أُعلن العاصمة السوريّة دمشق صباح اليوم الخميس (3/7) عن انطلاق الحملة الأهليّة لاحتفاليّة القدس عاصمة الثقافة العربيّة لعام 2009، خلال حفلٍ حاشد في فندق الشام، حضرته نحو 150 شخصية من المثقفين والأدباء والأكاديميين والإعلاميين والفنانين، إلى جانب شخصيات دينية إسلامية ومسيحية.
بدأ الحفل بعزف السلاميْن الوطنيّيْن السوريّ والفلسطينيّ، وقف بعدها الحضور دقيقة صمتٍ إكراماً للمفكّر العربيّ الراحل عبد الوهاب المسيري الذي وافته المنيّة صباح ذلك اليوم. وترأس الجلسة الافتتاحيّة الأستاذ عبد العزيز السيّد، الأمين العام للأحزاب العربيّة، وعن سبب اختيار مدينة دمشق مكاناً لإطلاق الحملة الأهليّة للاحتفاليّة، أشار السيّد في كلمته، إلى أنّ الاختيار جاء لأنّ دمشق عاصمة ثقافةٍ للأمّة منذ أن كانت الأمّة، وليس فقط لأنّها عاصمة للثقافة العربيّة، لعام 2008، وأضاف: "ولأنّها مقرّ رئاسة القمّة العربيّة التي كان عنوانها التضامن العربيّ، ولأنّها مثوى صلاح الدّين الأيوبيّ الذي لنا فيه قدوة سياسيّة وثقافيّة وفكريّة في سبيل استعادة القدس".
[img][/img]
الاحتفاليّة الحقيقيّة تبدأ بإعادة اللحمة والوحدة
الكلمة الأولى في الجلسة كانت للدكتور حسن خاطر مؤلف موسوعة القدس والمسج الأقصى والأمين العام للجمعية الإسلامية المسيحية للدفاعن عن القدس والمقدسات في رام الله، أشار فيها إلى أنّ مناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربيّة تُعدّ فرصة ذهبيّة لإعادة الاعتبار لهذه المدينة المقدّسة.
وأضاف أنّ الاحتفاليّة الحقيقيّة بهذه المناسبة العظيمة تبدأ بإعادة اللحمة الوحدة لأبناء القدس وبيت المقدس، مضيفاً أنّ القدس توحّد ولا تفرّق، وتجمع ولا تشتت.
وقال: "إنّ الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربيّة سيكون محفوفاً بالكثير من الصعاب والتحدّيات، فالقدس كلّها تحت الاحتلال، بل الاحتلال يعمل على إغراقها في أعمق دوّاماته، وبالتالي لن تستطيع القدس أن تستقبل أحداً من المحتفلين بها كعادة العواصم العربيّة".
ونبّه إلى أنّ الاحتلال يشنّ إلى جانب حربه الاستيطانيّة في المدينة المقدّسة، حرباً على تاريخ القدس وثقافتها وهويّتها، ما يجعل هذه الاحتفاليّة محطّة من محطّات التحدّي في العلاقة بالقدس والمقدّسات. مشيراً إلى أنّ الاحتلال اتّخذ قراراً بإفشال الاحتفاليّة، واستطرد بالقول: "إن تعاوننا وتوحيد جهود الداخل والخارج والمؤسسات الرسميّة والأهليّة هو فقط الضمانة الأكيدة لتفويت الفرصة على العدو المتربّص بالقدس قبل الاحتفاليّة وبعدها".
نحيّي كلّ مقاوم في القدس من أجل استرجاع الأرض والكرامة والشرف
من جهته، رحّب الأستاذ بشارة مرهج من لبنان، عضو مجلس أمناء مؤسسة القدس الدوليّة، بالوفود والشخصيات المشاركة بالاحتفال من أجل إطلاق احتفاليّة القدس عاصمة للثقافة العربيّة 2009، وخص بالذكر الوفد القادم من تركيا، الدولة التي لعبت دوراً هامّاً وأساسيّاً في احتضان ملتقى القدس الدوليّ الذي عُقد في مدينة اسطنبول في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007.
