لقد أسهمت في تكييف مكونات تجارة فلسطين الخارجية وتشكل هيكلها واتجاهاتها خلال عهد الانتداب البريطاني مجموعة من العوامل الرئيسية كان على رأسها طبيعة الموارد الطبيعية والبشرية، ثم طبيعة الموقع الجغرافي لفلسطين وسط الخارطة العالمية، فالتنمية التي مرت بها فلسطين، بما في ذلك محتوى الإنتاج وشبكة المواصلات التي جرت إقامتها، يضاف إلى ذلك كله السياسة التجارية والجمركية التي انتهجتها سلطات حكومة الانتداب البريطاني، والأهداف التي سعت إلى تحقيقها.
ونشير فيما يلي إلى طبيعة التأثير الذي مارسته المحددات السابق ذكرها، وانعكاساتها على هيكل التجارة الخارجية واتجاهاتها.
أولاً- هيكل الموارد الطبيعية والبشرية وانعكاساتها:
لعبت الموارد الطبيعية في فلسطين دورها كمحدد للتطور الاقتصادي في البلاد من خلال حجم الموارد الطبيعية ونوعيتها، وما هيأته من فرص ساعدت على تطور الإنتاج الزراعي والصناعي، وتشكيل حدود التجارة الخارجية استيراداً وتصديراً في ضوء قدرات هذا الإنتاج على تأمين حاجات السوق المحلية، بالإضافة إلى تأثير حجم هذه السوق في تكييف التجارة التصديرية لبعض المنتجات التي لم تكن مجدية إلا باتساع دائرة تسويقها لتشمل الأسواق الخارجية.
1-موقع فلسطين الجغرافي:
انعكس موقع فلسطين الجغرافي المركزي (مع الأقطار العربية المحيطة بها) بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا على قيام تجارة خارجية نشيطة نسبياً، بالإضافة إلى قيام فلسطين بدور المركز لإعادة تصدير المنتجات المستوردة من جنوبي شرقي آسيا إلى أوروبا. وكانت فلسطين تقوم في عهد المماليك باستيراد التوابل واللبان والطيب عن طريق المحيط الهندي وتعيد تصديرها عبر الموانئ الفلسطينية إلى أوروبا. وكانت حتى قيام دولة اسرائيل في عام 1948 تلعب دوراً مهماً كمركز لعبور التجارة العربية إلى أوروبا. وقد قامت بخدمة كل من الأردن والعراق والسعودية، وأسهم موقعها المركزي في العالم العربي في قيام تجارة نشيطة بينها وبين الدول العربية. وازدادت أهمية فلسطين بعد حفر قناة السويس وفتحها للملاحة باعتبارها ممراً مائياًً حيوياً ربط الشرق بالغرب. وعليه فقد برز دور فلسطين كمركز تجاري دولي من كونها تقع على ملتقى الطرق التجارية في العالم، ويضاف إلى ذلك اعتبارها مركزاً لتجمع السياح والحجاج القادمين إليها لزيارة أماكنها المقدسة. وخلال الانتداب كانت موانئ فلسطين الرئيسية على البحر المتوسط تضم كلاً من حيفا ويافا وتل أبيب وعكا وغزة. وفي عام 1930 بلغ مجموع البضائع التي أفرغت في هذه الموانئ 308,558 طناً، وارتفعت أوزان هذه البضائع في عام 1939 إلى 929,541 طناً. وبلغت البضائع التي حملت من موانئ فلسطين في عام 1930 حوالي 183,212 طناً ارتفعت إلى 545,384 طناً في عام 1939
وكان ميناء يافا محطة لنزول الحجاج والسياح القادمين بحراً لزيارة الأماكن المقدسة، ولا سيما أن مدينة يافا ارتبطت بالقدس بسكة الحديد. وكان يصدر عبر ميناء حيفا اللوز والمسابح والمواد الخزفية والمنتجات السياحية المصنوعة في القدس وبيت لحم، كما تم عبرها استيراد المواد الغذائية كالدقيق والأرز والبن والخشب والفحم الحجري والبترول، بينما كانت غزة الميناء الرئيسي في فلسطين لتصدير الشعير الفلسطيني إلى الخارج، ولا سيما إلى بريطانيا، بالإضافة إلى تصدير البطيخ إلى مصر. وأما ميناء حيفا فقد اشتهر كميناء تجاري بعد افتتاح خط الحجاز الحديدي. وكان أهم الحاصلات الزراعية المصدرة عبر ميناء حيفا الحنطة والفاصوليا والسمسم والعدس والذرة وزيت الزيتون والصابون.
