الخليل:
الحرم الإبراهيمي الشريف
1- إن اقدم وصف عثر عليه لهذا الحرم الشريف هو لِـ (ناصر خسرو) الذي زاره عام 438هـ: 1047م. قال الرحالة:
والمشهد يتكون من بناء ذي اربع حوائط من الحجر المصقول، طوله ثمانون ذراعاً وعرضه أربعون، وارتفاعه عشرون، وثخانة حوائطه ذراعان. وبه مقصورة ومحراب في عرض البناء. وبالمقصورة محاريب جميلة بها قبران رأسهما لقبلة، وكلاهما من الحجر المصقول بارتفاع قامة الرجل. الأيمن قبر إسحق بن إبراهيم، والآخر قبر زوجته وبينهما عشرة أذرع. وأرض هذا المشهد وجدرانه مزينة بالسجاجيد القيمة والحصر المغربية التي تفوق الديباج حسناً. وقد رايت هناك حصيرة صلاة، قيل أرسلها أمير الجيوش وهو تابع لسلطان مصر. وقد اشتريت من مصر بثلاثين ديناراً من الذهب المغربي. ولو كانت من الديباج الرومي لما بلغت هذا الثمن. ولم أر مثلها في مكان قط.
حين يخرج السائر من المقصورة الى وسط ساحة المشهد، يجد مشهدين أمام القبلة: الأيمن به قبر إبراهيم الخليل، وهو مشهد كبير، ومن داخله مشهد آخر لا يستطاع الطواف حوله، ولكن له اربع نوافذ يرى منها. فيراه الزائرون وهم يطوفون حول المشهد الكبير، وقد كسيت أرضه وجدرانه ببسط من الديباج. والقبر من الحجر، وارتفاعه ثلاث أذرع. وعلق بها كثير من القناديل والمصابيح الفضية.
والمشهد الثاني الذي يسار القبلة به قبر سارة زوج إبراهيم. وبين القبرين ممر عليه باباهما. وهو كالدهليز وبه كثير من القناديل والمسارح. وبعد هذين المشهدين قبران متجاوران، الأيمن قبر النبي يعقوب، والأيسر قبر زوجه. وبعدهما المنازل التي اتخذها إبراهيم لضيافة زائريه وبها ستة قبور.
وخارج المشهد منحدر به قبر يوسف بن يقعوب. وهو من الحجر وعليه قبة جميلة. وعلى جانب الصحراء بين قبر يوسف ومشهد الخليل، قرافة (مقبرة) كبيرة يدفن بها الموتى من جهات عديدة. وعلى سطح المقصورة في المشهد حجرات للضيوف الوافدين. وقد وقف عليها أوقاف كثيرة من القرى ومستغلات بيت المقدس.
ويقال إنه لم يكن لهذا المشهد باب، وكان دخوله مستحيلاً، بل كان الناس يزورونه من الإيوان في الخارج. فلما جلس المهدي الفاطمي على عرش مصر أمر بفتح باب فيه، وزينه وفرشه بالسجاجيد، وأدخل على عمارته إصلاحاً كثيراً. وباب المشهد وسط الحائط الشمالي على ارتفاع اربع أذرع فوق الأرض، وعلى جانب درجات من الحجر، فيصعد إليه من جانب ويكون النزول من الجانب الثاني. ووضع هناك باب صفين من الحديد.
2- وكان آخر وصف للحرم هو ما جاء في (دليل الحرم الإبراهيمي الشريف) الذي وضعه المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1436هـ (1927م). قال الدليل.
ما من بناء يقع عليه نظرك إلا ألهمك الغرض الذي انشئ لأجله من أول وهلة وبأقل عناء فأنت بمجرد نظرة ترسلها على أي بناء تصادفه تعرف إن كان معبداً، أو حصناً، أو قصراً، أو مدرسة أو ملعباً.. كأنما تكلمك حجارته بلسان مبين.
غير أن الأمر على الضد من ذلك فيما يتعلق بالحرم الإبراهيمي. فلو أنا جردناه من البيانات الطارئة عليه في عصور مختلفة كالمأذن، والقباب، والشرفات. وتصورناه سوراً ضخماً لا باب له ضرب على رقعة صغيرة من الأرض، لأشكل علينا شأنه، ولو درنا حوله وتأملناه من أسفله أو من أعلاه.
