فقط، فقط من عقله ليس في رأسه يشك في هذه الأيام المجنونة بأن الموقف الشعبي لمرشحي الجمهور قوي في الدولة العبرية. اذ أنّه ليس سراً انّه بدأ تراجعاً مهماً في تقييم أداء وتصرفات السياسيين وأصبح كل شيء يتعلق بالطهارة والعفة من الماضي لدي السياسيين الاسرائيليين، القيم والأخلاق والمحافظة علي النظام، باتت مصطلحات نادرة في الحياة السياسية لدي صنّاع القرار في تل أبيب. واليوم لا توجد تقريباً شخصية عامة (أو منتخب جمهور)، تم اتهامها بالفساد أو بارتكاب جرائم تقوم بالاعلان عن استقالتها بسبب هذه الاتهامات، بل يقومون (الشخصيات العامة) بالاعلان للجمهور بان تصرفاتهم كانت قانونية وكانت تصرفات طبيعية، أي أنّ الانهيار الأخلاقي في المجتمع الاسرائيلي بات صفة مميزة لدي الساسة الذين يحكمون دولة الاحتلال. مع ذلك نؤكد في هذه العجالة أنّ المشتبه فيه يتمتع بالطهارة لحين ادانته بالتهم المنسوبة اليه.
والقليل من التاريخ لن يضر..
ابراهام عوفر: في سنة 1976، شغل ابراهام عوفر منصب وزير الاسكان، وقد تم الاشتباه فيه بانه شارك في أعمال فساد مع شركة أعمال بناء (شيكون عوفديم) وتوجهه للمستشار القضائي للحكومة آنذاك القاضي اهارون باراك بان يتوقف عن ملاحقته قضائياً لم يساعده، اذ أصّر الأخير علي رفض طلبه.
وفي الثالث من كانون الثاني (يناير) من العام 1977 وجدت جثة ابراهام عوفر في سيارته بعد أن انتحر باطلاق النار علي نفسه وترك وراءه رسالة، مكتوب بها: منذ عدة أسابيع وأشهر وأنا أتعرض لحملة مسعورة، احلوا سفك دمي، واتهموني زورا اتهامات باطلة، ولا يوجد لدي أدني شك بأن الحقيقة ستخرج يوماً الي النور وهي أنني لم اختلس ولم اسرق وكل ذلك اتهامات باطلة. ولكن ليس لدي قوة بأن أتحمل ذلك أكثر. وبعد انتحاره أغلقوا الملف الذي فتحوه ضده ولم تصل الاتهامات الي المحكمة أبداً.
اسحاق رابين: بعد تلك الحادثة بعام، تم الكشف عن قضية حساب الدولار لرئيس الوزراء في ذلك الوقت اسحاق رابين. والقضية أثيرت بعد أن نشرت صحيفة (هآرتس) الاسرائيلية خبراً يشير الي امتلاك زوجته ليئة حساباً مصرفياً في أحد بنوك الولايات المتحدة الأمريكية، فتحته حينما كان زوجها يعمل سفيرا في واشنطن، مما يُعد انتهاكاًُ لقانون الرقابة علي العملات الأجنبية الذي كان مطبقاً آنذاك في الدولة العبرية، مما اجبر رابين علي الاستقالة سنة 1977.
نتنياهو وباراك وشارون: ومنذ ذلك الحين عبرت الكثير من المياه في نهر الاردن. ومكث رؤساء وزراء كثيراً في غرف التحقيق التابعة لوحدة الغش والاحتيال في مدينة يات يام الواقعة في مركز الدولة العبرية. ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تم التحقيق معه تحت طائل الانذار واجه تهم الفساد أيضا، وخضع لتحقيقات الشرطة لعدة مرات ولكنه لم يستقل وحتي لم يفكر في الاستقالة، واستمر في ادارة أعماله بشكل طبيعي حتي جاءت الانتخابات وترشح ضده ايهود باراك رئيس حزب العمل ونجح في الانتخابات وأصبح رئيساً للوزراء.
