواقف لدول تناصبها العداء التاريخي المستحكم وتتربص لها وتحسب عليها هناتها وزلاتها !!، مما يؤهل السيد الرئيس أبا مازن وبجدارة لأن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه ويسجل اسمه في موسوعة غينيس للأحداث والظواهر القياسية والفريدة ويذكر في برامج الفضائيات تحت عنوان ( حدث في مثل هذا اليوم )!!!.
لنتمعن معاً لجملة معطيات ومؤشرات لنرى أي مصيبة نحن فيها وأي هاوية تاريخية سقطنا بها وبأي عنق زجاجة حشرنا: بلد محتل منذ أكثر من ستين عاماً ، قاسى شعبه شتى صنوف العذاب والقهر والتنكيل جراء رزوحه القسري تحت نير احتلال همجي بغيض راح يعمل ليل نهار من أجل طمس هويته العربية والإسلامية ، فصار ذاك الوطن والشعب قضية قد استعصي حلها مذ أربعينات القرن المنصرم تتقاذفها القرارات الدولية والفيتو الأمريكي والتدليس الأوربي، فإذا برئيس دولة فلسطين يصر على تجاوز كل الأعراف والدساتير وتجارب الشعوب ويأبى إلا أن يمارس ما لا يجوز له ممارسته شرعياً ودستورياً بحكم انتهاء ولايته الدستورية ، في ظل مجلس تشريعي منقسم ومعطل جراء تجاذبات سياسية يشيب لها الرضيع ولا تخفى على أحد ، فكان أن أعاد تكليف السيد سلام فياض بتشكيل حكومة تصريف أعمال جديدة!!!.
ولنتمعن معاً كرة أخرى لأمر بات مفضوحاً وكيلاً لدولة عظمى بمكيالين ... فلطالما تعالى احتجاج الولايات المتحدة الأمريكية لمثل هذه المشاهد والممارسات والتي عدتها وبإصرار خروجاً عن نهج الديمقراطية واعتبرتها ممارسة دكتاتورية وانتهاكاً لحقوق الإنسان والمواطنة ، تماماً كما تعالت أصوات إدارة بوش الأمريكية مستنكرة منددة حين تم تمديد ولاية الرئيس اللبناني العروبي النهج إميل لحود لفترة إضافية دستورية فاعتبرته في حينها خروجاً عن النهج الديمقراطي ومن منطلق أمريكي بحت ( إن كنت تريد أرنباً فهاك أرنباً وإن أردت غزالاً فخذ ... أرنبا )!!.
لم نسمع يوماً أن رئيساً منتهي الصلاحيات الدستورية في بلد متحضر يقوم بتكليف رئيس وزراء لحكومة تسيير أعمال في ظل غياب السلطة التشريعية أو عدم مباركتها لهذا الاختيار والتشكيل، غير أننا وبحمد الله قد تجاوزنا تلك ( المرحلة المتخلفة والعتيقة ) وتطورنا وقفزنا نحو الأمام فأوجدنا لأنفسنا نهجاً ومشهداً جديداً لديمقراطية فريدة على سطح هذا الكوكب بفضل ما ابتدعه وأوجده السيد الرئيس أبو مازن ( منتهي الصلاحية لدستورية ) من خلال إعادة تكليف السيد سلام فياض لتشكيل حكومة تسيير أعمال جديدة في ظل غياب التأييد والموافقة البرلمانية المطلوبة وفي ظل أجواء ملبدة بالغيوم والعواصف السياسية ناشئة عن انقسام حاد في المشهد السياسي الفلسطيني أولاً ومحاولات حثيثة تجري بسرعة السلحفاة من أجل إنجاح حوار فلسطيني فلسطيني في القاهرة ثانياً!!!.
