شارون وموفاز يقرران اعدام عرفات علي طريقة وديع حداد: السم
بسام ابو شريف أحد القيادات التاريخية في حركة القوميين العرب ، ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انتخبته عضواً لمكتبها السياسي في العام 1972. واثناء زيارة لمصر برفقة ياسر عرفات صافح أبو شريف الرئيس محمد حسني مبارك. وكانت تلك هي المرة الأولي التي يصافح فيها قيادي من الجبهة الشعبية رئيساً مصرياً منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد.
تلك المصافحة التاريخية قصمت عري العلاقة الرسمية مع رفاقه، وتسببت بالتحاقه بياسر عرفات كمستشار له في العام 1987. ولم تكن تلك الانتقالة هي بداية عهد الرجل بياسر عرفات، ولكنها جعلته مقرباً من الزعيم الاسطوري للشعب الفلسطيني، وقريباً اليه لدرجة اتاحت له تأليف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (ياسر عرفات) الصادر اخيراً عن الديمقراطي في رام الله. وقد خص المؤلف القدس العربي باعادة نشره علي صفحاتها في حلقات.
والكتاب مقاربة علي عدة مستويات، ومن زوايا مختلفة، لشخصية تماهت مع شعبها، واندمجت مع قضيته بشكل غير مسبوق. انه رواية تاريخية مشوقة لحقيقة سمت الي مرتبة الأسطورة.. حقيقة اسطورية اسمها: ياسر عرفات!
كانت الساعة تشير للخامسة صباحا عندما توقفت عشرات الدبابات عند باب مكتبي وبيتي الملاصق لمكتبي، والذي لا يبعد عن مقر الرئيس ياسر عرفات أكثر من مئة متر.
راقبت من النافذة الجنود يهبطون من حاملات الجند المحمية بالدبابات الثقيلة ويتوجهون نحو مدخل مكتبي. كنت قد تركت باب المكتب مفتوحا كما هي عادتي.
وصعد الجنود المدججون بالسلاح إلي مكتبي، كانوا 150 جنديا.
وتوجه خمسون منهم نحو السطح ونصبوا أسلحتهم كما شاهدنا لاحقا ثم قرعوا باب منزلي.
فتحت الباب لأواجه بفوهات رشاشات الجنود مصوبة لرأسي فسألتهم:
ماذا تريدون؟
هاجمني أحدهم ودفعني برشاشه نحو الحائط. وانتشروا في المنزل، في كل مكان، غرفة النوم، المطبخ، الحمامات. خلعوا الستائر وجروا المقاعد واعدوا استحكاماتهم لاستخدام النوافذ مواقع لإطلاق النار، كلما حاولت التحرك داخل منزلي كان الجنود يصوبون رشاشاتهم نحوي. ومنعوني من استخدام الهاتف أو الكومبيوتر.
إلا أن زوجتي مها اندفعت نحو المكتب ونقلت الكومبيوتر المحمول للمنزل، إلا أنهم لم يمكنوها من استخدامه وقاموا بقطع الأسلاك لمنعها من استخدام الكومبيوتر.
وراح الجنود يتخذون مواقع قتالية. وطلبت من زوجتي مها أن تأخذ الهاتف الجوال وتحاول أن تطلب احد الأصدقاء الإسرائيليين رغم أن الساعة كانت السادسة صباحا.
وبالفعل قامت بالاتصال به وهو جنرال متقاعد، لحسن الحظ أن الجنرال كان صاحيا فأجاب، وفيما هي تشرح له ما يحدث اقتحم الجنود باب الحمام فقالت علي الفور الجنرال يريد التحدث للضابط. جاء الضابط وتحدث مع الجنرال وبعدها قال الضابط (اوكي) وأمر الجنود باللغة العبرية بالمغادرة وغادروا المكتب والمنزل والسطح واحدا تلو الآخر.
ونظر إلينا الضابط قائلا:
سوف تسمعون أصوات انفجارات ضخمة بعد دقائق .