وللحرم بابان خارجيان احدهما في الجهة الغربية الجنوبية، والثاني في الجهة الغربية الشمالية ينفصل منها الى مراق عظيمة تؤدي الى رواق معقود في الجهة الشرقية يحتوي على باب صغير للحرم في وسط السور الشرقي، ويرى الداخل من أي البابين سوراً محيطاً بالحرم مبنياً بالحجر الضخم من النوع المزي الصلب، أجيد قطعه، وصقلت أطرافه، وبرز أوسطه ورصف فوق بعضه بلا (مونة) على هندسة تدل على مقدرة عجيبة وذوق راق. وقد بلغ بعض هذه الحجارة نحواً من 5 ـ 7 أمتاراً طولاً بمتر ونصف المتر عرضاً.
وفوق السور المذكور منارتان لطيفتان إحدهما من جهة الشرق مما يلي القبة، والثانية من الغرب مما يلي الشمال.
فإذا دخلت الحرم من باب السور الشرقي رأيت على يمينك صحناً مكشوفاً يقسم المكان الى قسمين غير متساويين أحدهما في الجنوب ويحتوي على الجامع المعقود الذي يضم ضريحي إبراهيم وسارة في قبتين مسدستي الأضلاع بينهما رواق مربع صغير معقود، وله في جداره القبلي باب رصعت جوانبه بالفسيفساء يدخل منه الى الجامع.
وللجامع ثلاثة أكوار، الأوسط منها مرتفع عن الكورين المتلاصقين له من جهتي المشرق والمغرب. وسقفه مرتفع على اربع اسورا محكمة الهندسة يتخللها أعمدة متشابكة لطيفة يخيل لرائيها أنه في غابة من الدوح. وبصدر الأعلى من جهة القبلة محراب مرخم بديع الصنعة زين أعلاه بالفص الملون المذهب.
والى جانب المحراب منبر من الخشب المحفور في غابة الإتقان والحسن وعليه كتابة بالقلم الكوفي تدل على أنه صنع في زمن المستنصر بالله أبي تميم معد الفاطمي، خليفة مصر، بأمر دولته بدر الجمالي برسم مشهد عسقلان الذي زعموا أن به رأس الحسين بن علي رضي الله عنه وذلك سنة 484هـ.
ويقابل المحراب دكة المؤذنين مرفوعة على عمد لطيفة من الرخام. وفي وسط المغطى سيدنا إسحق عليه السلام وزوجه السيدة رفقة في غرفتين مربعتين صغيرتين متقابلتين.والقسم الثاني من البناء واقع شمالي الحرم ويحتوي على ضريحي سيدنا يعقوب عليه السلام وزوجته ليا، في قبتين متقابلتين أيضاً بينهما رواق معقود. وبين هذين الجزئين من البناء رواق مستطيل في الجهة الغربية من الشمال فيه مصلى للنساء.وفي وسط هذا الرواق باب يؤدي الى ضريح سيدنا يوسف عليه السلام وهو في قبة جميلة واقعة خلف السور بلصقه من جهة الغرب، مطلة على بقايا القلعة.
الغار الشريف:
وجميع مراقد الانبياء عليهم السام وزوجاتهم واقعة في غار سفلي الحرم، وما الأضرحه العليا إلا إشارات لها. ولهذا الغار ثلاثة مداخل. إحدهما بإزاء المنبر، والثاني بين قبري سيدنا إسحق وزوجه الى جهة الشمال، وهما مسدودان، والثالث واقع بجوار الحضرة الخليلية، وعليه القبة اللطيفة التي أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون وبابه من رخام مستدير له غطاء من نحاس يسرد فيه دائماً قنديل عند فوهته.
وأهم ما زيد في الحرم من الخارج، المسجد الذي أنشأه أبو سعيد سنجر الجاولي، ناظر الحرمين الشرفين، ونائب السلطنة، وهو واقع شرقي الحرم وبينهما الرواق المعقود على باب السور الشرقي، وهذا المسجد مرتفع على أثنتي عشرة سارية قائمة في وسطه، يعلوه قبة لطيفة وقد كتب على حائطه أن سنجر عمره من خالص ماله ولم ينفق عليه من مال الحرمين الشريفين شيئاً..ومما هو جدير بالذكر ان الاعداء بعد أن استولوا على الخليل في حزيران 1967م أخذوا يخططون على تحويل هذا الحرم الشريف الى معبد يهودي.