وقال إنّ القدس أمانة في أعناق الجميع، ليس على المستوى الثقافيّ فحسب، بل هي جزءٌ من برامجنا اليوميّة السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، كي تحيا القدس وتبقى قضيّة تتكامل يوماً بعد يوم مقابل الإجراءات الاستيطانيّة التي تعتدي على المدينة وتغيّر معالمها.
وأضاف: "نحن نتضامن مع كلّ مقاوم في القدس وفي فلسطين وعلى امتداد الأرض العربية من أجل استرجاع الأرض والكرامة والشرف"، محيّياً أهل القدس والمجاهدين في فلسطين وكل من يعمل من أجل فلسطين حرة.
اغتصاب التاريخ والرواية أفظع من اغتصاب الأرض
ثمّ تحدّث الدكتور وليد سيف، الأديب وكاتب السيناريو الفلسطينيّ القادم من الأردن، الذي اعتبر أنّ الاحتفاء بالقدس عاصمة الثقافة العربية "هو بالضرورة احتفاء بالمعاني والرموز الحية التي تحتشد في الوجدان العربي وتستعصي على الترجمة والمحو والإلغاء. هو احتفاء بالذاكرة التي صمدت لاختبار الزمن وما زالت ترفد حركة الحاضر وتحرس الهوية وتضمر المستقبل".
وقال: "لم يكن رهان الغاصب على قوة الدبابة في المدن البعيدة، فهذه رهينة المتغير، دائماً كان الرهان الاستراتيجي على اقتلاع الذاكرة وإطفاء الحل وتذويب الهوية وتقويض الروح وتحريف المعاني والرواية".
وأشار إلى أنّه ليس أفظع من اغتصاب الأرض إلا محاولات اغتصاب التاريخ والرواية، ولا أشد من التهجير القسري من الوطن إلا محاولات تهجير الوطن من الذاكرة والحلم، وليس أخطر من الصراع على الأرض إلا الصراع على المعاني والمفاهيم والرموز التي يتمثل بها العالم في وعينا.
وأكّد وليد سيف أنّ الاحتفاء بالقدس عاصمة الثقافة العربية مناسبة عظيمة تدعو الأدباء والمثقفين العرب إلى إحياء معجم المعاني التحريرية ومعها رواية الحق العربي الذي تنتظم فيه الرواية العربية الشاملة
[img][/img]
ما يصيب القدس يصيب كلّ البشريّة
كلمة الشخصيّات الدينيّة المسيحيّة كانت للمطران لوقا الخوري المعاون البطريركي للروم الأرثوذكس، الذي أعرب عن سعادته لانطلاق الحملة الأهليّة للاحتفاليّة من دمشق، مشيراً إلى أنّ المسيحيّة المشرقيّة ذات تاريخ ينطلق من فلسطين والقدس بالذات إلى أقاصي الأرض، "ولا أتصوّرها متنازلة في أيّ حال عن رباطها بالقدس الشريف".
وقال: "القدس قلب إنسانيّتنا، وما يصيبها يصيب كلّ البشريّة وعهدنا مع القدس عهدٌ طويل، هي مدينة الصلاة، ولنا بها صلاتٌ إيمانيّة أبديّة".
وتمنّى المطران الخوري على الجميع في كلّ الوطن العربيّ، وخاصّةً الميسورين منهم، إلى وضع كلّ إمكانيّاتهم وطاقاتهم في خدمة إنجاح الحملة الأهليّة لتبقى القدس في طابعها العربيّ المسيحيّ والإسلاميّ، ولتبقى مدينة السلام ومثلاً للتعايش بين الأديان والشعوب.
