من طرف زائر 2008-03-15, 11:00 pm
الجدار الفاصل في الفكر الصهيوني
إن فكرة الجدار محفورة ومعششة عميقًا داخل الفكر الصهيوني، وهي ترافق هذا الفكر منذ نشأة الصهيونية. وقد كتب ثيودور هرتسل في كتابه 'دولة اليهود' الذي كان حجر الأساس للصهيونية المعاصرة أن دولة اليهود في فلسطين ستشكل 'جزءًا من السور الأوروبي أمام آسيا ـ وهي نقطة انطلاق للحضارة ضد البربرية'. وبعد أكثر من مائة عام يجسد جدار شارون هذه الرؤيا تجسيدًا كاملاً؛ وما كلمة 'الجيتو' إلا تطبيق عملي لفكرة العزل فـ'الجيتو' أو 'حارة اليهود' في مجتمعنا العربي هي المكان الذي اختاره اليهودي لعزل نفسه عن محيطه، وهي عقدة لا تزال تسيطر عل اليهودي أيما حل، حتى بعد إقامة كيانه المغتصب فوق أرض فلسطين.
ولأن هاجس العزلة والبعد عن الآخر أكثر ما يميز اليهودي على مر التاريخ؛ فقد جاءت فكرة السور الواقي أو الجدار الواقي.
ـ بداية فكرة الجدار:
الفكرة قديمة:
إن فكرة جدار الفصل وبنائه قديمة حديثة، وليست وليدة اليوم كما تدعي القيادات الإسرائيلية، فترجع فكرة بناء جدار فاصل على عام 1937م حين طلب من تشارلز بتهارت، الخبير البريطاني لشؤون الإرهاب، بوضع خطة لإقامة جدار على طول محاور الطرق الرئيسية من الحدود اللبنانية في الشمال وحتى بئر السبع، وقام الخبير البريطاني بتهارت برسم المرحلة الأولى من عملية إقامة الجدار حسب الحاجات الاستراتيجية العاجلة، وهو جدار من أربع طبقات وبارتفاع مترين يتم بناؤه على طول 80 كم من طبريا في الشمال الشرقي وحتى رأس الناقورة في الشمال الغربي بالقرب من محاور الطرق المركزية، وكانت تكلفة المشروع آنذاك 60 مليون دولار، وأوكلت بريطانيا إلى شركة 'سوليل بونيه' مهمة بنائه؛ ولمجموعات 'الهاجانا' لحراسته. وقد تم هدم الجدار من قِبَل سكان القرى العرب على جانبي الجدار.
تجديد الفكرة حديثًا:
ومع استمرار الانتفاضة الأولى وتصاعدها وتحولها إلى الطابع العسكري، وبعد أن أصبحت الانتفاضة عبئًا كبيرًا على المؤسسة العسكرية والأمنية، بدأت أول خطوات للفصل بين سكان الضفة ومناطق الـ48عبر المباشرة بإصدار تصاريح خاصة لكل فلسطيني يريد الدخول للعمل أو ما شابهه؛ وذلك بعد تصاعد أعمال المقاومة الفلسطينية. وعليه فإن فكرة إصدار التصاريح تعتبر الفكرة الأولى في طريق ما سمي التطبيق الفعلي والعملي لفكرة الفصل، إلا أن هذا الإجراء لم يفد، فابتعدت المؤسسة العسكرية فكرة الإغلاق على المناطق الفلسطينية إلى جانب ما يعرف بنظام من التجول 1948م، وبعد ذلك اقترح رابين إنشاء ما يسمى بالجدار الأمني العازل، وكانت البدايات الحقيقية في إقامة سياج أمني حول قطاع غزة من الناحية الشمالية والشرقية على امتداد الأراضي المحتلة عام 1967م، أو ما يعرف بالخط الأخضر فيما يزيد عن 55كم، وحول محيط المستوطنات في قطاع غزة وخاصة المنعزلة منها، وكان الجدار سياجًا بسيطًا وهو عبارة عن أسلاك مكهربة شائكة بارتفاع مترين، وله عدة بوابات ترتبط مع قطاع غزة لاستخدامها في ملاحقة رجال المقاومة.
وبعد البدء بتطبيق اتفاقيات أوسلو أصبح هذا الجدار نموذجًا للفصل الأمني، وكأنه تجسيد للحدود النهائية لقطاع غزة. واستقرت الأمور على هذا الحال حتى هبة الأقصى التي تحولت إلى انتفاضة منظمة، وتحولت من صورتها الشعبية إلى المقاومة العسكرية الشرسة، وخاصة بعد أن ظهرت العمليات الاستشهادية بشكل كبير.