لقد تناسى السيد الرئيس أبو مازن بأنه رئيس قد انتهت صلاحياته الدستورية بحكم انتهاء فترة ولايته، كما وأنه قد غض الطرف وضرب عرض الحائط اعتراضات الفصائل الفلسطينية على نتائج إقدامه على تنفيذ خطوته تلك التي ستزيد من أزمة المشهد السياسي الفلسطيني ، ولم يقتصر الاعتراض على تشكيل تلك الحكومة بهذه الكيفية ( وسلق البيض !!) على فصائل المعارضة لنهج التسوية وحدها ، بل امتد ذاك الاعتراض والاستنكار ليشمل كتلة فتح البرلمانية برئاسة السيد عزام الأحمد ( مع اختلاف توجهات وتداعيات الاعتراض طبعاً )!!.
حين سألت مذيعة الجزيرة الفضائية السيد محمود الهباش وزير الأوقاف في حكومة سلام فياض الجديدة كيف يتسنى لرئيس دولة أن يكلف شخصاً برئاسة حكومة دون أن يتقدم للمجلس البرلماني للحصول على مباركته وموافقته على تشكيلها فلقد أجابها السيد الوزير باعتداد رأي بأنها ديمقراطية الشأن الفلسطيني من منطلق أن الرئيس يحمل من المهام والمسؤوليات ما يجعله جديراً لاختيار ما يناسبه وما يقرره هو تحديداً دون الرجوع للبرلمان أو لقيادة حركته على أقل تقدير، فهو ( وكما قال الوزير الهباش بعظمة لسانه ) رئيس السلطة ... ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ... ورئيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني ... كما أنه القائد العام للقوات المسلحة الفلسطينية ، وأضاف قائلاً بأن حكومة الرئيس عباس ( كما جاء على لسانه ووصفه أيضاً ) بذلك إنما تعبر عن سياسته ورأيه ... بغض النظر عن رأي المجلس التشريعي أولاً وباقي كوادر قيادة فتح في ذاك القرار ثانياً عاداً بأن الانتقادات تلك أمر طبيعي يأتي من منطلق ديمقراطية السلطة الفلسطينية، متناسياً بأن في كل دول العالم التي تحترم نفسها وتقدر النهج الديمقراطي الصحيح يكون شرط تشكيل حكومة واكتسابها للشرعية الدستورية حين تحظى تلك الحكومة بموافقة ومباركة برلمان تلك الدول ، ومتناسياً أيضاً بأن جميع دول العالم التي تحترم شعوبها فإنها تقدم على إسقاط حكوماتها وإعادة تشكيلها إذا ما كثر اللغط وتأزمت الأوضاع ، فيما نرى نحن أن ( ديمقراطية ) السلطة الوطنية الفلسطينية لا تعير بالاً ولا تظهر احتراماً لمشاعر أبناء شعبها أولاً ولا تقيم وزناً لاعتراضات الحركات السياسية والفصائلية داخل الأرض المحتلة ثانياً!!.
لقد تناسى السيد الرئيس عباس بأن من أهداف تشكيل الحكومات الخروج من الأزمات السياسية التي تعصف في البلدان ، فما باله وقد زاد الطين بلة بإصراره على تشكيل تلك الحكومة وبرئاسة السيد فياض رغم تحذيرات مختلف الكتل البرلمانية في المجلس التشريعي علاوة على اعتراض فصائل فلسطينية فاعلة في الشارع الفلسطيني وتلويحها بتأثيرات تلك الخطوة على الوضع الفلسطيني بمجمله والذي يعاني أساساً من حالة تأزم وانشقاق وفوضى سياسية ناشئة عن تلكؤ الحوار الفلسطيني الفلسطيني الجاري في القاهرة !!!.
جملة من التساؤلات باتت تسمع عالياً عبر المواقع الاخبارية والفضائيات ...
1. لم الإصرار والعناد على إعادة تكليف السيد سلام فياض رغم ما يحيطه من اعتراض شديد وواسع من قبل الفصائل الفلسطينية وحتى من داخل كتلة فتح البرلمانية التي أعلنت عن تخوفها من سياسته التي ترمي لإقصاء رجال حركة فتح داخل الضفة ذاتها!!!.