كلمة الإعلاميّين
ثمّ ألقى كلمة الإعلاميّين، الصحافيّ غسّان بن جدّو، الذي تمنّى أن لا تكون الاحتفاليّة العام القادم باسم القدس عاصمة الثقافة العربيّة، وإنّما القدس العربيّة عاصمة الثقافة، مشيراً إلى أنّ القدس "المدينة الوحيدة في عالمنا التي لا نستطيع أنْ نقول إنّها عاصمة للثقافة العربية، بل هي عاصمة للثقافة كلها العربية والتركية والإيرانية وكل الحضارات، عندما نتحدث عن قدس عاصمة للثقافة نتمنى أن نجد فيه التركي والإندونيسي والماليزي... عندما نتحدث عن القدس نتحدث عن الهوية والأديان".
وشدّد بن جدّو على ضرورة عدم تحزيب القدس، وضرورة عدم وجود أيّ طائفيّة أو مذهبية عند الحديث عنها، وقال: "أتمنى عندما نتحدث عن القدس أنْ لا تحضر هذه الفتنة، القدس قيمة كبيرة ينبغي أن نحترمها بنوعية خاصة من المثقفين والمفكرين".
ونوّه إلى أنّ الاحتفاليّة فرصة للإعلام العربي وللإعلاميين العرب على الأقل أن يتفقوا في هذه النقطة، ويجعلوا هذا العام عام الحديث عن القدس.
كلمة الفنانين
كما ألقى الفنان السوري زهير عبد الكريم - نيابة عن الفنان المصري محمد صبحي الذي اعتذر لوعكة صحية ألمّت به - ، كلمةً باسم الفنّانين العرب، اعتذر فيها عن غياب الفنانين، معرباً عن صدمته لغيابهم عن احتفالية كبيرة مثل هذه.
وأضاف: "أنا هنا بين أساتذتي وأدبائي وكتابي الكبار، ولا يسعني قول الكثير: القدس عاصمة للثقافة أمر عظيم وكبير، ولكن الجرافة البارحة كانت أمراً جللاً، ورواية كبيرة، وكانت قصيدة. وهي ستدخل التاريخ لأنها أهم وأعظم من كل الطائرات والدبابات والسيارات والتقنيات".
مطالبةٌ بتفعيل الأبحاث والدراسات من أجل القدس
وكانت هناك كلمة لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، إحدى المؤسسات الراعية للحملة الأهليّة، ألقاها مدير عام المركز د. محسن صالح، الذي تحدّث عن نموذجيْن في حكم القدس على مرّ الستّة آلاف سنة الماضية، الأول يمثّل عقلية الجامعة؛ وهي عقلية تؤمن بالتعدّد والتعايش والسلام في ظل العدل، وفي مقابلها عقلية مانعة؛ تحكم ولكنها تنفي الآخر، تحكم بانعزالٍ وانفراد، وهي مستعدّة للبطش في سبيل السيطرة، وهو ما يؤدّي إلى الفساد والفتن والحروب.
وأوضح أنّ الحضارة العربية والإسلامية مثّلت العقلية الجامعة التي وسِعَت الجميع، أمّا العقلية المانعة فهي عقلية المشروع الصهيوني، التي تلغي الآخر ولا تؤمن بالتعدد والتعايش.
وقال: "إنّ العقلية الصهيونية تنشط وتعمل ليل نهار لإثبات باطلها. لا ينشطون فقط في الكيان الصهيوني وإنما ينشطون أيضاً في العالم الغربي، حيث يعملون ليل نهار في الجامعات ومراكز الأبحاث، يموّلون الأبحاث، ويدفعون الملايين، حتى أصبحت المكتبات الغربية زاخرة بمراجعهم وكتبهم وباطلهم. وهذا يلقي على الأكاديميين والمثقفين مسؤوليات كبيرة، ولكن لا بد أنْ نعترف بأنّ معاناتنا كبيرة، لأنّ ما يصرف في عالمنا العربي على الأبحاث والدراسات ضئيلٌ جداًَ".