وأيضاً باراك انضم الي نادي المشبوهين وتم التحقيق معه من قبل شرطة اسرائيل بتهمة تقاضي الرشوة والتحايل علي القانون وجمع تبرعات بطرق غير مشروعة، وترك منصبه ليخلفه ارييل شارون الذي تحّول سريعاً الي مشتبه به بتلقي رشوة عن طريق ابنه جلعاد من مقاول اسرائيلي يسعي لبناء منتجع سياحي في احدي الجزر اليونانية وهي القضية التي سُميت اسرائيلياً بقضية الجزيرة اليونانية، ثم اشتبه فيه بأنّه حصل علي أموال بصورة غير قانونية من الثري اليهودي من النمسا سيريل كيرين، وبطبيعة الحال لم يستقل علي هذه الخلفية، بل استمر في ممارسة منصبه تحت التحقيق.
وعلي خلفية هذا الموضوع نذكر هنا بان ابنه عمري شارون يقبع الآن في السجن بتهمة الادلاء بشهادات كاذبة واستخدام مستندات مـــزورة في اطار قضية تمويل حملة والده الانتخابية لرئاسة الوزراء في اسرائيل.
ياسر عرفات: وبطبيعة الحال لا يمكننا المرور اليوم بدون أن نتذكر الرئيس الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات. فقد تمّ اتهام عرفات من قبل نفس الاسرائيليين، نفس القادة الذين تمّ ويتم التحقيق معهم علي مر السنين، بأنّه اختلس أموال الشعب الفلسطيني، التي وصلت عبر الدول المانحة. وهذا الموضوع لم يتم التحقيق فيه مع عرفات من قبل السلطات الفلسطينية ذات الصلة.
في هذا السياق نري لزاماً علي أنفسنا أن نتذكر أمرين هامين: الأول أنّ السلطة الفلسطينية ليست دولة. والسلطة ليست ديمقراطية كما تدعي الدولة اليهودية بمناسبة أو بغير مناسبة، والأمر الثاني أن الرئيس الشهيد عرفات يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء بأنّه لم يسكن في قصور فارهة، كما يفعل قادة السلطة الفلسطينية في رام الله المحتلة اليوم، وسيبقي في عيون الشعب الفلسطيني الزعيم التاريخي، الذي أطلق الشرارة الأولي للكفاح المسلح، ورفض التنازل عن الثوابت الفلسطينية حتي آخر أيامه، وعلي الرغم من أنّنا اختلفنا معه علي اتفاق أوسلو الذي جلب الويلات علي الشعب الفلسطيني، الا أننّا نجزم بأنّ الادعاء الصهيوني والعربي والفلسطيني بأنّه حرامي ليس له أساس البتة... فهو عاش ومات طاهراً ونقياً من أجل قضية شعبه.
ايهود اولمرت: هنا نصل الي بيت القصيد، أو بالأحري مربط الفرس: رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، فمنذ أن تم انتخابه قبل سنتين وشهرين لمنصب رئيس الوزراء كانت هناك قضية جنائية تتلو قضية، وقد تم التحقيق معه عدة مرات علي يد الشرطة وما زال تحت التحقيق حتي اللحظة.
وفي يوم احتفال اسرائيل بستين عاماً علي اقامتها علي أنقاض الشعب العربي الفلسطيني، تلقي هدية العيد وهي فتح التحقيق معه في قضية جديدة وهي قضية الثري اليهودي الأمريكي، موشي تلنسكي، وحسب شهادة تلنسكي فان اولمرت طلب منه مبالغ مالية نقدية، فسلمه مظاريف بمئات الآلاف من الدولارات.
وقد أصبح اولمرت منغمساً من أخمص قدميه حتي رأسه في الشبهات. وشعبيته انخفضت الي الصفر. ومستشاروه ما زالوا يوجهون الرسائل الي الرأي العام بأنًه يؤدي عمله كالمعتاد، وتوجد مفاوضات مع سورية وتقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين.
وفي نهاية الامر، انني لا سمح الله، لا أثق في اولمرت، أو في أي حزب من الأحزاب الصهيونية ولكنّ يعن لي التساؤل: لماذا يحافظ الاسرائيليون علي صمت أهل الكهف؟
لماذا لا يتذكرون رابين الذي استقال بسبب 200 دولار فقط؟
يمكن القول انّ الشعب في اسرائيل نائم أو انهم يقومون بعملية تنويمه مغناطيساً أو طبيعياً! الزعيم الحقيقي يظهر في ساعة الامتحان، أو كما نقول بلغتنا عند الامتحان يُكرّم المرء أو يُهان، وامتحان اولمرت يجري في هذه الأيام، واذا كان يريد الحفاظ علي الطهارة والأخلاقيات في هذه الدولة التي أشبعتنا بالتزامها بمبادئ الديمقراطية فعليه الاستقالة الآن، الآن وليس غداً.
