"حق العودة لا يقبل التصرف...أما بالمعنى الاستراتيجي فنريد أن تقوم دولة فلسطين الديمقراطية
التي تتضمن حقوقا متساوية للجميع..." جورج حبش [1]
شيع اليوم في عمان عاصمة الأردن جنازة مناضل فلسطيني كبير كثيرا ما تداولت اسمه وسائل الإعلام والجرائد والمجلات باعتباره أحد مفجري الكفاح المسلح ضد الاغتصاب الإسرائيلي لأرض فلسطين منذ نكبة 1948 أو بعد نكسة 1967 هذا المناضل هو جورج حبش.
حكيم الثورة كما يطلق عليه رفاقه وأصدقاء القضية رجل استثنائي بكل المقاييس فهو مناضل تاريخي وقائد ميداني عاش بسيطا متقشفا وظل قريبا من مؤيديه ورجاله وعزف منذ البداية عن حياة الرفاهة والبرجوازية التي أصابت بقية الفصائل نتيجة تدفق الأموال العربية عليها وكان غني الروح ويتدفق نشاطا وحيوية بل انه حمل وزر الهموم الفلسطينية لعقود وآمن بالمبادئ الوطنية واستبسل في الدفاع عن الثوابت القومية واستعمل جميع الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح والدعاية الإعلامية لجلب أنظار العالم منذ السبعينات الى عدالة هذه القضية واحترم أثناء ذلك الخصوصيات الحضارية للشعب العربي المسلم في فلسطين.
والحق أن المرحوم يحظى باحترام كبير في الشارع العربي وبتعاطف جميع محبي الخير والعدل ومناصري القضايا الانسانية في العالم لكونه أسس حركة تحرر وطني سماها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن تربى في حضن اليسار الماركسي وساهم في نشر أفكار القوميين العرب على الأرض
العربية في فلسطين ولكنه لم يصطدم بالعقيدة الإسلامية كما فعل بقية العلمانيين بل كانت علمانيته جزئية مؤمنة على الرغم من انحداره من أصل مسيحي لذلك اعتبر الإسلام جزء من الثقافة الوطنية وأحد العوامل الحضارية التي تساعد على استعادة القدس من العدو الصهيوني ونادي بأن يكون العاصمة التاريخية للدولة الفلسطينية المنتظرة وركز على البعد الروحي القداسي لهذه المدينة الجليلة.ولذلك فان الشعبية بادرت الى التحالف مع الفصائل التي لها مرجعية إسلامية ودعمتها في المقاومة وفي المسار الديمقراطي التي سلكته فيما بعد ورفضت الدخول في حكومة حماس وعارضت سياسة الاستفراد والانقلاب على الشرعية حتى لو كان ذلك من أجل مقاومة الفساد والبيروقراطية.
في الواقع يعتبر حبش من الجيل المؤسس على الساحة السياسية العربية فهو قد عاصر كباب الزعامات اليسارية والقومية وأسس حركة القوميين العرب ومنظمة التحرير وشارك في المجلس الوطني الفلسطيني وأعلن من نزل الصنوبر بالجزائر مع قيادات منظمة التحرير عن قيام الدولة الفلسطينية ولكنه قاوم مسار السلام وندد مفاوضات مدريد وأوسلو وعارض كل مشاريع الانبطاح والتطبيع وقد شاركت حركته الجبهة الشعبية مع بقية القوى الوطنية والإسلامية في الداخل الفلسطيني في الانتفاضة الأولى والثانية وآمنت بالعمل الجبهوي المشترك دون إقصاء أو تمييز على أساس إيديولوجي ونادت بتوحيد جميع القوى والمنظمات تحت راية المقاومة والصمود وقد قدمت العديد من الشهداء وعلى رأسهم أبو علي مصطفى كما لايزال أحمد سعدات رهن الاعتقال الإسرائيلي بعدما تم اختطافه من سجن فلسطيني في رام الله.
إن الفكرة التي آمن بها الحكيم هي ضرورة اصطفاف كل المناضلين الوطنيين واليساريين والقوميين والإسلاميين في جبهة واحدة على يسار الصهيونية والامبريالية وان الالتزام بهذه الفكرة وترجمتها على الصعيد العملي السياسي هو طريق الأمان للنجاة من لهب هذه العولمة الاختراقية الاستيطانية.
إن الوحدة الوطنية بين كل التنويعات والحساسيات هي وحدها التي تكفل التمسك بحق العودة بالنسبة لفلسطيني الخارج وبالدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض المغتصبة وعاصمتها القدس.