وطالب الأنظمة العربيّة بتوفير بيئات تضمن الحرية والإبداع لأصحاب الأقلام، وأن تعود العقول المهاجرة ليتوقف نزيف الأدمغة، ولتجاوز تلك الثقافات التي تقول إنّ قدم اللاعب مكرّم أكثر من عقل الباحث والكاتب، مضيفاً: "نريد أنْ يكون لنا باحثون ومؤسسات وأنْ تكون أبحاثنا أصيلة جادة وموثّقة تدخل في العمق وتدافع عن حقّنا في أرضنا".
وشدّد على ضرورة التركيز على الأبحاث والدراسات وتكثيف الجهود للاستفادة من الطاقات الهائلة للكتابة حول القدس، وتوجيه طلبة الدراسات العليا للكتابة حول القدس، داعياً إلى أن تكون هناك مقرّرات دراسية في الجامعات حول القدس ولجنة مسؤولة تسمّى "أكاديميون" أو "علماء من أجل القدس"، وإنشاء موقعٍ على الإنترنت لتداول الأبحاث حول القدس.
وفي الجلسة الثانية لحفل الافتتاح عرض الدكتور أسامة الأشقر المدير العام لمؤسسة فلسطين للثقافة فكرة الاحتفالية الأهلية وكيف ابتدأ التفكير بها وأهم فضاءاتها وطريقة إدارتها والمؤسسات التي دعمت هذا الحفل الضخم .
ثم جرت مداولات اختيار الهيئات الإدارية للاحتفالية في جلسة رأسها الأستاذ جواد الحمد المدير العام لمركز الشرق الأوسط للدراسات والاستشارات .
بعدها انتقل المجتمعون إلى مجمع الشيخ أحم كفتارو الذي استضاف الورش التنفيذية للاحتفالية عبر فضاءات ثلاثة : الورشة الإعلامية والورشة الفنية الأدبية والورشة الأكاديمية ثم تم الإعلان عن اختتام فعايلات الاحتفال بالبيان الختامي الذي ألقاه الأب انطوان ضو .
بدأ الحفل بعزف السلاميْن الوطنيّيْن السوريّ والفلسطينيّ، وقف بعدها الحضور دقيقة صمتٍ إكراماً للمفكّر العربيّ الراحل عبد الوهاب المسيري الذي وافته المنيّة صباح ذلك اليوم. وترأس الجلسة الافتتاحيّة الأستاذ عبد العزيز السيّد، الأمين العام للأحزاب العربيّة، وعن سبب اختيار مدينة دمشق مكاناً لإطلاق الحملة الأهليّة للاحتفاليّة، أشار السيّد في كلمته، إلى أنّ الاختيار جاء لأنّ دمشق عاصمة ثقافةٍ للأمّة منذ أن كانت الأمّة، وليس فقط لأنّها عاصمة للثقافة العربيّة، لعام 2008، وأضاف: "ولأنّها مقرّ رئاسة القمّة العربيّة التي كان عنوانها التضامن العربيّ، ولأنّها مثوى صلاح الدّين الأيوبيّ الذي لنا فيه قدوة سياسيّة وثقافيّة وفكريّة في سبيل استعادة القدس".
[img][/img]
الاحتفاليّة الحقيقيّة تبدأ بإعادة اللحمة والوحدة
الكلمة الأولى في الجلسة كانت للدكتور حسن خاطر مؤلف موسوعة القدس والمسج الأقصى والأمين العام للجمعية الإسلامية المسيحية للدفاعن عن القدس والمقدسات في رام الله، أشار فيها إلى أنّ مناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربيّة تُعدّ فرصة ذهبيّة لإعادة الاعتبار لهذه المدينة المقدّسة.