* الخليل (وادي):
من أهم روافد وادي بير السبع، ويطلق اسم وادي الخليل على وادي الإفرنج أيضاً. ويبلغ طول الوادي 44 كيلاً. ويبدأ مجراه من جنوبي مدينة الخليل وشمالي بلدة (يطة) وفي المرتفعات المحيطة بقرية السموع.
* الخليل:
قطاع الخليل لتميم الداري: ذكر القلقشندي في صبح الأعشي روايات عن إقطاع النبي (ص) تميماً الداري، الخليل وما حوله انقل منه ما يأتي: قال:
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق فيه طرقاً مختلفة. فروى بسنده الى زياد بن فائد، عن أبيه فائد، عن جده زياد بن أبي هند، عن أبي هند الداري أنه قال: قدمنا على رسول الله (ص) مكة ونحن ستة نفر: تميم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بنقيس، وأبو هند بن عبد الله، وهو صاحب الحديث، وأخوه الطيب بن عبد الله وكان اسمه براً فسماه رسول الله (ص) عبد الرحمن، وفاكه بن النعمان، فاسلمنا وسألنا رسول الله (ص) أن يقطعنا ارضنا من أرض الشام، فقال رسول الله: (سلوا حيث شئتم). فقال تميم: أرى أن تسأله بيت المقدس وكورها. فقال أبو هند: (هذا محل ملك العجم) وكذلك يكون فيها ملك العرب وأخاف أن لا يتم لنا هذا، فقال تميم: فنسأله بيت جبرين وكورتها، فقال أبو هند: هذا أكبر وأكبر. فقال: فأين ترى أن نسأله؟ فقال: ارى أن نسأله القرى التي يقع فيها تل مع آثار إبراهيم. فقال تميم: أصبت ووفقت. قال: فقال رسول الله (ص) لتميم: (أتحب أن تخبرني بما كنتم فيه أو أخبرك؟) فقال تميم: بل تخبرنا يا رسول الله نزداد إيماناً. فقال رسول الله (ص): (أردتم أمراً فأراد هذا غيره) ونعم الرأي رأى. قال فدعا رسول الله (ص) بقطعة جلد من أدم، فكتب لنا فيها كتاباً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول الله للداريين إذا أعطاه الله الأرض. وهب لهم بيت عينون وحبرون وبيت إبراهيم بمن فيهم لهم ابداً.
شهد عباس بن عبد المطلب، وجهم بن قيس، وشرحبيل بن حسنة، وكتب).
قال ثم دخل بالكتاب الى منزلة فعالج في زاوية الرقعة وغشاه بشيء لايعرف، وعقده من خارج الرقعة بسير عقدتين، وخرج إلينا به مطوياً وهو يقول: (إن اولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوا هو هذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) آل عمران 68. ثم قال: انصروا حتى تسمعوا بي قد هاجرت، قال أبو هند: فانصرفنا. فلما هاجر رسول الله الى المدين'ن قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتاباً، فكتب لنا كتاباً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذا ما أنطى محمد رسول الله (ص) لتميم الداري واصحابه، إني انطيتكم (عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم، برمتهم وجميع ما فيهم نطية بت، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم ابد الأبد، فمن آذاهم فيها آذاه الله).
(شهد ابو بكر بن أبي قحافة، وعرم بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب).
فلما قبض رسول الله (ص) وولي أبو بكر، وجه الجنود الى الشام، فكتب لنا كتاباً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(من أبي بكر الصديق الى عبيدة بن الجراح، سلام عليك فإني أحمد اليك الله الذي لا إله ألا هو.
أما بعد، أمنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد. في قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها واراد الداريون أن يزرعوها فليزرعوها، فإذا رجع أهلها اليها فهي لهم وأحق بهم والسلام عليك).
وروى بسنده ايضاً الى الزهري وثور بن يزيد عن راشد بن سعد، قالا: قال تميم الداري وهو تميم بن أوس، رجل من لخم، فقال يا رسول الله، إن لي جيرة من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرى. وأخرى يقال لها بيت عينون فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي قال: هما لك قال: فاكتب لي بذلك: فكتب له:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(هذا كتاب من محمد رسول الله (ص) لتميم بن أوس الداري، غن له قرية حبرى وبيت عينون قريتها كلها، سهلها وجبلها وماءها وحرتها وأنباطها وبقرها ولعقبه من بعده لا يحاقه فيها أحد، ولا يلجه عليهم أحد بظلم. فمن ظلمهم أو أخذ من أحد منهم شيئاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وكتب علَّي.
