محددات التطور الزراعي في فلسطين قبل عام 1948
يستهدف هذا الفصل تحديد الدور الذي لعبه القطاع الزراعي في الاقتصاد الفلسطيني في إطاره الكلي، وفي إطاره الثنائي ، بالنسبة إلى الاقتصاد اليهودي ، كما يستهدف التعرف على محددات تطور القطاع الزراعي، واكتشاف الأطر والقوى التي تحكمت في توجيه مسار ذلك التطور. ولذلك فإنه سيجري تحديد الأرضية التي انطلق منها النشاط الزراعي منذ مطلع عهد الانتداب البريطاني، وهيكلية هذا النشاط ( قبل الحكم البريطاني وفي بدايته ) مع مسح موجز للموارد الزراعية بجوانبه الثلاثة ( العام والعربي واليهودي) وتطور هذه الهيكلية على مدى عهد الانتداب مع إبراز التطور في الإنتاج الزراعي ، والتركيز على أهم المنتجات الزراعية التي لعبت دوراً كبيراً في مجمل النشاط الزراعي والاقتصادي.
سيجري أثناء العرض التحليلي للنشاط الزراعي وتحديد منابع تطوره والعوامل المؤثرة فيه تحديد للدور الذي لعبته إدارة الانتداب كقوة مسيطرة، والحركة الصهيونية التي اتخذت من القطاع الزراعي منطلقاً لكسب جولة الصراع الديمغرافي والاقتصادي من أجل إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين، ومن ثم يجري تحديد هيكلية الاقتصاد الزراعي اليهودي وطبيعة التطور الذي شهده والمشاكل التي واجهته.
كما أنه سيجري التعرف على هيكلية القطاع الزراعي العربي وتطور أنشطته وتحديد الكيفية التي أسهمت بها مختلف القوى الفاعلة في هذا التطور، سواء في الاتجاه الايجابي أو في اتجاه السلبي. وبالنظر إلى الدور الهام الذي لعبته الحرب العالمية الثانية في تكييف مستويات النشاط الزراعي واتجاهات نموه فإنه سيجري تحديد طبيعة هذا التأثير .
أولاً- الموارد الطبيعية:
1- الأراضي الزراعية:
تميز الاقتصاد الفلسطيني بأنه اقتصاد زراعي بالدرجة الأولى لأن حوالي ثلثي السكان اعتمدوا في معيشتهم بشكل مباشر على الزراعة، رغم أن البلاد لم تكن قد حققت الاكتفاء الذاتي في الإنتاج والاستهلاك الغذائي بصورة عامة، والحبوب بصورة خاصة . وقد تفاوتت استعمالات الأرض الفلسطينية لعوامل متعددة كان من أهمها : نوع التربة وطبوغرافية ودرجة تصريفها للمياه ، ولقد انعكس كل ذلك على معدل الدونم بالإضافة إلى الانتاج الكلي.
وقد تنوعت الأقاليم المناخية في فلسطين بين إقليم الأبيض المتوسط الرطب وشبه الرطب والإقليم الصحراوي الجاف وشبه الجاف ، وأدى ذلك في النهاية إلى تحقيق تنوع في الزراعة الطبيعية والمحاصيل الزراعية .
ورغم معاناة البيئة الطبيعية من بعض المشاكل الناجمة عن انجراف التربة وتملحها وسوء صرفها في بعض الجهات ، وعن قلة المواد العضوية والمعدنية والجفاف في الجهات الأخرى ، وعن عجز في الموازنة المائية اللازمة لإنتاج المحاصيل الزراعية ، فقد تمكن المزارع العربي من تكييف ظروف إنتاجه وفق متطلبات البيئة الطبيعية ، وتكييف البيئة حسب متطلباته ، أحياناً ، وذلك لتعلقه بالأرض وارتباطه بها ، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كفاية الإنتاج الزراعي العربي ومنافسته الإنتاج الزراعي الصهيوني .