ما هي إلا دقائق حتي بدأ القصف من الدبابات المحيطة بنا مستهدفا أسوار المقاطعة وميادينها (المقاطعة: مقر الرئيس ياسر عرفات ووزارة الداخلية والقيادات الأمنية في مدينة رام الله) .
انقطع التيار الكهربائي وقطعت المياه فقد قامت الدبابات والجرافات بشكل متعمد بتحطيم أعمدة الكهرباء وتفجير أنابيب المياه التي تمد الحي بما يلزمه من كهرباء وماء.
استمر العدوان الهمجي علي هذا الموال أياما وليالي طويلة روع خلالها الجنود الإسرائيليون الأطفال والنساء وكبار السن في مباني الحي التي استمروا في احتلالها ومنع أصحابها من التحرك من الغرف التي سجنوا فيها داخل منازلهم.
الدبابات تجول وتصول في كل الشوارع، وصمت الموت يهيمن علي كل البيوت والبنايات والأكواخ، حتي العصافير التي اعتادت أن تغرد كل يوم، متأرجحة علي أغصان شجرتي التين والبلوط المحيطتين بمكتبي، توقفت عن التغريد. قد تكون ارتعبت هي أيضا. وقد تكون حزينة تدمع عيونها فلا تتمكن من التغريد.
التقاط مكالمة هاتفية خطيرة
وفي تلك الايام خرجت الصحف الإسرائيلية بقصة حول اتصال هاتفي بين شارون وموفاز (سمع ـ ولا أدري كيف) تحدثا فيه حول تصفية ياسر عرفات جسدياً. طبعاً لا استغرب اطلاقا أن يكون هذا الأمر من شارون، أو أن يعمل علي تحقيقه فعلاً. لكن الأمر، حتي هذه اللحظة، يبدو بنداً من بنود الحرب النفسية. ومع ذلك يجب أن يؤخذ بجدية كاملة. فشارون مجرم محترف وشهيته للقتل مفتوحة دائماً، ولا يعير وزناً للآخرين، ولا حتي لوعوده التي أعطاها للرئيس بوش. فجنوده الآن يحتلون الطابق الذي يشغله الرئيس ياسر عرفات من بين الطوابق الثلاثة التي يتكون منها المبني. وهم يقفون وجهاً لوجه مع حرس الرئيس الشخصي. ويتبدل هؤلاء الجنود كل ست ساعات، بينما حرس الرئيس لا يتمكن من التبديل أو حتي من النوم أكثر من دقائق بين الفينة والأخري. فقد حل بهم الإعياء والتعب، والماء منع عن المقر، ولا شك أن القارئ يعلم ما هي النتائج المترتبة علي ذلك سواء كانت بالنسبة للمراحيض أو الاستحمام أو حتي الوضوء. والكهرباء مقطوعة أيضا ولا شك أن القارئ يعلم أيضا نتائج ذلك.
في الوقت الذي يتابع فيه شارون حرب التصفية الجسدية في كافة مدن الضفة الغربية بدأ يشن حربه النفسية. والسؤال هنا: ما هو الهدف الأبعد لهذه الحرب النفسية والجسدية؟
جوابي كلمة واحدة: التهجير! فشارون من أصحاب الرأي الذي يقول انه لا بد من ترحيل أعداد كبيرة من الفلسطينيين من الضفة وغزة حتي تصبح نسبة الباقين مواتية أو قريبة من نسبة المستوطنين، كي يتمكن من جلب مليون مهاجر جديد من امريكا اللاتينية.
أعلن شارون انه أنهي المرحلة الأولي من خطته لمحاربة الإرهاب في فلسطين وانه سوف يستمر في حملته لمحاربة الإرهاب بوسائل مختلفة.