قال القلقشندي:
(هذه الرقعة التي كتب بها النبي (ص) موجودة بأيدي التميميين خدام حرم الخليل عليه السلام الى الآن، وكما نازعهم عليهم أحد اتوا بها الى السلطان بالديار المصرية ليقف عليها، ويكف عنهم من يظلمهم وقد أخبرني برؤيتها غير واحد، والأديم هي فيه قد خلق لطول الأمد).
وشاهدت أنا عند ورثة الصاحب الوزير فخر الدين أبي حفص عمر، بن القاضي المرحوم الرئيس مجد الدين عبد العزيز المعروف بابن الخليلي التميمي رحمه الله، كتاباًيتوارثونه كابراً عن كابر، يقولون: هو كتاب رسول الله 0ص) الذي كتبه لتميم الداري وإخوته، وهو في قطعة من أدم مربعة دون الشبر قد غلفت بالأطلس الأبيض، يزعمون أن ذلك من خف كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله علنه، وقد بقي بهذه القطعة الأدم آثار أحرف خافية، لا تكاد تبين إلا بعد إمعان التأمل، وتحقيق النظر، وعلى هذه القطعة الادم من الجلالة ولها من الموقع في النفوس والمهابة ما يقوي أنها صادرة عن المحل المنيف، وقرين هذه القطعة الأدم قرطاس أبيض قديم، يزعمون أن أسلافهم نقلوا ما فيه من الكتابة من كتاب رسول الله (ص)، قبل أن تزول حروفه. وفيه تسعة أسطر بما في ذلك من البسملة، وقد رأينا أن نضع ذلك في هذا الكتاب على هيئته في العدد، وإن لم يوافق الخط وهو:
الحرم الإبراهيمي الشريف
1- إن اقدم وصف عثر عليه لهذا الحرم الشريف هو لِـ (ناصر خسرو) الذي زاره عام 438هـ: 1047م. قال الرحالة:
والمشهد يتكون من بناء ذي اربع حوائط من الحجر المصقول، طوله ثمانون ذراعاً وعرضه أربعون، وارتفاعه عشرون، وثخانة حوائطه ذراعان. وبه مقصورة ومحراب في عرض البناء. وبالمقصورة محاريب جميلة بها قبران رأسهما لقبلة، وكلاهما من الحجر المصقول بارتفاع قامة الرجل. الأيمن قبر إسحق بن إبراهيم، والآخر قبر زوجته وبينهما عشرة أذرع. وأرض هذا المشهد وجدرانه مزينة بالسجاجيد القيمة والحصر المغربية التي تفوق الديباج حسناً. وقد رايت هناك حصيرة صلاة، قيل أرسلها أمير الجيوش وهو تابع لسلطان مصر. وقد اشتريت من مصر بثلاثين ديناراً من الذهب المغربي. ولو كانت من الديباج الرومي لما بلغت هذا الثمن. ولم أر مثلها في مكان قط.
حين يخرج السائر من المقصورة الى وسط ساحة المشهد، يجد مشهدين أمام القبلة: الأيمن به قبر إبراهيم الخليل، وهو مشهد كبير، ومن داخله مشهد آخر لا يستطاع الطواف حوله، ولكن له اربع نوافذ يرى منها. فيراه الزائرون وهم يطوفون حول المشهد الكبير، وقد كسيت أرضه وجدرانه ببسط من الديباج. والقبر من الحجر، وارتفاعه ثلاث أذرع. وعلق بها كثير من القناديل والمصابيح الفضية.
والمشهد الثاني الذي يسار القبلة به قبر سارة زوج إبراهيم. وبين القبرين ممر عليه باباهما. وهو كالدهليز وبه كثير من القناديل والمسارح. وبعد هذين المشهدين قبران متجاوران، الأيمن قبر النبي يعقوب، والأيسر قبر زوجه. وبعدهما المنازل التي اتخذها إبراهيم لضيافة زائريه وبها ستة قبور.