وكانت الأهمية النسبية لأنشطة التفريغ والتحميل للبضائع موزعة بين حيفا ويافا في عام 1930. وإذ استحوذت حيفا على ما نسبته 56% من مجمل البضائع التي تم تفريغها في الموانئ الفلسطينية فقد استحوذت يافا على ما نسبته 55% من مجمل البضائع المحملة إلى الخارج. وأما في عام 1939 فقد هيمن ميناء حيفا على بقية الموانئ الفلسطينية من حيث حجم النشاط الذي قام به، وبات يستحوذ على ما نسبته 70.3% من مجمل حركة التفريغ، وما نسبته 62.9% من مجمل حركة التحميل. وكان لإيصال خط أنابيب النفط العراقي إلى ميناء حيفا وتطوير طرق المواصلات وتحسينها، بما في ذلك مد الخط الحديدي إلى مصر وفتح الطريق الصحراوي إلى العراق عبر الأردن، أثر هام في تنشيط الحركة التجارية الداخلية والخارجية لفلسطين.
3- الموارد الطبيعية وتشكيل تركيبة التجارة الخارجية:
كان لمحدودية موارد فلسطين الطبيعية أثر في تشكيل المجال الإنتاجي، وبالتالي التصديري الفلسطيني. فقد أدت تلك الموارد التي تركزت بالدرجة الأولى على الإنتاج الزراعي ومستخرجات البحر الميت الكيماوية إلى جعل هيكل الصادرات الفلسطينية يعتمد على سلعة واحدة هي الحمضيات، بالإضافة على تصدير متواضع لمنتجات البحر الميت الكيماوية (ولا سيما البوتاس والبرومين) وبعض المواد الخام كالجلود والصوف الخام وأمعاء الماشية.
وقد انعكس ذلك على إقامة حركة متصاعدة للمستوردات لتغطية حاجات فلسطين الرئيسية من المنتجات الزراعية والصناعية .
ونتيجة لمحدودية الموارد الطبيعية وطبيعة المرحلة الإنمائية المتواضعة التي كانت عليها فلسطين في ظل الانتداب ، ومع تزايد عدد السكان وحدوث بعض التحسن في مستويات المعيشة ، فقد سجل الميزان التجاري عجزاً كبيراً ومتصاعداً ، فبعد أن تساوت قيمة الصادرات والواردات في عام 1913 بدأت الفجوة بينهما فبلغت الواردات في عام 1937 ما قيمته 15 مليون جنيه فلسطيني ، بينما بلغت قيمة الصادرات 5.8 ملايين جنيه فلسطيني فقط ، أي بعجز بلغت قيمته 9.2 ملايين جنيه فلسطيني ، وقد ارتفعت قيمة العجز التجاري أثناء الحرب العالمية الثانية إلى ما قيمته 20.6 مليون جنيه في عام 1944 و 19.5 مليون جنيه في عام 1945 و 42.8 مليون جنيه في عام 1946
ثانياً : تركيبة التجارة الخارجية والتخلف الاقتصادي :
بالإضافة إلى عامل الموارد الطبيعية المتاحة ، عكست مكونات التجارة الخارجية السلعية طبيعة الاقتصاد الفلسطيني الذي اتسم بالتخلف ، وتوزعت صادرات فلسطين خلال عهد الانتداب على الأقسام الرئيسية التالية : المنتجات الزراعية والمواد الغذائية ، والمواد الأولية والبضائع غير المصنعة ، البضائع المصنعة .