جورج حبش توفي عن عمر يناهز الثمانين بعد أن ولد في مدينة اللد المحتلة منذ 1928 وقد مثل مدرسة في الثورية والأخلاق الثورية وعلم الناس كيف يكونوا ديمقراطيين وأكد لهم أن المواقع والمناصب غير مهمة في الفعل السياسي وقد قالت المناضلة ليلى خالد عند تأبينه:"أن الحكيم مثل مدرسة وجامعة لنا جميعا من أجل التمسك بحق العودة...لقد لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يحلم بالعودة الى أرض فلسطين" وكانت الأنباء التي تأتيه في آخر حياته عن الحصار في عزة والاجتياحات في الضفة وعن الانقسام والصراع الفلسطيني الفلسطيني تقلقه وتزعجه كثيرا لأنه كان من أشد المتحمسين للوحدة والاعتصام والتكاتف وكان يرى أن الهدف واحد وبالتالي لابد أن تكون الوسيلة واحدة وفي متناول الجميع ويشارك فيها الجميع وهي تحرير فلسطين وبالتالي لا ينبغي أن يحتكر أي فصيل المشروعية النضالية لنفسه مهما كان حجمه في الساحة ومهما كان حجم الآخرين.
رحل من كان ينادي بزوال الحدود دون أن تزول الحدود التي وضعها الاستعمار ومازالت تقطع أوصال الأمة العربية.رحل نصير الفقراء والمظلومين والمستضعفين دون أن يزول الظلم ودون أن تنهزم قوى رأس المال والاحتكار والاستكبار فهل تقدر التعاليم التي بشر بها والتزم بها كامل حياته على استكمال مشروع التحرير والوحدة والتغيير والتنمية والتقدم؟
رحم الله الرجل الذي جعلنا نحب الماركسية والقومية في ذلك الوقت دون أن نكره إسلامنا ووطننا، لقد انطفئ بكل أسف نجما ظل نوره يضيء لنا الطريق لعقود فمن بعده له القدرة على إضاءة الطريق للأجيال القادمة حتى لا تتيه عن قبلتها وتفقد البوصلة؟
[1] مقابلة مع جورج حبش عام 2006 أجراها وديع عواودة نشرت في جريدة الخليج الإماراتية
التي تتضمن حقوقا متساوية للجميع..." جورج حبش [1]
شيع اليوم في عمان عاصمة الأردن جنازة مناضل فلسطيني كبير كثيرا ما تداولت اسمه وسائل الإعلام والجرائد والمجلات باعتباره أحد مفجري الكفاح المسلح ضد الاغتصاب الإسرائيلي لأرض فلسطين منذ نكبة 1948 أو بعد نكسة 1967 هذا المناضل هو جورج حبش.
حكيم الثورة كما يطلق عليه رفاقه وأصدقاء القضية رجل استثنائي بكل المقاييس فهو مناضل تاريخي وقائد ميداني عاش بسيطا متقشفا وظل قريبا من مؤيديه ورجاله وعزف منذ البداية عن حياة الرفاهة والبرجوازية التي أصابت بقية الفصائل نتيجة تدفق الأموال العربية عليها وكان غني الروح ويتدفق نشاطا وحيوية بل انه حمل وزر الهموم الفلسطينية لعقود وآمن بالمبادئ الوطنية واستبسل في الدفاع عن الثوابت القومية واستعمل جميع الوسائل بما في ذلك الكفاح المسلح والدعاية الإعلامية لجلب أنظار العالم منذ السبعينات الى عدالة هذه القضية واحترم أثناء ذلك الخصوصيات الحضارية للشعب العربي المسلم في فلسطين.
والحق أن المرحوم يحظى باحترام كبير في الشارع العربي وبتعاطف جميع محبي الخير والعدل ومناصري القضايا الانسانية في العالم لكونه أسس حركة تحرر وطني سماها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بعد أن تربى في حضن اليسار الماركسي وساهم في نشر أفكار القوميين العرب على الأرض
العربية في فلسطين ولكنه لم يصطدم بالعقيدة الإسلامية كما فعل بقية العلمانيين بل كانت علمانيته جزئية مؤمنة على الرغم من انحداره من أصل مسيحي لذلك اعتبر الإسلام جزء من الثقافة الوطنية وأحد العوامل الحضارية التي تساعد على استعادة القدس من العدو الصهيوني ونادي بأن يكون العاصمة التاريخية للدولة الفلسطينية المنتظرة وركز على البعد الروحي القداسي لهذه المدينة الجليلة.ولذلك فان الشعبية بادرت الى التحالف مع الفصائل التي لها مرجعية إسلامية ودعمتها في المقاومة وفي المسار الديمقراطي التي سلكته فيما بعد ورفضت الدخول في حكومة حماس وعارضت سياسة الاستفراد والانقلاب على الشرعية حتى لو كان ذلك من أجل مقاومة الفساد والبيروقراطية.