وخارج المشهد منحدر به قبر يوسف بن يقعوب. وهو من الحجر وعليه قبة جميلة. وعلى جانب الصحراء بين قبر يوسف ومشهد الخليل، قرافة (مقبرة) كبيرة يدفن بها الموتى من جهات عديدة. وعلى سطح المقصورة في المشهد حجرات للضيوف الوافدين. وقد وقف عليها أوقاف كثيرة من القرى ومستغلات بيت المقدس.
ويقال إنه لم يكن لهذا المشهد باب، وكان دخوله مستحيلاً، بل كان الناس يزورونه من الإيوان في الخارج. فلما جلس المهدي الفاطمي على عرش مصر أمر بفتح باب فيه، وزينه وفرشه بالسجاجيد، وأدخل على عمارته إصلاحاً كثيراً. وباب المشهد وسط الحائط الشمالي على ارتفاع اربع أذرع فوق الأرض، وعلى جانب درجات من الحجر، فيصعد إليه من جانب ويكون النزول من الجانب الثاني. ووضع هناك باب صفين من الحديد.
2- وكان آخر وصف للحرم هو ما جاء في (دليل الحرم الإبراهيمي الشريف) الذي وضعه المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1436هـ (1927م). قال الدليل.
ما من بناء يقع عليه نظرك إلا ألهمك الغرض الذي انشئ لأجله من أول وهلة وبأقل عناء فأنت بمجرد نظرة ترسلها على أي بناء تصادفه تعرف إن كان معبداً، أو حصناً، أو قصراً، أو مدرسة أو ملعباً.. كأنما تكلمك حجارته بلسان مبين.
غير أن الأمر على الضد من ذلك فيما يتعلق بالحرم الإبراهيمي. فلو أنا جردناه من البيانات الطارئة عليه في عصور مختلفة كالمأذن، والقباب، والشرفات. وتصورناه سوراً ضخماً لا باب له ضرب على رقعة صغيرة من الأرض، لأشكل علينا شأنه، ولو درنا حوله وتأملناه من أسفله أو من أعلاه.
وللحرم بابان خارجيان احدهما في الجهة الغربية الجنوبية، والثاني في الجهة الغربية الشمالية ينفصل منها الى مراق عظيمة تؤدي الى رواق معقود في الجهة الشرقية يحتوي على باب صغير للحرم في وسط السور الشرقي، ويرى الداخل من أي البابين سوراً محيطاً بالحرم مبنياً بالحجر الضخم من النوع المزي الصلب، أجيد قطعه، وصقلت أطرافه، وبرز أوسطه ورصف فوق بعضه بلا (مونة) على هندسة تدل على مقدرة عجيبة وذوق راق. وقد بلغ بعض هذه الحجارة نحواً من 5 ـ 7 أمتاراً طولاً بمتر ونصف المتر عرضاً.
وفوق السور المذكور منارتان لطيفتان إحدهما من جهة الشرق مما يلي القبة، والثانية من الغرب مما يلي الشمال.
فإذا دخلت الحرم من باب السور الشرقي رأيت على يمينك صحناً مكشوفاً يقسم المكان الى قسمين غير متساويين أحدهما في الجنوب ويحتوي على الجامع المعقود الذي يضم ضريحي إبراهيم وسارة في قبتين مسدستي الأضلاع بينهما رواق مربع صغير معقود، وله في جداره القبلي باب رصعت جوانبه بالفسيفساء يدخل منه الى الجامع.
وللجامع ثلاثة أكوار، الأوسط منها مرتفع عن الكورين المتلاصقين له من جهتي المشرق والمغرب. وسقفه مرتفع على اربع اسورا محكمة الهندسة يتخللها أعمدة متشابكة لطيفة يخيل لرائيها أنه في غابة من الدوح. وبصدر الأعلى من جهة القبلة محراب مرخم بديع الصنعة زين أعلاه بالفص الملون المذهب.
والى جانب المحراب منبر من الخشب المحفور في غابة الإتقان والحسن وعليه كتابة بالقلم الكوفي تدل على أنه صنع في زمن المستنصر بالله أبي تميم معد الفاطمي، خليفة مصر، بأمر دولته بدر الجمالي برسم مشهد عسقلان الذي زعموا أن به رأس الحسين بن علي رضي الله عنه وذلك سنة 484هـ.