ولقد بلغ مجموع ما شملته فلسطين من الأراضي الزراعية قبل عام 1948 حوالي 6.3 ملايين دونم ، وقدر مجموع ما امتلكه الصهيونيون من أراض زراعية في فلسطين حتى عام 1944 بنحو 0.73 مليون دونم ، أي بأقل من 10% من مساحة الأرض الزراعية ، في حين كان العرب يمتلكون أكثر من 90% منها .
وبفعل الخصائص الطبوغرافية والمناخية المتفاوتة تميزت فلسطين بإنتاج أنواع متعددة من المحاصيل الزراعية أهمها الحمضيات والحبوب والزيتون والعنب والخضر والتبغ ، وتعد الحمضيات المحصول الرئيسي للتصدير ، إذ أسهمت بما نسبته 80% من مجموع قيمة الصادرات .
وتقع معظم الأراضي الزراعية في المرتفعات الجبلية وشمال النقب حيث تعتمد الزراعة أساساً على الأمطار ، وأما المناطق السهلية الساحلية والداخلية فقد شملت مساحتها حتى أواخر عهد الانتداب ثلاثة ملايين دونم فقط من الأراضي الزراعية ، وقد تميزت هذه المناطق بوفرة مواردها المائية وانتظامها بالإضافة إلى تربتها الجيدة وإنتاجها الزراعي الوفير ، الأمر الذي جعلها مركز للتجمعات السكانية والعمرانية .
2- مصادر المياه :
كانت مصادر المياه مركز اهتمام كبير للحركة الصهيونية التي اقتنعت بأهمية الاستيلاء على مصادرها لتأمين مقومات الوطن اليهودي ، وظهرت أطماعها بشكل رسمي عام 1919 في نهر اليرموك فقدمت اقتراحاً إلى الدول العظمى برسم حدود فلسطين بحيث تجعل كل قطرة ماء تصب في داخل أراضينا على حد تعبير وايزمان ، ورفض لاقتراح بسبب الخلاف بين فرنسا وبريطانيا على حدود مناطق سيطرتهما ، ولكن امتياز روتتبرغ 1926 سمح باحتكار استخدام مياه نهر الأردن واليرموك لتوليد الطاقة الكهربائية ، وأقامت الشركة أول محطاتها في تل أور عبر ملتقى نهر الأردن باليرموك .
وقد بذلت الوكالة اليهودية جهوداً حثيثة فيما يتعلق بمسوحات مصادر المياه الفلسطينية وبلورة المشاريع المتعلقة باستغلالها لصالح الوجود الاستيطاني الصهيوني، وانتدبت لهذه الغاية في سنة 1938 أحد أكبر خبراء التربة الأمريكيين، وهو "لاودرملك" lowdermilk الذي قام بإعداد توصياته في كتابة فلسطين الأرض الواعدة plestine land promis الصادر سنة 1944. ولقد ارتكزت تلك التوصيات على مشروع " تحويل مياه نهر الأردن العلوي من حوضه الطبيعي إلى المنطقة الساحلية في فلسطين ونقلها إلى منطقة النقب بالاستيلاء على مياه نهر الحاصباني وبانياس والليطاني بالإضافة إلى نهر الدان الذي ينبع في فلسطين". ويعتقد أن توصيان هذا الخبير لعبت دوراً سياسياً في معظم المشاريع المائية التي نفذتها الحركة الصهيونية بعد قيام دولتها.
وفيما يتعلق بمصادر المياه الفلسطينية واستغلالها خلال فترة حكم الانتداب البريطاني يلاحظ ما يلي:
(أ) إن غياب إدارة وطنية للتنمية واستمرار التوترات السياسية والصراع العربي – الصهيوني على أرض فلسطين حال دون إجراء مسوحات تفصيلية لموارد المياه، ولذا فإن المعلومات كانت ناقصة أو غير دقيقة.