وقد سيطرت المجموعة الأولى على مكونات تجارة فلسطين التصديرية ، وراوحت مساهماتها بين ما معدله السنوي 75.2% خلال المدة الواقعة بين 1927 و 1931 وما معدله 86.3% خلال المدة الواقعة بين 1932 و 1937 ، ولعبت الحمضيات الدور الأول في قائمة الصادرات فأسهمت بما نسبته 95% من مجموع الصادرات الزراعية ، مع ملاحظة أن فلسطين كانت تصدر بالإضافة إلى الحمضيات زيت الزيتون والبطيخ الأحمر والخمور والحلويات والمربيات وعصير الفواكه والشعير والذرة في أوقات غير منتظمة ، وشملت سلع القسم الثاني الجلود الخام والمجففة والصرف الخام والكبريت ، ومنذ عام 1936 بدأت صادرات الجلود تحتل مكاناً ملحوظاً فارتفعت مساهمتها من 1.7% في عام 1934 إلى 6.5% في عام 1937 ، ويجدر ملاحظة ظهور منتجات فلسطينية جديدة على قائمة صادرات المجموعة الثانية خلال فترة الأربعينات ، وقد تركزت هذه السلع في منتجات مصفاة حيفا من البنزين والمازوت والماس المصقول ، وأدى ذلك إلى تعويض الانتكاسة التي أصابت صادرات الحمضيات الفلسطينية خلال الحرب العالمية الثانية ، وإلى ارتفاع قيمة الصادرات الفلسطينية من 5,100,000 جنيه فلسطيني في عام 1939 إلى 24,400,000 جنيه فلسطيني في عام 1946 (بلغت الصادرات النفطية منها 3,6 ملايين جنيه فلسطيني و 5,5 ملايين جنيه فلسطيني من الماس المصقول ، أو ما نسبته 37% من القيمة الإجمالية لمجموع الصادرات الفلسطينية ) .
ونتيجة لتخلف فلسطين الاقتصادي وانفتاحها على التجارة الحرة مع الدول الأجنبية بدون قيود أو سياسات تجارية وطنية بقيت صادرات القسم الثالث تمثل نسبة ضئيلة ، وقد تكونت سلع هذا القسم من الصابون ومنتجات شركة البوتاس الفلسطينية من البوتاس والبرومين منذ مطلع الثلاثينات ، ومن الأملاح المعدنية ، كما صدرت الصناعة اليهودية في فلسطين الألبسة الجاهزة والجوارب والأسنان الاصطناعية وبعض العقاقير الطبية والعطورات ومنتجات الورق وبعض الصناعات الغذائية كالبسكويت والشيكولاتة والمربيات والمشروبات الروحية وغزل القطن والخيوط والمجوهرات والإسمنت ، ونلاحظ هنا هيمنة الصناعة اليهودية على صادرات القسم الثالث ، الأمر الذي يعكس تقدم القطاع الصناعي اليهودي النسبي بالمقارنة مع القطاع الصناعي العربي في فلسطين .
وفيما يتعلق بالعجز في الميزان التجاري وتطوراته ، فقد ارتبط بالدرجة الأولى بمحدودية الموارد المتاحة وتواضع المرحلة الإنمائية المتحققة طوال عهد الانتداب البريطاني ، ولوحظ ارتباطه بزيادة عدد السكان بمعدل مرتفع ، ويضاف إلى ذلك اعتماد الإنتاج الصناعي المحلي على المواد الأولية المستوردة ، ولجوء القطاع اليهودي إلى تأمين حاجاته من خلال المستوردات .
وقد تميز الميزان التجاري بتسجيله عجزاً متواصلاً خلال المدة الواقعة بين 1927 و 1946 ، كما سجل اتجاهاً عاماً تصاعدياً من 4,1 ملايين جنيه في عام 1922 إلى 42,8 مليون جنيه في عام 1946 ، مع ملاحظة أن العجز كان يسجل تصاعداً في فترات السلم الداخلي والخارجي ، وانخفاضاً في فترات القلاقل الداخلية (كعام 1937 مثلاً) ، وفي فترات الاضطرابات الدولية (عام 1943 مثلاً ) ، وقد لعبت العوامل المتعلقة بغياب إدارة التنمية الوطنية وإحلال إدارة استعمارية محلها وما نجم عن صك الانتداب من نصوص تمييزية ضد مصلحة فلسطين دوراً في تحقيق هذا العجز .