وأضاف أنّ الاحتفاليّة الحقيقيّة بهذه المناسبة العظيمة تبدأ بإعادة اللحمة الوحدة لأبناء القدس وبيت المقدس، مضيفاً أنّ القدس توحّد ولا تفرّق، وتجمع ولا تشتت.
وقال: "إنّ الاحتفال بالقدس عاصمة للثقافة العربيّة سيكون محفوفاً بالكثير من الصعاب والتحدّيات، فالقدس كلّها تحت الاحتلال، بل الاحتلال يعمل على إغراقها في أعمق دوّاماته، وبالتالي لن تستطيع القدس أن تستقبل أحداً من المحتفلين بها كعادة العواصم العربيّة".
ونبّه إلى أنّ الاحتلال يشنّ إلى جانب حربه الاستيطانيّة في المدينة المقدّسة، حرباً على تاريخ القدس وثقافتها وهويّتها، ما يجعل هذه الاحتفاليّة محطّة من محطّات التحدّي في العلاقة بالقدس والمقدّسات. مشيراً إلى أنّ الاحتلال اتّخذ قراراً بإفشال الاحتفاليّة، واستطرد بالقول: "إن تعاوننا وتوحيد جهود الداخل والخارج والمؤسسات الرسميّة والأهليّة هو فقط الضمانة الأكيدة لتفويت الفرصة على العدو المتربّص بالقدس قبل الاحتفاليّة وبعدها".
نحيّي كلّ مقاوم في القدس من أجل استرجاع الأرض والكرامة والشرف
من جهته، رحّب الأستاذ بشارة مرهج من لبنان، عضو مجلس أمناء مؤسسة القدس الدوليّة، بالوفود والشخصيات المشاركة بالاحتفال من أجل إطلاق احتفاليّة القدس عاصمة للثقافة العربيّة 2009، وخص بالذكر الوفد القادم من تركيا، الدولة التي لعبت دوراً هامّاً وأساسيّاً في احتضان ملتقى القدس الدوليّ الذي عُقد في مدينة اسطنبول في تشرين الثاني/ نوفمبر 2007.
وقال إنّ القدس أمانة في أعناق الجميع، ليس على المستوى الثقافيّ فحسب، بل هي جزءٌ من برامجنا اليوميّة السياسيّة والثقافيّة والاقتصاديّة، كي تحيا القدس وتبقى قضيّة تتكامل يوماً بعد يوم مقابل الإجراءات الاستيطانيّة التي تعتدي على المدينة وتغيّر معالمها.
وأضاف: "نحن نتضامن مع كلّ مقاوم في القدس وفي فلسطين وعلى امتداد الأرض العربية من أجل استرجاع الأرض والكرامة والشرف"، محيّياً أهل القدس والمجاهدين في فلسطين وكل من يعمل من أجل فلسطين حرة.
اغتصاب التاريخ والرواية أفظع من اغتصاب الأرض
ثمّ تحدّث الدكتور وليد سيف، الأديب وكاتب السيناريو الفلسطينيّ القادم من الأردن، الذي اعتبر أنّ الاحتفاء بالقدس عاصمة الثقافة العربية "هو بالضرورة احتفاء بالمعاني والرموز الحية التي تحتشد في الوجدان العربي وتستعصي على الترجمة والمحو والإلغاء. هو احتفاء بالذاكرة التي صمدت لاختبار الزمن وما زالت ترفد حركة الحاضر وتحرس الهوية وتضمر المستقبل".
وقال: "لم يكن رهان الغاصب على قوة الدبابة في المدن البعيدة، فهذه رهينة المتغير، دائماً كان الرهان الاستراتيجي على اقتلاع الذاكرة وإطفاء الحل وتذويب الهوية وتقويض الروح وتحريف المعاني والرواية".
وأشار إلى أنّه ليس أفظع من اغتصاب الأرض إلا محاولات اغتصاب التاريخ والرواية، ولا أشد من التهجير القسري من الوطن إلا محاولات تهجير الوطن من الذاكرة والحلم، وليس أخطر من الصراع على الأرض إلا الصراع على المعاني والمفاهيم والرموز التي يتمثل بها العالم في وعينا.