ملاحظة: عزيزي القارئ، أجد من المناسب أن أوضح هنا أنّ هذا المقال كُتب باللغة العبرية، ولكنّ صحافة البلاط الاسرائيلية، المتطوعة لصالح ما يُسمي بالاجماع القومي الصهيوني، رفضت نشره لأسباب لا أعرفها، أو أكثر من ذلك، لا أريد أن أعرفها.
* كاتب من أسرة القدس العربي
والقليل من التاريخ لن يضر..
ابراهام عوفر: في سنة 1976، شغل ابراهام عوفر منصب وزير الاسكان، وقد تم الاشتباه فيه بانه شارك في أعمال فساد مع شركة أعمال بناء (شيكون عوفديم) وتوجهه للمستشار القضائي للحكومة آنذاك القاضي اهارون باراك بان يتوقف عن ملاحقته قضائياً لم يساعده، اذ أصّر الأخير علي رفض طلبه.
وفي الثالث من كانون الثاني (يناير) من العام 1977 وجدت جثة ابراهام عوفر في سيارته بعد أن انتحر باطلاق النار علي نفسه وترك وراءه رسالة، مكتوب بها: منذ عدة أسابيع وأشهر وأنا أتعرض لحملة مسعورة، احلوا سفك دمي، واتهموني زورا اتهامات باطلة، ولا يوجد لدي أدني شك بأن الحقيقة ستخرج يوماً الي النور وهي أنني لم اختلس ولم اسرق وكل ذلك اتهامات باطلة. ولكن ليس لدي قوة بأن أتحمل ذلك أكثر. وبعد انتحاره أغلقوا الملف الذي فتحوه ضده ولم تصل الاتهامات الي المحكمة أبداً.
اسحاق رابين: بعد تلك الحادثة بعام، تم الكشف عن قضية حساب الدولار لرئيس الوزراء في ذلك الوقت اسحاق رابين. والقضية أثيرت بعد أن نشرت صحيفة (هآرتس) الاسرائيلية خبراً يشير الي امتلاك زوجته ليئة حساباً مصرفياً في أحد بنوك الولايات المتحدة الأمريكية، فتحته حينما كان زوجها يعمل سفيرا في واشنطن، مما يُعد انتهاكاًُ لقانون الرقابة علي العملات الأجنبية الذي كان مطبقاً آنذاك في الدولة العبرية، مما اجبر رابين علي الاستقالة سنة 1977.
نتنياهو وباراك وشارون: ومنذ ذلك الحين عبرت الكثير من المياه في نهر الاردن. ومكث رؤساء وزراء كثيراً في غرف التحقيق التابعة لوحدة الغش والاحتيال في مدينة يات يام الواقعة في مركز الدولة العبرية. ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي تم التحقيق معه تحت طائل الانذار واجه تهم الفساد أيضا، وخضع لتحقيقات الشرطة لعدة مرات ولكنه لم يستقل وحتي لم يفكر في الاستقالة، واستمر في ادارة أعماله بشكل طبيعي حتي جاءت الانتخابات وترشح ضده ايهود باراك رئيس حزب العمل ونجح في الانتخابات وأصبح رئيساً للوزراء.
وأيضاً باراك انضم الي نادي المشبوهين وتم التحقيق معه من قبل شرطة اسرائيل بتهمة تقاضي الرشوة والتحايل علي القانون وجمع تبرعات بطرق غير مشروعة، وترك منصبه ليخلفه ارييل شارون الذي تحّول سريعاً الي مشتبه به بتلقي رشوة عن طريق ابنه جلعاد من مقاول اسرائيلي يسعي لبناء منتجع سياحي في احدي الجزر اليونانية وهي القضية التي سُميت اسرائيلياً بقضية الجزيرة اليونانية، ثم اشتبه فيه بأنّه حصل علي أموال بصورة غير قانونية من الثري اليهودي من النمسا سيريل كيرين، وبطبيعة الحال لم يستقل علي هذه الخلفية، بل استمر في ممارسة منصبه تحت التحقيق.
وعلي خلفية هذا الموضوع نذكر هنا بان ابنه عمري شارون يقبع الآن في السجن بتهمة الادلاء بشهادات كاذبة واستخدام مستندات مـــزورة في اطار قضية تمويل حملة والده الانتخابية لرئاسة الوزراء في اسرائيل.