وقد تم تمويل العجز في ميزان التجارة بفعل الصادرات غير المنظورة وتحرك رأس المال الوافد إلى فلسطين مع المهاجرين اليهود
يتبع
ونشير فيما يلي إلى طبيعة التأثير الذي مارسته المحددات السابق ذكرها، وانعكاساتها على هيكل التجارة الخارجية واتجاهاتها.
أولاً- هيكل الموارد الطبيعية والبشرية وانعكاساتها:
لعبت الموارد الطبيعية في فلسطين دورها كمحدد للتطور الاقتصادي في البلاد من خلال حجم الموارد الطبيعية ونوعيتها، وما هيأته من فرص ساعدت على تطور الإنتاج الزراعي والصناعي، وتشكيل حدود التجارة الخارجية استيراداً وتصديراً في ضوء قدرات هذا الإنتاج على تأمين حاجات السوق المحلية، بالإضافة إلى تأثير حجم هذه السوق في تكييف التجارة التصديرية لبعض المنتجات التي لم تكن مجدية إلا باتساع دائرة تسويقها لتشمل الأسواق الخارجية.
1-موقع فلسطين الجغرافي:
انعكس موقع فلسطين الجغرافي المركزي (مع الأقطار العربية المحيطة بها) بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا على قيام تجارة خارجية نشيطة نسبياً، بالإضافة إلى قيام فلسطين بدور المركز لإعادة تصدير المنتجات المستوردة من جنوبي شرقي آسيا إلى أوروبا. وكانت فلسطين تقوم في عهد المماليك باستيراد التوابل واللبان والطيب عن طريق المحيط الهندي وتعيد تصديرها عبر الموانئ الفلسطينية إلى أوروبا. وكانت حتى قيام دولة اسرائيل في عام 1948 تلعب دوراً مهماً كمركز لعبور التجارة العربية إلى أوروبا. وقد قامت بخدمة كل من الأردن والعراق والسعودية، وأسهم موقعها المركزي في العالم العربي في قيام تجارة نشيطة بينها وبين الدول العربية. وازدادت أهمية فلسطين بعد حفر قناة السويس وفتحها للملاحة باعتبارها ممراً مائياًً حيوياً ربط الشرق بالغرب. وعليه فقد برز دور فلسطين كمركز تجاري دولي من كونها تقع على ملتقى الطرق التجارية في العالم، ويضاف إلى ذلك اعتبارها مركزاً لتجمع السياح والحجاج القادمين إليها لزيارة أماكنها المقدسة. وخلال الانتداب كانت موانئ فلسطين الرئيسية على البحر المتوسط تضم كلاً من حيفا ويافا وتل أبيب وعكا وغزة. وفي عام 1930 بلغ مجموع البضائع التي أفرغت في هذه الموانئ 308,558 طناً، وارتفعت أوزان هذه البضائع في عام 1939 إلى 929,541 طناً. وبلغت البضائع التي حملت من موانئ فلسطين في عام 1930 حوالي 183,212 طناً ارتفعت إلى 545,384 طناً في عام 1939
وكان ميناء يافا محطة لنزول الحجاج والسياح القادمين بحراً لزيارة الأماكن المقدسة، ولا سيما أن مدينة يافا ارتبطت بالقدس بسكة الحديد. وكان يصدر عبر ميناء حيفا اللوز والمسابح والمواد الخزفية والمنتجات السياحية المصنوعة في القدس وبيت لحم، كما تم عبرها استيراد المواد الغذائية كالدقيق والأرز والبن والخشب والفحم الحجري والبترول، بينما كانت غزة الميناء الرئيسي في فلسطين لتصدير الشعير الفلسطيني إلى الخارج، ولا سيما إلى بريطانيا، بالإضافة إلى تصدير البطيخ إلى مصر. وأما ميناء حيفا فقد اشتهر كميناء تجاري بعد افتتاح خط الحجاز الحديدي. وكان أهم الحاصلات الزراعية المصدرة عبر ميناء حيفا الحنطة والفاصوليا والسمسم والعدس والذرة وزيت الزيتون والصابون.