ويقابل المحراب دكة المؤذنين مرفوعة على عمد لطيفة من الرخام. وفي وسط المغطى سيدنا إسحق عليه السلام وزوجه السيدة رفقة في غرفتين مربعتين صغيرتين متقابلتين.والقسم الثاني من البناء واقع شمالي الحرم ويحتوي على ضريحي سيدنا يعقوب عليه السلام وزوجته ليا، في قبتين متقابلتين أيضاً بينهما رواق معقود. وبين هذين الجزئين من البناء رواق مستطيل في الجهة الغربية من الشمال فيه مصلى للنساء.وفي وسط هذا الرواق باب يؤدي الى ضريح سيدنا يوسف عليه السلام وهو في قبة جميلة واقعة خلف السور بلصقه من جهة الغرب، مطلة على بقايا القلعة.
الغار الشريف:
وجميع مراقد الانبياء عليهم السام وزوجاتهم واقعة في غار سفلي الحرم، وما الأضرحه العليا إلا إشارات لها. ولهذا الغار ثلاثة مداخل. إحدهما بإزاء المنبر، والثاني بين قبري سيدنا إسحق وزوجه الى جهة الشمال، وهما مسدودان، والثالث واقع بجوار الحضرة الخليلية، وعليه القبة اللطيفة التي أنشأها الملك الناصر محمد بن قلاوون وبابه من رخام مستدير له غطاء من نحاس يسرد فيه دائماً قنديل عند فوهته.
وأهم ما زيد في الحرم من الخارج، المسجد الذي أنشأه أبو سعيد سنجر الجاولي، ناظر الحرمين الشرفين، ونائب السلطنة، وهو واقع شرقي الحرم وبينهما الرواق المعقود على باب السور الشرقي، وهذا المسجد مرتفع على أثنتي عشرة سارية قائمة في وسطه، يعلوه قبة لطيفة وقد كتب على حائطه أن سنجر عمره من خالص ماله ولم ينفق عليه من مال الحرمين الشريفين شيئاً..ومما هو جدير بالذكر ان الاعداء بعد أن استولوا على الخليل في حزيران 1967م أخذوا يخططون على تحويل هذا الحرم الشريف الى معبد يهودي.
* الخليل (وادي):
من أهم روافد وادي بير السبع، ويطلق اسم وادي الخليل على وادي الإفرنج أيضاً. ويبلغ طول الوادي 44 كيلاً. ويبدأ مجراه من جنوبي مدينة الخليل وشمالي بلدة (يطة) وفي المرتفعات المحيطة بقرية السموع.
* الخليل:
قطاع الخليل لتميم الداري: ذكر القلقشندي في صبح الأعشي روايات عن إقطاع النبي (ص) تميماً الداري، الخليل وما حوله انقل منه ما يأتي: قال:
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق فيه طرقاً مختلفة. فروى بسنده الى زياد بن فائد، عن أبيه فائد، عن جده زياد بن أبي هند، عن أبي هند الداري أنه قال: قدمنا على رسول الله (ص) مكة ونحن ستة نفر: تميم بن أوس، ونعيم بن أوس أخوه، ويزيد بنقيس، وأبو هند بن عبد الله، وهو صاحب الحديث، وأخوه الطيب بن عبد الله وكان اسمه براً فسماه رسول الله (ص) عبد الرحمن، وفاكه بن النعمان، فاسلمنا وسألنا رسول الله (ص) أن يقطعنا ارضنا من أرض الشام، فقال رسول الله: (سلوا حيث شئتم). فقال تميم: أرى أن تسأله بيت المقدس وكورها. فقال أبو هند: (هذا محل ملك العجم) وكذلك يكون فيها ملك العرب وأخاف أن لا يتم لنا هذا، فقال تميم: فنسأله بيت جبرين وكورتها، فقال أبو هند: هذا أكبر وأكبر. فقال: فأين ترى أن نسأله؟ فقال: ارى أن نسأله القرى التي يقع فيها تل مع آثار إبراهيم. فقال تميم: أصبت ووفقت. قال: فقال رسول الله (ص) لتميم: (أتحب أن تخبرني بما كنتم فيه أو أخبرك؟) فقال تميم: بل تخبرنا يا رسول الله نزداد إيماناً. فقال رسول الله (ص): (أردتم أمراً فأراد هذا غيره) ونعم الرأي رأى. قال فدعا رسول الله (ص) بقطعة جلد من أدم، فكتب لنا فيها كتاباً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(هذا كتاب ذكر فيه ما وهب محمد رسول الله للداريين إذا أعطاه الله الأرض. وهب لهم بيت عينون وحبرون وبيت إبراهيم بمن فيهم لهم ابداً.