في عام 2001م، تقدم وزير الحرب الصهيوني السابق بنيامين بن أليعزر بخطة لبناء جدار الفصل بين الضفة الغربية وإسرائيل، وفي نيسان/ أبريل 2002م طالبت لجنة التوجيه الحكومية الإسرائيلية بسرعة إنشاء الجدار الفاصل في الضفة الغربية، وقد صودق بداية على إقامة جدار بطول 100كم حتى منطقة طولكرم، ثم جاء الأمر العسكري رقم ت/8/2002و ت/9/2002 الصادر في شهر مايو/ أيار عام 2002 م وقضى بإقامة جدار طوله 10كم.
وفي 23/6/2002م قررت الحكومة الإسرائيلية إنشاء جدار عازل بطول الضفة الغربية يفصل بين الأراضي المحتلة في الضفة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، ويبلغ طول الجدار العازل 350 كم.
ـ طبيعة الجدار وتكلفته:
يمكن الاستنتاج من خلال تصريحات القادة الصهاينة أن الجدار عبارة عن ثلاثة جدر، وهي:
1ـ الجدار الغربي.
2ـ الجدار الشرقي.
3ـ جدار رفح.
أقسام الجدار الغربي:
تخطط سلطات الاحتلال لينقسم الجدار الغربي إلى ثلاثة أقسام: القسم الشمالي، القسم الخاص بالقدس، القسم الجنوبي. ويهدف الجدار الغربي الذي أعلنت عنه الحكومة الإسرائيلية لتطويق الضفة الغربية، ويمتد على 360كم؛ حيث يمتد من قرية سالم غربي جنين إلى أقصى جنوب محافظة الخليل والذي بدأ العمل فيه، في حين سيمتد الجدار الشرقي على طول الضفة الغربية من أقصى الشمال عند جنين إلى أقصى الجنوب عند محافظة الخليل وبطول يصل على حوالي 300كم، وبعرض ما بين 5ـ 15كم، كما أن جدارًا ثالثًا يتم بناؤه على طول الحدود مع جمهورية مصر العربية وقطاع غزة، ويصل طول هذا الجدار حوالي 12 كم وبعرض ما بين 2ـ3 كم، وتعمل الجدر في الضفة الغربية على تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاثة أقسام، وهي:
1ـ منطقة أمنية شرقية على طول الغور بمساحة 1237 كيلوا مترًا مربعًا أي ما يعادل 21,9% من مساحة الأراضي الفلسطينية وتضم هذه المساحة 40 مستعمرة إسرائيلية.
2ـ منطقة أمنية غربية بمساحة 1328 كيلو مترًا مربعًا، أي ما يعادل 23,4% م مساحة الأراضي الفلسطينية. وهذا يعني أن كلتا المنطقتين ستضمان 45,3% من مساحة الأراضي الفلسطينية.
3ـ المنطقة الثالثة والتي تبلغ 54,7% من الأراضي الفلسطينية والتي تضم المدن الفلسطينية الكبرى ستقسم إلى 8 مناطق و 64 معزلاً فلسطينيًا.
في حين أن جدار رفح تسبب في تدمير أكثر من 1000 منزل، وسيعمل على إحكام السيطرة على منطقة الحدود مع مصر، ويمنع الأقارب من رؤية بعضهم بعضًا أو التواصل فيما بينهم.
ـ تكلفة الجدار:
يتضح من معطيات قدمها نائب رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي، اللواء 'غابي أشكنازي'، في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أن مجمل تكاليف بناء الجدار الفاصل ستصل إلى 8,5 مليار شيكل، حيث تم صرف مبلغ 1,27مليار شيكل حتى الآن في إطار المشروع، كما سيتم رصد مبلغ 600 مليون شيكل العام القادم.
وأضاف اللواء أشكنازي أن مقطعًا طوله 146 كيلو مترًا '130 كيلوا مترًا من سالم حتى إلكناه، 6 كيلو مترات بين باقة الشرقية وباقة الغربية، و10 كيلوا مترات في شارع 'حاضن القدس' قد بدأ بالعمل. ووفقًا لما قاله نائب رئيس الأركان الإسرائيلي، فسيتم الانتهاء من بناء 40 كيلو مترًا إضافيًا من 'الغلبواع' على باقة حتى شهر شباط/ فبراير 2004م. وستنتهي أعمال البناء في 'حاضن القدس' حتى نهاية عام 2004م، كما سيتم بناء 200 كيلو مترًا حتى مستوطنة 'كرميل' الواقعة جنوب جبل الخليل.
وتعهد أشكنازي بالانتهاء من بناء الجار الفاصل حتى نهاية عام 2005م، موضحًا أنه من المقرر أن يبلغ إجمالي طول الجدار 728 كيلو مترًا من غور الأردن حتى جنوب جبل الخليل، منها 106 كيلو مترات تشمل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.