2. لـِمَ لـَمْ يصغ السيد الرئيس لدعوات انتظار نتائج الحوار الفلسطيني الفلسطيني ولأسابيع معدودة لاسيما في ظل أمرين اثنين : دعوة السيد عمر سليمان ( راعي المفاوضات ) للفصائل المتحاورة وتحديده بأن يكون السابع من تموز / يوليو القادم موعداً نهائياً لانتهاء جلسات الحوار والخروج بنتائج ملموسة، وأن حكومة تسيير الأعمال السابقة كانت تمارس دورها ( المرسوم لها ) وأن الحكومة الجديدة لن تكون بأفضل عطاءاً ودوراً من سابقتها.
3. لـِمَ لـَمْ يمنح السيد الرئيس جلسات الحوار فرصة إضافية لاسيما في ظل امتعاض واحتجاج معظم الفصائل الفلسطينية وإعلانها بأن تشكيل الحكومة بقيادة فياض هو نسف متعمد لجهود الحوار وترسيخ لحالة الانقسام الفلسطيني!!؟.
4. لـِمَ هذا الإصرار على إعادة اختيار رجل ( مجرب !!) تدور حوله جملة تساؤلات عن مدى علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية واشتراطها على تلقي حكومة فياض أموال إعادة إعمار غزة دون غيره!!؟.
5. لـِمَ هذا التوقيت تحديداً على تشكيل حكومة تسيير أعمال جديدة برئاسة السيد فياض في ظل تفاقم أزمة انعقاد المؤتمر الحركي السادس وعدم التوافق على مكان انعقاده مما زاد من حدة الخلافات داخل الحركة وانشقاق في صفوفها!!؟.
لا نجد في معرض الإجابة عن تلك التساؤلات والصرخات المستغيثة والمحذرة من عواقب ما سيجري وإظهار السيد الرئيس غير مبالاة لاعتراضات الفصائل الفلسطينية إلا مؤشراً قوياً على عمق ارتباط والتزام السيد عباس بنهج التسوية وإيمانه بجدواها لاسيما بعد أن وضع كل بيضه في سلتها المتمثل بتعطيل ميثاق المنظمة وتحجيم فعل المقاومة وطول فترة المفاوضات العبثية والتي لم تسفر عن نتائج ملموسة رغم ما تنفذه "إسرائيل " من مخطط يجري على قدم وساق لتهويد القدس وقضم الأراضي وزيادة البقع الاستيطانية !!.
وبعبارة أكثر وضوحاً ... فإن هدف الرئيس الفلسطيني عباس من إعادة السيد سلام فياض للواجهة السياسية من جديد هو محاولة منه لتأكيد صيغة ( الأمر الواقع ) المتمثل بإعطائه فرصة زمنية من أجل استكمال فرض رؤى وتوجهات وسياسة السيد فياض بما يصب في معين الولايات المتحدة الأمريكية وبما يلقى استحسان ورضا الكيان الصهيوني الذي يرمي لترسيخ الانقسام في المشهد الفلسطيني من جانب ، ولتعطيل دور المقاومة من جانب آخر وتحجيم رجالها وكسب عامل الزمن وصولاً لترسيخ وتوطيد أسس كيانه المسخ!!!.
ختاماً نقول : ما دام هناك رئيس قد انتهت فترة صلاحيته الدستورية ... وما دامت حكومة غير شرعية يتم فرضها فرضاً ... وما دام هناك مجلس تشريعي منقسم على نفسه ومعطل الإرادة ... فإن الانقسام سيستمر ... ولن يتحقق ما نتمناه من جولات حوار ومصالحة ... والعدو الصهيوني سادر بغيه ومستمر بتنفيذ مخططه ... وقضية فلسطينية قد أصبحت في خبر كان !!!.
وعش رجباً ... ترى عجباً.
سماك العبوشي
simakali@yahoo.com