(ب) استعانت سلطات الانتداب بالمؤسسات الصهيونية كالجامعة العبرية، ومؤسسة رخوبوت للأبحاث الزراعية التابعة للوكالة اليهودية لإجراء بعض الدراسات والمسوحات، ولهذا بدأ تقدير انعكاساته على مصير الفائدة من هذه الدراسات ومدى الصلاحيات التي يجري وضعها بتصرف محتلف الجهات. وقد تفوقت المؤسسات اليهودية على المؤسسات العربية في هذا المجال، الأمر الذي أتاح لها المجال لانتقاء المسوحات التي كانت تجريها حكومة الانتداب وتوجيهها لخدمة متطلبات الاستيعاب اليهودي في فلسطين.
(ج) يمكن الإشارة إلى التقديرات العامة التالية التي أعدتها حكومة الانتداب وقدمتها في تقريرها إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين في تموز/يوليو 1947 حول مصادر المياه في فلسطين.
(د) يستخدم جزء من المصادر المائية المذكورة أعلاه لأغراض الزراعة (الري) والاستهلاك المدني والتجاري. وفي غياب تقدير دقيق لاستخدامات المياه فقد قدر الاستغلال السنوي بحوالي 500 مليون متر مكعب (300 مليون متر مكعب من الآبار و200 مليون متر مكعب من الأنهار والينابيع) بالإضافة إلى كمية محدودة من المياه تؤخذ من الأدوية.
(هـ) قدرت كمية المياه المتاحة للاستغلال الإضافي
ويعني ذلك أن كمية المياه المستغلة من المصادر المتاحة بلغت ما نسبته 500/2200= 22.7 % سنوياً، وذلك خلال المدة التي سيقت قيام الدولة الصهيونية في فلسطين مباشرة.
(و) أظهر نمط الاستغلال المائي لأغراض الري تركزاً حول المشاريع الخاصة لا حول المشاريع العامة، كما أظهر عدم استنفاذ لرصيد المياه المتاح، الأمر الذي أتاح الفرصة للتوسع في أماكن مختلفة رغم ضيق المجال في بعض المناطق، وساد الاعتقاد بوفرة المياه الجوفية التي تفتح المجال لري ما بين 200.000 و300.000 دونم.
(ز) استناداً إلى المعلومات والمسوحات التي توافرت في عام 1947 فقد كان بالإمكان تحقيق التنمية الزراعية في إطار التوسع التالي
مساحة الأرض التي يمكن ريها في ظل ظروف فلسطين بالدونم
الحالية (عام 1947) وهيكل التكلفة 750,000
مساحات يمكن ريها في ظل ظروف غير طبيعية من التكلفة 500,000
مجموع المساحات الجديدة الممكن ريها 1,250,000
المساحات الحالية المروية 500,000
(ح) هناك مؤشرات على مقاومة اليهود لاستكمال التشريعات المنظمة لاستعمالات المياه وإصدارها ، ورغم ذلك فقد صدر تشريع مائي في 19/6/1947 تضمن ثلاثة عناصر رئيسة : تمكين الحكومة من الحصول على موارد المياه الجوفية في فلسطين ، تمكين المفوض الأعلى للمياه من إعلان بعض المناطق خاضعة للرقابة المائية ، تنظيم أعمال تمديد شبكات الري عبر أراضي الغير .
(ط) لم تخصص سلطات الانتداب أية مبالغ مالية ملحوظة لإنشاء دائرة لتطوير المياه والري ، وقد اعترفت بذلك اللجنة التي عينتها الحكومة عام 1940 لوضع برنامج عام لتنمية مصادر المياه يجري تمويله من صندوق تنمية المستعمرات ، وأشارت اللجنة إلى أن تمويل مثل هذا البرنامج يستدعي تخصيص كامل موارد هذا الصندوق ، وأنه لن يترك شيئاً للقطاعات الأخرى كالصحة العامة والتعليم ، وأكدت في الوقت نفسه أهمية إصدار تشريع مائي (أشير إليه سابقاً إذ لم يصدر إلا عام 1947م) .
(ي) تم إنشاء مصلحة للري والصرافة بإشراف المفوض المائي ، وبدأت بممارسة أعمالها بنشاط في عام 1942 ، وقامت بالدراسات والمسوحات والقياسات اللازمة للمياه ، رغم تأثر أعمالها بالحرب وعدم انتظام أنشطتها بسبب ذلك .