في الواقع يعتبر حبش من الجيل المؤسس على الساحة السياسية العربية فهو قد عاصر كباب الزعامات اليسارية والقومية وأسس حركة القوميين العرب ومنظمة التحرير وشارك في المجلس الوطني الفلسطيني وأعلن من نزل الصنوبر بالجزائر مع قيادات منظمة التحرير عن قيام الدولة الفلسطينية ولكنه قاوم مسار السلام وندد مفاوضات مدريد وأوسلو وعارض كل مشاريع الانبطاح والتطبيع وقد شاركت حركته الجبهة الشعبية مع بقية القوى الوطنية والإسلامية في الداخل الفلسطيني في الانتفاضة الأولى والثانية وآمنت بالعمل الجبهوي المشترك دون إقصاء أو تمييز على أساس إيديولوجي ونادت بتوحيد جميع القوى والمنظمات تحت راية المقاومة والصمود وقد قدمت العديد من الشهداء وعلى رأسهم أبو علي مصطفى كما لايزال أحمد سعدات رهن الاعتقال الإسرائيلي بعدما تم اختطافه من سجن فلسطيني في رام الله.
إن الفكرة التي آمن بها الحكيم هي ضرورة اصطفاف كل المناضلين الوطنيين واليساريين والقوميين والإسلاميين في جبهة واحدة على يسار الصهيونية والامبريالية وان الالتزام بهذه الفكرة وترجمتها على الصعيد العملي السياسي هو طريق الأمان للنجاة من لهب هذه العولمة الاختراقية الاستيطانية.
إن الوحدة الوطنية بين كل التنويعات والحساسيات هي وحدها التي تكفل التمسك بحق العودة بالنسبة لفلسطيني الخارج وبالدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض المغتصبة وعاصمتها القدس.
جورج حبش توفي عن عمر يناهز الثمانين بعد أن ولد في مدينة اللد المحتلة منذ 1928 وقد مثل مدرسة في الثورية والأخلاق الثورية وعلم الناس كيف يكونوا ديمقراطيين وأكد لهم أن المواقع والمناصب غير مهمة في الفعل السياسي وقد قالت المناضلة ليلى خالد عند تأبينه:"أن الحكيم مثل مدرسة وجامعة لنا جميعا من أجل التمسك بحق العودة...لقد لفظ أنفاسه الأخيرة وهو يحلم بالعودة الى أرض فلسطين" وكانت الأنباء التي تأتيه في آخر حياته عن الحصار في عزة والاجتياحات في الضفة وعن الانقسام والصراع الفلسطيني الفلسطيني تقلقه وتزعجه كثيرا لأنه كان من أشد المتحمسين للوحدة والاعتصام والتكاتف وكان يرى أن الهدف واحد وبالتالي لابد أن تكون الوسيلة واحدة وفي متناول الجميع ويشارك فيها الجميع وهي تحرير فلسطين وبالتالي لا ينبغي أن يحتكر أي فصيل المشروعية النضالية لنفسه مهما كان حجمه في الساحة ومهما كان حجم الآخرين.
رحل من كان ينادي بزوال الحدود دون أن تزول الحدود التي وضعها الاستعمار ومازالت تقطع أوصال الأمة العربية.رحل نصير الفقراء والمظلومين والمستضعفين دون أن يزول الظلم ودون أن تنهزم قوى رأس المال والاحتكار والاستكبار فهل تقدر التعاليم التي بشر بها والتزم بها كامل حياته على استكمال مشروع التحرير والوحدة والتغيير والتنمية والتقدم؟
رحم الله الرجل الذي جعلنا نحب الماركسية والقومية في ذلك الوقت دون أن نكره إسلامنا ووطننا، لقد انطفئ بكل أسف نجما ظل نوره يضيء لنا الطريق لعقود فمن بعده له القدرة على إضاءة الطريق للأجيال القادمة حتى لا تتيه عن قبلتها وتفقد البوصلة؟
[1] مقابلة مع جورج حبش عام 2006 أجراها وديع عواودة نشرت في جريدة الخليج الإماراتية