ياسر عرفات: وبطبيعة الحال لا يمكننا المرور اليوم بدون أن نتذكر الرئيس الفلسطيني المرحوم ياسر عرفات. فقد تمّ اتهام عرفات من قبل نفس الاسرائيليين، نفس القادة الذين تمّ ويتم التحقيق معهم علي مر السنين، بأنّه اختلس أموال الشعب الفلسطيني، التي وصلت عبر الدول المانحة. وهذا الموضوع لم يتم التحقيق فيه مع عرفات من قبل السلطات الفلسطينية ذات الصلة.
في هذا السياق نري لزاماً علي أنفسنا أن نتذكر أمرين هامين: الأول أنّ السلطة الفلسطينية ليست دولة. والسلطة ليست ديمقراطية كما تدعي الدولة اليهودية بمناسبة أو بغير مناسبة، والأمر الثاني أن الرئيس الشهيد عرفات يشهد له الأعداء قبل الأصدقاء بأنّه لم يسكن في قصور فارهة، كما يفعل قادة السلطة الفلسطينية في رام الله المحتلة اليوم، وسيبقي في عيون الشعب الفلسطيني الزعيم التاريخي، الذي أطلق الشرارة الأولي للكفاح المسلح، ورفض التنازل عن الثوابت الفلسطينية حتي آخر أيامه، وعلي الرغم من أنّنا اختلفنا معه علي اتفاق أوسلو الذي جلب الويلات علي الشعب الفلسطيني، الا أننّا نجزم بأنّ الادعاء الصهيوني والعربي والفلسطيني بأنّه حرامي ليس له أساس البتة... فهو عاش ومات طاهراً ونقياً من أجل قضية شعبه.
ايهود اولمرت: هنا نصل الي بيت القصيد، أو بالأحري مربط الفرس: رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، فمنذ أن تم انتخابه قبل سنتين وشهرين لمنصب رئيس الوزراء كانت هناك قضية جنائية تتلو قضية، وقد تم التحقيق معه عدة مرات علي يد الشرطة وما زال تحت التحقيق حتي اللحظة.
وفي يوم احتفال اسرائيل بستين عاماً علي اقامتها علي أنقاض الشعب العربي الفلسطيني، تلقي هدية العيد وهي فتح التحقيق معه في قضية جديدة وهي قضية الثري اليهودي الأمريكي، موشي تلنسكي، وحسب شهادة تلنسكي فان اولمرت طلب منه مبالغ مالية نقدية، فسلمه مظاريف بمئات الآلاف من الدولارات.
وقد أصبح اولمرت منغمساً من أخمص قدميه حتي رأسه في الشبهات. وشعبيته انخفضت الي الصفر. ومستشاروه ما زالوا يوجهون الرسائل الي الرأي العام بأنًه يؤدي عمله كالمعتاد، وتوجد مفاوضات مع سورية وتقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين.
وفي نهاية الامر، انني لا سمح الله، لا أثق في اولمرت، أو في أي حزب من الأحزاب الصهيونية ولكنّ يعن لي التساؤل: لماذا يحافظ الاسرائيليون علي صمت أهل الكهف؟
لماذا لا يتذكرون رابين الذي استقال بسبب 200 دولار فقط؟
يمكن القول انّ الشعب في اسرائيل نائم أو انهم يقومون بعملية تنويمه مغناطيساً أو طبيعياً! الزعيم الحقيقي يظهر في ساعة الامتحان، أو كما نقول بلغتنا عند الامتحان يُكرّم المرء أو يُهان، وامتحان اولمرت يجري في هذه الأيام، واذا كان يريد الحفاظ علي الطهارة والأخلاقيات في هذه الدولة التي أشبعتنا بالتزامها بمبادئ الديمقراطية فعليه الاستقالة الآن، الآن وليس غداً.
ملاحظة: عزيزي القارئ، أجد من المناسب أن أوضح هنا أنّ هذا المقال كُتب باللغة العبرية، ولكنّ صحافة البلاط الاسرائيلية، المتطوعة لصالح ما يُسمي بالاجماع القومي الصهيوني، رفضت نشره لأسباب لا أعرفها، أو أكثر من ذلك، لا أريد أن أعرفها.
* كاتب من أسرة القدس العربي