يتبع
يستهدف هذا الفصل تحديد الدور الذي لعبه القطاع الزراعي في الاقتصاد الفلسطيني في إطاره الكلي، وفي إطاره الثنائي ، بالنسبة إلى الاقتصاد اليهودي ، كما يستهدف التعرف على محددات تطور القطاع الزراعي، واكتشاف الأطر والقوى التي تحكمت في توجيه مسار ذلك التطور. ولذلك فإنه سيجري تحديد الأرضية التي انطلق منها النشاط الزراعي منذ مطلع عهد الانتداب البريطاني، وهيكلية هذا النشاط ( قبل الحكم البريطاني وفي بدايته ) مع مسح موجز للموارد الزراعية بجوانبه الثلاثة ( العام والعربي واليهودي) وتطور هذه الهيكلية على مدى عهد الانتداب مع إبراز التطور في الإنتاج الزراعي ، والتركيز على أهم المنتجات الزراعية التي لعبت دوراً كبيراً في مجمل النشاط الزراعي والاقتصادي.
سيجري أثناء العرض التحليلي للنشاط الزراعي وتحديد منابع تطوره والعوامل المؤثرة فيه تحديد للدور الذي لعبته إدارة الانتداب كقوة مسيطرة، والحركة الصهيونية التي اتخذت من القطاع الزراعي منطلقاً لكسب جولة الصراع الديمغرافي والاقتصادي من أجل إقامة الدولة الصهيونية في فلسطين، ومن ثم يجري تحديد هيكلية الاقتصاد الزراعي اليهودي وطبيعة التطور الذي شهده والمشاكل التي واجهته.
كما أنه سيجري التعرف على هيكلية القطاع الزراعي العربي وتطور أنشطته وتحديد الكيفية التي أسهمت بها مختلف القوى الفاعلة في هذا التطور، سواء في الاتجاه الايجابي أو في اتجاه السلبي. وبالنظر إلى الدور الهام الذي لعبته الحرب العالمية الثانية في تكييف مستويات النشاط الزراعي واتجاهات نموه فإنه سيجري تحديد طبيعة هذا التأثير .
أولاً- الموارد الطبيعية:
1- الأراضي الزراعية:
تميز الاقتصاد الفلسطيني بأنه اقتصاد زراعي بالدرجة الأولى لأن حوالي ثلثي السكان اعتمدوا في معيشتهم بشكل مباشر على الزراعة، رغم أن البلاد لم تكن قد حققت الاكتفاء الذاتي في الإنتاج والاستهلاك الغذائي بصورة عامة، والحبوب بصورة خاصة . وقد تفاوتت استعمالات الأرض الفلسطينية لعوامل متعددة كان من أهمها : نوع التربة وطبوغرافية ودرجة تصريفها للمياه ، ولقد انعكس كل ذلك على معدل الدونم بالإضافة إلى الانتاج الكلي.
وقد تنوعت الأقاليم المناخية في فلسطين بين إقليم الأبيض المتوسط الرطب وشبه الرطب والإقليم الصحراوي الجاف وشبه الجاف ، وأدى ذلك في النهاية إلى تحقيق تنوع في الزراعة الطبيعية والمحاصيل الزراعية .
ورغم معاناة البيئة الطبيعية من بعض المشاكل الناجمة عن انجراف التربة وتملحها وسوء صرفها في بعض الجهات ، وعن قلة المواد العضوية والمعدنية والجفاف في الجهات الأخرى ، وعن عجز في الموازنة المائية اللازمة لإنتاج المحاصيل الزراعية ، فقد تمكن المزارع العربي من تكييف ظروف إنتاجه وفق متطلبات البيئة الطبيعية ، وتكييف البيئة حسب متطلباته ، أحياناً ، وذلك لتعلقه بالأرض وارتباطه بها ، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع كفاية الإنتاج الزراعي العربي ومنافسته الإنتاج الزراعي الصهيوني .