وأكّد وليد سيف أنّ الاحتفاء بالقدس عاصمة الثقافة العربية مناسبة عظيمة تدعو الأدباء والمثقفين العرب إلى إحياء معجم المعاني التحريرية ومعها رواية الحق العربي الذي تنتظم فيه الرواية العربية الشاملة
[img][/img]
ما يصيب القدس يصيب كلّ البشريّة
كلمة الشخصيّات الدينيّة المسيحيّة كانت للمطران لوقا الخوري المعاون البطريركي للروم الأرثوذكس، الذي أعرب عن سعادته لانطلاق الحملة الأهليّة للاحتفاليّة من دمشق، مشيراً إلى أنّ المسيحيّة المشرقيّة ذات تاريخ ينطلق من فلسطين والقدس بالذات إلى أقاصي الأرض، "ولا أتصوّرها متنازلة في أيّ حال عن رباطها بالقدس الشريف".
وقال: "القدس قلب إنسانيّتنا، وما يصيبها يصيب كلّ البشريّة وعهدنا مع القدس عهدٌ طويل، هي مدينة الصلاة، ولنا بها صلاتٌ إيمانيّة أبديّة".
وتمنّى المطران الخوري على الجميع في كلّ الوطن العربيّ، وخاصّةً الميسورين منهم، إلى وضع كلّ إمكانيّاتهم وطاقاتهم في خدمة إنجاح الحملة الأهليّة لتبقى القدس في طابعها العربيّ المسيحيّ والإسلاميّ، ولتبقى مدينة السلام ومثلاً للتعايش بين الأديان والشعوب.
كلمة الإعلاميّين
ثمّ ألقى كلمة الإعلاميّين، الصحافيّ غسّان بن جدّو، الذي تمنّى أن لا تكون الاحتفاليّة العام القادم باسم القدس عاصمة الثقافة العربيّة، وإنّما القدس العربيّة عاصمة الثقافة، مشيراً إلى أنّ القدس "المدينة الوحيدة في عالمنا التي لا نستطيع أنْ نقول إنّها عاصمة للثقافة العربية، بل هي عاصمة للثقافة كلها العربية والتركية والإيرانية وكل الحضارات، عندما نتحدث عن قدس عاصمة للثقافة نتمنى أن نجد فيه التركي والإندونيسي والماليزي... عندما نتحدث عن القدس نتحدث عن الهوية والأديان".
وشدّد بن جدّو على ضرورة عدم تحزيب القدس، وضرورة عدم وجود أيّ طائفيّة أو مذهبية عند الحديث عنها، وقال: "أتمنى عندما نتحدث عن القدس أنْ لا تحضر هذه الفتنة، القدس قيمة كبيرة ينبغي أن نحترمها بنوعية خاصة من المثقفين والمفكرين".
ونوّه إلى أنّ الاحتفاليّة فرصة للإعلام العربي وللإعلاميين العرب على الأقل أن يتفقوا في هذه النقطة، ويجعلوا هذا العام عام الحديث عن القدس.
كلمة الفنانين
كما ألقى الفنان السوري زهير عبد الكريم - نيابة عن الفنان المصري محمد صبحي الذي اعتذر لوعكة صحية ألمّت به - ، كلمةً باسم الفنّانين العرب، اعتذر فيها عن غياب الفنانين، معرباً عن صدمته لغيابهم عن احتفالية كبيرة مثل هذه.
وأضاف: "أنا هنا بين أساتذتي وأدبائي وكتابي الكبار، ولا يسعني قول الكثير: القدس عاصمة للثقافة أمر عظيم وكبير، ولكن الجرافة البارحة كانت أمراً جللاً، ورواية كبيرة، وكانت قصيدة. وهي ستدخل التاريخ لأنها أهم وأعظم من كل الطائرات والدبابات والسيارات والتقنيات".