ويبدو أنه قرر متابعة احتلال الريف ومداهمة القري قرية قرية وبيوتها بيتا بيتا، واعتقال أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين واغتيال النشطاء من كافة التنظيمات. وفوق هذا وذاك تدمير البنية التحتية للسلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن مقرات وأفرادا وضباطا. ومن المؤكد، كما دلت الأحداث، أن الانسحاب الذي أعلن عنه شارون، بناء علي رغبة الرئيس بوش، ما هو إلا تكتيك سياسي يستهدف امتصاص نقمة المجتمع الدولي وإرضاء الرئيس بوش. لكنه في حقيقة الأمر حول المدن والبلدات والقري الفلسطينية إلي معسكرات اعتقال والتسمية الأدق هي معسكرات تجميع Concentration Camps كما كان يسميها النازيون.
وفي الوقت ذاته تستمر حرب الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني علي الصعيد النفسي، فالتدمير والقتل والمجازر كانت دائماً وسائل شارون، لكنها لم تنجح أطلاقا في إخضاع الشعب الفلسطيني وثنيه عن الاستمرار في النضال لتحقيق أهدافه الوطنية.
لقد دفع الكثير، وعلي استعداد لأن يدفع ثمن الحرية الباهظ، فالحرية كانت دائماً باهظة الثمن. لكنها ذات ثمن أكثر بكثير من حرية أي شعب آخر لأن الغزاة هم الصهاينة الذين يتحكمون، إلي حد بعيد في قرارات الأمم المتحدة، وقد وصلت الأمور إلي حد أن شمعون بيريس (الحائز جائزة نوبل للسلام) يحاول ابتزاز دول أوروبا لمنعها من الوقوف بحزم إلي جانب الشعب الفلسطيني المعذب بقوله: تذكروا ماذا فعلتم باليهود قبل قيام دولة إسرائيل. وكذلك ايهود باراك (الذي خاض في واشنطن مفاوضات كمب ديفيد) وطابا ، والذي أعلن أمام اجتماع ايباك أمس أن إسرائيل لا تنوي ولن تقبل إزاحة المستوطنات.
أما شارون، فقد أطلق العاملين في مكتبه أمس، حينذاك ترويج فكرة ضم خمسين بالمائة من الضفة وأنه لن يتخلي عن الكنيس في أريحا أو قبر يوسف في نابلس. لكن حسابات شارون لن تأتي أكلها طالما أن الشعب الفلسطيني صامد ويتحمل كل هذه الكوارث والجرائم في سبيل نيل حريته. لأن هذا الصمود هو الذي سيحرك العوامل الإقليمية والدولية، وهي بذلك أسلحة الشعب الفلسطيني الوحيدة إضافة لصموده وتحمله. الرئيس بوش كرر موقف الولايات المتحدة من أن أساس الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط هو إقامة دولة فلسطينية، وأن تنعم إسرائيل بالأمن، وقال مفاخراً ان شارون هو رجل السلام، وان التاريخ سيثبت ذلك، والأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي سيلتقي في واشنطن بالرئيس بوش أعطي بإطلاق مبادرته إمام القمة العربية الإطار الذي يضمن الأمن والسلام لإسرائيل مع جيرانها العرب.
وما كان شارون ليشن هذا الهجوم الهمجي ليدمر ويحاصر لولا أن الإدارة الامريكية أعطته في تلك الفترة ضوءا أخضر، حمله له ديك تشيني نائب الرئيس بوش الذي زار إسرائيل في الثامن عشر من آذار (مارس) من العام 2002 وفي الثالث عشر من نيسان (ابريل) وبعد جهود أوروبية وعربية تم رفع الحصار الأول عن الرئيس ياسر عرفات وانسحبت الدبابات التي كانت تحيط بنا من كل الجهات.
وجري لقاء بين الرئيس ياسر عرفات وكولن باول وزير الخارجية الامريكي الذي حمل رسالة لشارون يطلب منه فيها الرئيس بوش إنهاء الحصار المفروض علي مقر الرئيس ياسر عرفات.