وكانت الأهمية النسبية لأنشطة التفريغ والتحميل للبضائع موزعة بين حيفا ويافا في عام 1930. وإذ استحوذت حيفا على ما نسبته 56% من مجمل البضائع التي تم تفريغها في الموانئ الفلسطينية فقد استحوذت يافا على ما نسبته 55% من مجمل البضائع المحملة إلى الخارج. وأما في عام 1939 فقد هيمن ميناء حيفا على بقية الموانئ الفلسطينية من حيث حجم النشاط الذي قام به، وبات يستحوذ على ما نسبته 70.3% من مجمل حركة التفريغ، وما نسبته 62.9% من مجمل حركة التحميل. وكان لإيصال خط أنابيب النفط العراقي إلى ميناء حيفا وتطوير طرق المواصلات وتحسينها، بما في ذلك مد الخط الحديدي إلى مصر وفتح الطريق الصحراوي إلى العراق عبر الأردن، أثر هام في تنشيط الحركة التجارية الداخلية والخارجية لفلسطين.
3- الموارد الطبيعية وتشكيل تركيبة التجارة الخارجية:
كان لمحدودية موارد فلسطين الطبيعية أثر في تشكيل المجال الإنتاجي، وبالتالي التصديري الفلسطيني. فقد أدت تلك الموارد التي تركزت بالدرجة الأولى على الإنتاج الزراعي ومستخرجات البحر الميت الكيماوية إلى جعل هيكل الصادرات الفلسطينية يعتمد على سلعة واحدة هي الحمضيات، بالإضافة على تصدير متواضع لمنتجات البحر الميت الكيماوية (ولا سيما البوتاس والبرومين) وبعض المواد الخام كالجلود والصوف الخام وأمعاء الماشية.
وقد انعكس ذلك على إقامة حركة متصاعدة للمستوردات لتغطية حاجات فلسطين الرئيسية من المنتجات الزراعية والصناعية .
ونتيجة لمحدودية الموارد الطبيعية وطبيعة المرحلة الإنمائية المتواضعة التي كانت عليها فلسطين في ظل الانتداب ، ومع تزايد عدد السكان وحدوث بعض التحسن في مستويات المعيشة ، فقد سجل الميزان التجاري عجزاً كبيراً ومتصاعداً ، فبعد أن تساوت قيمة الصادرات والواردات في عام 1913 بدأت الفجوة بينهما فبلغت الواردات في عام 1937 ما قيمته 15 مليون جنيه فلسطيني ، بينما بلغت قيمة الصادرات 5.8 ملايين جنيه فلسطيني فقط ، أي بعجز بلغت قيمته 9.2 ملايين جنيه فلسطيني ، وقد ارتفعت قيمة العجز التجاري أثناء الحرب العالمية الثانية إلى ما قيمته 20.6 مليون جنيه في عام 1944 و 19.5 مليون جنيه في عام 1945 و 42.8 مليون جنيه في عام 1946
ثانياً : تركيبة التجارة الخارجية والتخلف الاقتصادي :
بالإضافة إلى عامل الموارد الطبيعية المتاحة ، عكست مكونات التجارة الخارجية السلعية طبيعة الاقتصاد الفلسطيني الذي اتسم بالتخلف ، وتوزعت صادرات فلسطين خلال عهد الانتداب على الأقسام الرئيسية التالية : المنتجات الزراعية والمواد الغذائية ، والمواد الأولية والبضائع غير المصنعة ، البضائع المصنعة .