ولقد بلغ مجموع ما شملته فلسطين من الأراضي الزراعية قبل عام 1948 حوالي 6.3 ملايين دونم ، وقدر مجموع ما امتلكه الصهيونيون من أراض زراعية في فلسطين حتى عام 1944 بنحو 0.73 مليون دونم ، أي بأقل من 10% من مساحة الأرض الزراعية ، في حين كان العرب يمتلكون أكثر من 90% منها .
وبفعل الخصائص الطبوغرافية والمناخية المتفاوتة تميزت فلسطين بإنتاج أنواع متعددة من المحاصيل الزراعية أهمها الحمضيات والحبوب والزيتون والعنب والخضر والتبغ ، وتعد الحمضيات المحصول الرئيسي للتصدير ، إذ أسهمت بما نسبته 80% من مجموع قيمة الصادرات .
وتقع معظم الأراضي الزراعية في المرتفعات الجبلية وشمال النقب حيث تعتمد الزراعة أساساً على الأمطار ، وأما المناطق السهلية الساحلية والداخلية فقد شملت مساحتها حتى أواخر عهد الانتداب ثلاثة ملايين دونم فقط من الأراضي الزراعية ، وقد تميزت هذه المناطق بوفرة مواردها المائية وانتظامها بالإضافة إلى تربتها الجيدة وإنتاجها الزراعي الوفير ، الأمر الذي جعلها مركز للتجمعات السكانية والعمرانية .
2- مصادر المياه :
كانت مصادر المياه مركز اهتمام كبير للحركة الصهيونية التي اقتنعت بأهمية الاستيلاء على مصادرها لتأمين مقومات الوطن اليهودي ، وظهرت أطماعها بشكل رسمي عام 1919 في نهر اليرموك فقدمت اقتراحاً إلى الدول العظمى برسم حدود فلسطين بحيث تجعل كل قطرة ماء تصب في داخل أراضينا على حد تعبير وايزمان ، ورفض لاقتراح بسبب الخلاف بين فرنسا وبريطانيا على حدود مناطق سيطرتهما ، ولكن امتياز روتتبرغ 1926 سمح باحتكار استخدام مياه نهر الأردن واليرموك لتوليد الطاقة الكهربائية ، وأقامت الشركة أول محطاتها في تل أور عبر ملتقى نهر الأردن باليرموك .
وقد بذلت الوكالة اليهودية جهوداً حثيثة فيما يتعلق بمسوحات مصادر المياه الفلسطينية وبلورة المشاريع المتعلقة باستغلالها لصالح الوجود الاستيطاني الصهيوني، وانتدبت لهذه الغاية في سنة 1938 أحد أكبر خبراء التربة الأمريكيين، وهو "لاودرملك" lowdermilk الذي قام بإعداد توصياته في كتابة فلسطين الأرض الواعدة plestine land promis الصادر سنة 1944. ولقد ارتكزت تلك التوصيات على مشروع " تحويل مياه نهر الأردن العلوي من حوضه الطبيعي إلى المنطقة الساحلية في فلسطين ونقلها إلى منطقة النقب بالاستيلاء على مياه نهر الحاصباني وبانياس والليطاني بالإضافة إلى نهر الدان الذي ينبع في فلسطين". ويعتقد أن توصيان هذا الخبير لعبت دوراً سياسياً في معظم المشاريع المائية التي نفذتها الحركة الصهيونية بعد قيام دولتها.
وفيما يتعلق بمصادر المياه الفلسطينية واستغلالها خلال فترة حكم الانتداب البريطاني يلاحظ ما يلي:
(أ) إن غياب إدارة وطنية للتنمية واستمرار التوترات السياسية والصراع العربي – الصهيوني على أرض فلسطين حال دون إجراء مسوحات تفصيلية لموارد المياه، ولذا فإن المعلومات كانت ناقصة أو غير دقيقة.
(ب) استعانت سلطات الانتداب بالمؤسسات الصهيونية كالجامعة العبرية، ومؤسسة رخوبوت للأبحاث الزراعية التابعة للوكالة اليهودية لإجراء بعض الدراسات والمسوحات، ولهذا بدأ تقدير انعكاساته على مصير الفائدة من هذه الدراسات ومدى الصلاحيات التي يجري وضعها بتصرف محتلف الجهات. وقد تفوقت المؤسسات اليهودية على المؤسسات العربية في هذا المجال، الأمر الذي أتاح لها المجال لانتقاء المسوحات التي كانت تجريها حكومة الانتداب وتوجيهها لخدمة متطلبات الاستيعاب اليهودي في فلسطين.