مطالبةٌ بتفعيل الأبحاث والدراسات من أجل القدس
وكانت هناك كلمة لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، إحدى المؤسسات الراعية للحملة الأهليّة، ألقاها مدير عام المركز د. محسن صالح، الذي تحدّث عن نموذجيْن في حكم القدس على مرّ الستّة آلاف سنة الماضية، الأول يمثّل عقلية الجامعة؛ وهي عقلية تؤمن بالتعدّد والتعايش والسلام في ظل العدل، وفي مقابلها عقلية مانعة؛ تحكم ولكنها تنفي الآخر، تحكم بانعزالٍ وانفراد، وهي مستعدّة للبطش في سبيل السيطرة، وهو ما يؤدّي إلى الفساد والفتن والحروب.
وأوضح أنّ الحضارة العربية والإسلامية مثّلت العقلية الجامعة التي وسِعَت الجميع، أمّا العقلية المانعة فهي عقلية المشروع الصهيوني، التي تلغي الآخر ولا تؤمن بالتعدد والتعايش.
وقال: "إنّ العقلية الصهيونية تنشط وتعمل ليل نهار لإثبات باطلها. لا ينشطون فقط في الكيان الصهيوني وإنما ينشطون أيضاً في العالم الغربي، حيث يعملون ليل نهار في الجامعات ومراكز الأبحاث، يموّلون الأبحاث، ويدفعون الملايين، حتى أصبحت المكتبات الغربية زاخرة بمراجعهم وكتبهم وباطلهم. وهذا يلقي على الأكاديميين والمثقفين مسؤوليات كبيرة، ولكن لا بد أنْ نعترف بأنّ معاناتنا كبيرة، لأنّ ما يصرف في عالمنا العربي على الأبحاث والدراسات ضئيلٌ جداًَ".
وطالب الأنظمة العربيّة بتوفير بيئات تضمن الحرية والإبداع لأصحاب الأقلام، وأن تعود العقول المهاجرة ليتوقف نزيف الأدمغة، ولتجاوز تلك الثقافات التي تقول إنّ قدم اللاعب مكرّم أكثر من عقل الباحث والكاتب، مضيفاً: "نريد أنْ يكون لنا باحثون ومؤسسات وأنْ تكون أبحاثنا أصيلة جادة وموثّقة تدخل في العمق وتدافع عن حقّنا في أرضنا".
وشدّد على ضرورة التركيز على الأبحاث والدراسات وتكثيف الجهود للاستفادة من الطاقات الهائلة للكتابة حول القدس، وتوجيه طلبة الدراسات العليا للكتابة حول القدس، داعياً إلى أن تكون هناك مقرّرات دراسية في الجامعات حول القدس ولجنة مسؤولة تسمّى "أكاديميون" أو "علماء من أجل القدس"، وإنشاء موقعٍ على الإنترنت لتداول الأبحاث حول القدس.
وفي الجلسة الثانية لحفل الافتتاح عرض الدكتور أسامة الأشقر المدير العام لمؤسسة فلسطين للثقافة فكرة الاحتفالية الأهلية وكيف ابتدأ التفكير بها وأهم فضاءاتها وطريقة إدارتها والمؤسسات التي دعمت هذا الحفل الضخم .
ثم جرت مداولات اختيار الهيئات الإدارية للاحتفالية في جلسة رأسها الأستاذ جواد الحمد المدير العام لمركز الشرق الأوسط للدراسات والاستشارات .
بعدها انتقل المجتمعون إلى مجمع الشيخ أحم كفتارو الذي استضاف الورش التنفيذية للاحتفالية عبر فضاءات ثلاثة : الورشة الإعلامية والورشة الفنية الأدبية والورشة الأكاديمية ثم تم الإعلان عن اختتام فعايلات الاحتفال بالبيان الختامي الذي ألقاه الأب انطوان ضو .