وقد سيطرت المجموعة الأولى على مكونات تجارة فلسطين التصديرية ، وراوحت مساهماتها بين ما معدله السنوي 75.2% خلال المدة الواقعة بين 1927 و 1931 وما معدله 86.3% خلال المدة الواقعة بين 1932 و 1937 ، ولعبت الحمضيات الدور الأول في قائمة الصادرات فأسهمت بما نسبته 95% من مجموع الصادرات الزراعية ، مع ملاحظة أن فلسطين كانت تصدر بالإضافة إلى الحمضيات زيت الزيتون والبطيخ الأحمر والخمور والحلويات والمربيات وعصير الفواكه والشعير والذرة في أوقات غير منتظمة ، وشملت سلع القسم الثاني الجلود الخام والمجففة والصرف الخام والكبريت ، ومنذ عام 1936 بدأت صادرات الجلود تحتل مكاناً ملحوظاً فارتفعت مساهمتها من 1.7% في عام 1934 إلى 6.5% في عام 1937 ، ويجدر ملاحظة ظهور منتجات فلسطينية جديدة على قائمة صادرات المجموعة الثانية خلال فترة الأربعينات ، وقد تركزت هذه السلع في منتجات مصفاة حيفا من البنزين والمازوت والماس المصقول ، وأدى ذلك إلى تعويض الانتكاسة التي أصابت صادرات الحمضيات الفلسطينية خلال الحرب العالمية الثانية ، وإلى ارتفاع قيمة الصادرات الفلسطينية من 5,100,000 جنيه فلسطيني في عام 1939 إلى 24,400,000 جنيه فلسطيني في عام 1946 (بلغت الصادرات النفطية منها 3,6 ملايين جنيه فلسطيني و 5,5 ملايين جنيه فلسطيني من الماس المصقول ، أو ما نسبته 37% من القيمة الإجمالية لمجموع الصادرات الفلسطينية ) .
ونتيجة لتخلف فلسطين الاقتصادي وانفتاحها على التجارة الحرة مع الدول الأجنبية بدون قيود أو سياسات تجارية وطنية بقيت صادرات القسم الثالث تمثل نسبة ضئيلة ، وقد تكونت سلع هذا القسم من الصابون ومنتجات شركة البوتاس الفلسطينية من البوتاس والبرومين منذ مطلع الثلاثينات ، ومن الأملاح المعدنية ، كما صدرت الصناعة اليهودية في فلسطين الألبسة الجاهزة والجوارب والأسنان الاصطناعية وبعض العقاقير الطبية والعطورات ومنتجات الورق وبعض الصناعات الغذائية كالبسكويت والشيكولاتة والمربيات والمشروبات الروحية وغزل القطن والخيوط والمجوهرات والإسمنت ، ونلاحظ هنا هيمنة الصناعة اليهودية على صادرات القسم الثالث ، الأمر الذي يعكس تقدم القطاع الصناعي اليهودي النسبي بالمقارنة مع القطاع الصناعي العربي في فلسطين .
وفيما يتعلق بالعجز في الميزان التجاري وتطوراته ، فقد ارتبط بالدرجة الأولى بمحدودية الموارد المتاحة وتواضع المرحلة الإنمائية المتحققة طوال عهد الانتداب البريطاني ، ولوحظ ارتباطه بزيادة عدد السكان بمعدل مرتفع ، ويضاف إلى ذلك اعتماد الإنتاج الصناعي المحلي على المواد الأولية المستوردة ، ولجوء القطاع اليهودي إلى تأمين حاجاته من خلال المستوردات .
وقد تميز الميزان التجاري بتسجيله عجزاً متواصلاً خلال المدة الواقعة بين 1927 و 1946 ، كما سجل اتجاهاً عاماً تصاعدياً من 4,1 ملايين جنيه في عام 1922 إلى 42,8 مليون جنيه في عام 1946 ، مع ملاحظة أن العجز كان يسجل تصاعداً في فترات السلم الداخلي والخارجي ، وانخفاضاً في فترات القلاقل الداخلية (كعام 1937 مثلاً) ، وفي فترات الاضطرابات الدولية (عام 1943 مثلاً ) ، وقد لعبت العوامل المتعلقة بغياب إدارة التنمية الوطنية وإحلال إدارة استعمارية محلها وما نجم عن صك الانتداب من نصوص تمييزية ضد مصلحة فلسطين دوراً في تحقيق هذا العجز .
وقد تم تمويل العجز في ميزان التجارة بفعل الصادرات غير المنظورة وتحرك رأس المال الوافد إلى فلسطين مع المهاجرين اليهود
يتبع
عدل سابقا من قبل klna 3arab في 2008-06-16, 1:57 am عدل 1 مرات