(ج) يمكن الإشارة إلى التقديرات العامة التالية التي أعدتها حكومة الانتداب وقدمتها في تقريرها إلى لجنة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين في تموز/يوليو 1947 حول مصادر المياه في فلسطين.
(د) يستخدم جزء من المصادر المائية المذكورة أعلاه لأغراض الزراعة (الري) والاستهلاك المدني والتجاري. وفي غياب تقدير دقيق لاستخدامات المياه فقد قدر الاستغلال السنوي بحوالي 500 مليون متر مكعب (300 مليون متر مكعب من الآبار و200 مليون متر مكعب من الأنهار والينابيع) بالإضافة إلى كمية محدودة من المياه تؤخذ من الأدوية.
(هـ) قدرت كمية المياه المتاحة للاستغلال الإضافي
ويعني ذلك أن كمية المياه المستغلة من المصادر المتاحة بلغت ما نسبته 500/2200= 22.7 % سنوياً، وذلك خلال المدة التي سيقت قيام الدولة الصهيونية في فلسطين مباشرة.
(و) أظهر نمط الاستغلال المائي لأغراض الري تركزاً حول المشاريع الخاصة لا حول المشاريع العامة، كما أظهر عدم استنفاذ لرصيد المياه المتاح، الأمر الذي أتاح الفرصة للتوسع في أماكن مختلفة رغم ضيق المجال في بعض المناطق، وساد الاعتقاد بوفرة المياه الجوفية التي تفتح المجال لري ما بين 200.000 و300.000 دونم.
(ز) استناداً إلى المعلومات والمسوحات التي توافرت في عام 1947 فقد كان بالإمكان تحقيق التنمية الزراعية في إطار التوسع التالي
مساحة الأرض التي يمكن ريها في ظل ظروف فلسطين بالدونم
الحالية (عام 1947) وهيكل التكلفة 750,000
مساحات يمكن ريها في ظل ظروف غير طبيعية من التكلفة 500,000
مجموع المساحات الجديدة الممكن ريها 1,250,000
المساحات الحالية المروية 500,000
(ح) هناك مؤشرات على مقاومة اليهود لاستكمال التشريعات المنظمة لاستعمالات المياه وإصدارها ، ورغم ذلك فقد صدر تشريع مائي في 19/6/1947 تضمن ثلاثة عناصر رئيسة : تمكين الحكومة من الحصول على موارد المياه الجوفية في فلسطين ، تمكين المفوض الأعلى للمياه من إعلان بعض المناطق خاضعة للرقابة المائية ، تنظيم أعمال تمديد شبكات الري عبر أراضي الغير .
(ط) لم تخصص سلطات الانتداب أية مبالغ مالية ملحوظة لإنشاء دائرة لتطوير المياه والري ، وقد اعترفت بذلك اللجنة التي عينتها الحكومة عام 1940 لوضع برنامج عام لتنمية مصادر المياه يجري تمويله من صندوق تنمية المستعمرات ، وأشارت اللجنة إلى أن تمويل مثل هذا البرنامج يستدعي تخصيص كامل موارد هذا الصندوق ، وأنه لن يترك شيئاً للقطاعات الأخرى كالصحة العامة والتعليم ، وأكدت في الوقت نفسه أهمية إصدار تشريع مائي (أشير إليه سابقاً إذ لم يصدر إلا عام 1947م) .
(ي) تم إنشاء مصلحة للري والصرافة بإشراف المفوض المائي ، وبدأت بممارسة أعمالها بنشاط في عام 1942 ، وقامت بالدراسات والمسوحات والقياسات اللازمة للمياه ، رغم تأثر أعمالها بالحرب وعدم انتظام أنشطتها بسبب ذلك .
يتبع