شهد عباس بن عبد المطلب، وجهم بن قيس، وشرحبيل بن حسنة، وكتب).
قال ثم دخل بالكتاب الى منزلة فعالج في زاوية الرقعة وغشاه بشيء لايعرف، وعقده من خارج الرقعة بسير عقدتين، وخرج إلينا به مطوياً وهو يقول: (إن اولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوا هو هذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) آل عمران 68. ثم قال: انصروا حتى تسمعوا بي قد هاجرت، قال أبو هند: فانصرفنا. فلما هاجر رسول الله الى المدين'ن قدمنا عليه فسألناه أن يجدد لنا كتاباً، فكتب لنا كتاباً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
هذا ما أنطى محمد رسول الله (ص) لتميم الداري واصحابه، إني انطيتكم (عينون وحبرون والمرطوم وبيت إبراهيم، برمتهم وجميع ما فيهم نطية بت، ونفذت وسلمت ذلك لهم ولأعقابهم من بعدهم ابد الأبد، فمن آذاهم فيها آذاه الله).
(شهد ابو بكر بن أبي قحافة، وعرم بن الخطاب، وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب).
فلما قبض رسول الله (ص) وولي أبو بكر، وجه الجنود الى الشام، فكتب لنا كتاباً نسخته:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(من أبي بكر الصديق الى عبيدة بن الجراح، سلام عليك فإني أحمد اليك الله الذي لا إله ألا هو.
أما بعد، أمنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الفساد. في قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها واراد الداريون أن يزرعوها فليزرعوها، فإذا رجع أهلها اليها فهي لهم وأحق بهم والسلام عليك).
وروى بسنده ايضاً الى الزهري وثور بن يزيد عن راشد بن سعد، قالا: قال تميم الداري وهو تميم بن أوس، رجل من لخم، فقال يا رسول الله، إن لي جيرة من الروم بفلسطين لهم قرية يقال لها حبرى. وأخرى يقال لها بيت عينون فإن فتح الله عليك الشام فهبهما لي قال: هما لك قال: فاكتب لي بذلك: فكتب له:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(هذا كتاب من محمد رسول الله (ص) لتميم بن أوس الداري، غن له قرية حبرى وبيت عينون قريتها كلها، سهلها وجبلها وماءها وحرتها وأنباطها وبقرها ولعقبه من بعده لا يحاقه فيها أحد، ولا يلجه عليهم أحد بظلم. فمن ظلمهم أو أخذ من أحد منهم شيئاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وكتب علَّي.
قال القلقشندي:
(هذه الرقعة التي كتب بها النبي (ص) موجودة بأيدي التميميين خدام حرم الخليل عليه السلام الى الآن، وكما نازعهم عليهم أحد اتوا بها الى السلطان بالديار المصرية ليقف عليها، ويكف عنهم من يظلمهم وقد أخبرني برؤيتها غير واحد، والأديم هي فيه قد خلق لطول الأمد).
وشاهدت أنا عند ورثة الصاحب الوزير فخر الدين أبي حفص عمر، بن القاضي المرحوم الرئيس مجد الدين عبد العزيز المعروف بابن الخليلي التميمي رحمه الله، كتاباًيتوارثونه كابراً عن كابر، يقولون: هو كتاب رسول الله 0ص) الذي كتبه لتميم الداري وإخوته، وهو في قطعة من أدم مربعة دون الشبر قد غلفت بالأطلس الأبيض، يزعمون أن ذلك من خف كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله علنه، وقد بقي بهذه القطعة الأدم آثار أحرف خافية، لا تكاد تبين إلا بعد إمعان التأمل، وتحقيق النظر، وعلى هذه القطعة الادم من الجلالة ولها من الموقع في النفوس والمهابة ما يقوي أنها صادرة عن المحل المنيف، وقرين هذه القطعة الأدم قرطاس أبيض قديم، يزعمون أن أسلافهم نقلوا ما فيه من الكتابة من كتاب رسول الله (ص)، قبل أن تزول حروفه. وفيه تسعة أسطر بما في ذلك من البسملة، وقد رأينا أن نضع ذلك في هذا الكتاب على هيئته في العدد، وإن لم يوافق الخط وهو: