ارتبط التطور الصناعي في فلسطين خلال مرحلة حكم الانتداب البريطاني بمجموعة من العوامل لعبت دوراً رئيساً في تحديد اتجاهاته العامة وتمثلت أولاً في حجم الموارد الطبيعية والبشرية التي توفرت للاقتصاد الفلسطيني ونوعيتها ، وقد تميزت الموارد الطبيعية ، سواء ما تعلق منها بالنشاط الزراعي أو بالنشاط الصناعي ، بضعفها العام ، على مستوى مصادر الطاقة والمواد الخام اللازمة للصناعة وعلى مستوى تنوع هذه المصادر ووفرتها ، يضاف إلى ذلك صغر حجم الأسواق الفلسطينية ، وأما بالنسبة للموارد البشرية فقد تحكمت إلى حد بعيد في بلورة مسارات التطور الصناعي العربي واليهودي تبعاً لنوعية هذه الموارد ومستوى تأهيلها ، ومن هنا فقد لعبت الهجرة اليهودية إلى فلسطين دوراً بارزاً في قيادة التطور الصناعي اليهودي وأسهمت في تأمين مجموعة العوامل اللازمة لتدعيم فرص نموه ، تمثلت هذه العوامل في الخبرات الصناعية المتراكمة وما صاحبها من تدفق رأس المال اليهودي الذي كان يبحث عن مجال للاستثمار الآمن في الرقعة التي خطط لها أن تكون ملاذاً للتجمع اليهودي العالمي ، يضاف إلى ذلك ما وفرته تلك الهجرة من توسيع لدائرة السوق المستهلكة للإنتاج الصناعي اليهودي .
وقد ارتبطت عوامل النمو الصناعي أيضاً بمجموعة الأطر السياسية والقانونية والمؤسسية ، بدءاً بالأرضية التي خلفتها السياسة العثمانية التي لم تسع لتوفير فرص النمو الصناعي لفلسطين وبالوضع الصناعي الذي كان قائماً في نهاية الحرب العالمية الأولى ومتسماً بالتخلف الشديد، وانتهاء بسياسات سلطات الانتداب وتشريعاتها المالية والتجارية والصناعية الإدارية الهادفة إلى تنمية الصناعة اليهودية وتسهيل ازدهارها بإضعاف الصناعة العربية والعمل على ضمورها .
ولعبت المؤسسات الصهيونية كذلك دوراً كبيراً في تأمين الدعم اللازم للصناعة اليهودية في فلسطين ، ولا سيما في المجال التمويلي ، ونظراً لخضوع التطور الصناعي الفلسطيني لتأثير الحقب الزمنية المتعاقبة بما رافقها من ظروف ، ولا سيما حقيقتين أساسيتين هما حقبة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وحقبة الحرب العالمية الثانية، فقد رئي إجراء العرض التحليلي للتطور الصناعي الفلسطيني وفق المراحل الأساسية التي تبدأ بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى ومطلع حكم الانتداب البريطاني وتمر بمرحلة ما بين الحربين العالمييتن ، ثم بمرحلة الحرب العالمية الثانية تليها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى قيام الدولة اليهودية .
وبعد عرض التطور الصناعي العام حسب تلك المراحل الزمنية ومؤثراتها العامة يجري تحليل للعوامل المؤاتية والأخرى المعوقة للنمو الصناعي العربي واليهودي والفوارق الأساسية في اتجاهات التطور لكل منها .
أولاً : خلاصة الوضع الصناعي في مطلع حكم الانتداب البريطاني :
لم تشهد فلسطين حتى مطلع حكم الانتداب البريطاني وجود قطاع صناعي بالمفهوم والمقاييس العصرية الحديثة ، فقد كان المجتمع الفلسطيني مجتمعاً زراعياً ريفياً اتسمت فيه مجموعة الصناعات التي أمكن إقامتها بأنها صناعات صغيرة حرفية عائلية أنشئت في ظل حاجات المجتمع القروي بدءاً بالعائلة الريفية ، واعتمدت بالدرجة الأولى على المواد الأولية المتوفرة محلياً ، وحاولت تلبية بعض الحاجات التي ولدتها متطلبات العائلة أو القرية .
وعليه فقد كانت الصناعات المنتشرة في فلسطين منذ مطلع هذا القرن من الصناعات التحويلية التي تعتمد على تصنيع الإنتاج الزراعي كطحن الحبوب واستخراج الزيوت النباتية وبعض الصناعات الكيماوية المستندة إلى الإنتاج الزراعي كصناعة الصابون ، بالإضافة إلى مجموعة الصناعات التي تشكل حاجة أساسية لكل المجتمعات الريفية الزراعية كالنسيج ودباغة الجلود والحدادة والصناعات الخشبية .
ولم يتضح وجود ميزة صناعية لفلسطين بالمقارنة مع البلدان المجاورة ، فقد كان معظم الإنتاج الصناعي يستهلك محلياً ، باستثناء صناعة الصابون التي كانت تصدر إلى الأقطار المجاورة ، ولا سيما مصر والعراق .
ومن المفيد التعرف على مجموعة الصناعات التي أقيمت في فلسطين خلال المرحلة السابق ذكرها ، وهي كما يلي :-
1. صناعة الطحين :
كانت مطاحن فلسطين في معظمها يدوية أو تدار بقوة الماء وأما المطاحن الآلية فقد كانت في المدن وحدها منذ عام 1912 ، فكان منها 10 مطاحن آلية في يافا معظمها للدقيق، والقليل منها لصناعة المعكرونة .
2. استخراج الزيوت :
كانت معظم المعاصر خشبية تدار بالطاقة الحيوانية ، ويدار بعضها بقوة المياه ، وكانت هناك معامل لاستخراج زيت الزيتون وزيت السمسم ، وبلغ إنتاج المعامل الصغيرة بين 150 و 200 كغ/يومياً تقريباً والمعامل الكبيرة بين 2000 و 3000 كغ/يومياً ، كما قدر الإنتاج السنوي بحوالي 7000 طن .
3. صناعة الصابون :
اشتهرت بها نابلس بالدرجة الأولى وكان فيها 30 مصنعاً تلتها في الشهرة مدينتا حيفا ويافا ، وقد قدر الإنتاج لمعامل نابلس قبل الحرب العالمية الأولى ما بين 500 و 1000 طن ، ومعامل حيفا بـ 300 طن ، ومعامل يافا بما بين 200 و 300 طن وبلغت قيمة صادرات الصابون في عام 1913 حوالي 200.000 جنيه ، وقد تم إدخال بعض الوسائل الحديثة على هذه الصناعة في مطلع القرن العشرين بواسطة شركة يهودية روسية كانت تنتج 200 طن سنوياً .
4. صناعة المشروبات الروحية :
أدخل اليهود هذه الصناعة إلى فلسطين ، وكان معظم إنتاجها للتصدير ، وقد تركزت هذه الصناعة في مدينة الخليل وكانت عمليات تصنيعها أول الأمر بدائية .
يتبع
وقد ارتبطت عوامل النمو الصناعي أيضاً بمجموعة الأطر السياسية والقانونية والمؤسسية ، بدءاً بالأرضية التي خلفتها السياسة العثمانية التي لم تسع لتوفير فرص النمو الصناعي لفلسطين وبالوضع الصناعي الذي كان قائماً في نهاية الحرب العالمية الأولى ومتسماً بالتخلف الشديد، وانتهاء بسياسات سلطات الانتداب وتشريعاتها المالية والتجارية والصناعية الإدارية الهادفة إلى تنمية الصناعة اليهودية وتسهيل ازدهارها بإضعاف الصناعة العربية والعمل على ضمورها .
ولعبت المؤسسات الصهيونية كذلك دوراً كبيراً في تأمين الدعم اللازم للصناعة اليهودية في فلسطين ، ولا سيما في المجال التمويلي ، ونظراً لخضوع التطور الصناعي الفلسطيني لتأثير الحقب الزمنية المتعاقبة بما رافقها من ظروف ، ولا سيما حقيقتين أساسيتين هما حقبة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية وحقبة الحرب العالمية الثانية، فقد رئي إجراء العرض التحليلي للتطور الصناعي الفلسطيني وفق المراحل الأساسية التي تبدأ بمرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى ومطلع حكم الانتداب البريطاني وتمر بمرحلة ما بين الحربين العالمييتن ، ثم بمرحلة الحرب العالمية الثانية تليها مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى قيام الدولة اليهودية .
وبعد عرض التطور الصناعي العام حسب تلك المراحل الزمنية ومؤثراتها العامة يجري تحليل للعوامل المؤاتية والأخرى المعوقة للنمو الصناعي العربي واليهودي والفوارق الأساسية في اتجاهات التطور لكل منها .
أولاً : خلاصة الوضع الصناعي في مطلع حكم الانتداب البريطاني :
لم تشهد فلسطين حتى مطلع حكم الانتداب البريطاني وجود قطاع صناعي بالمفهوم والمقاييس العصرية الحديثة ، فقد كان المجتمع الفلسطيني مجتمعاً زراعياً ريفياً اتسمت فيه مجموعة الصناعات التي أمكن إقامتها بأنها صناعات صغيرة حرفية عائلية أنشئت في ظل حاجات المجتمع القروي بدءاً بالعائلة الريفية ، واعتمدت بالدرجة الأولى على المواد الأولية المتوفرة محلياً ، وحاولت تلبية بعض الحاجات التي ولدتها متطلبات العائلة أو القرية .
وعليه فقد كانت الصناعات المنتشرة في فلسطين منذ مطلع هذا القرن من الصناعات التحويلية التي تعتمد على تصنيع الإنتاج الزراعي كطحن الحبوب واستخراج الزيوت النباتية وبعض الصناعات الكيماوية المستندة إلى الإنتاج الزراعي كصناعة الصابون ، بالإضافة إلى مجموعة الصناعات التي تشكل حاجة أساسية لكل المجتمعات الريفية الزراعية كالنسيج ودباغة الجلود والحدادة والصناعات الخشبية .
ولم يتضح وجود ميزة صناعية لفلسطين بالمقارنة مع البلدان المجاورة ، فقد كان معظم الإنتاج الصناعي يستهلك محلياً ، باستثناء صناعة الصابون التي كانت تصدر إلى الأقطار المجاورة ، ولا سيما مصر والعراق .
ومن المفيد التعرف على مجموعة الصناعات التي أقيمت في فلسطين خلال المرحلة السابق ذكرها ، وهي كما يلي :-
1. صناعة الطحين :
كانت مطاحن فلسطين في معظمها يدوية أو تدار بقوة الماء وأما المطاحن الآلية فقد كانت في المدن وحدها منذ عام 1912 ، فكان منها 10 مطاحن آلية في يافا معظمها للدقيق، والقليل منها لصناعة المعكرونة .
2. استخراج الزيوت :
كانت معظم المعاصر خشبية تدار بالطاقة الحيوانية ، ويدار بعضها بقوة المياه ، وكانت هناك معامل لاستخراج زيت الزيتون وزيت السمسم ، وبلغ إنتاج المعامل الصغيرة بين 150 و 200 كغ/يومياً تقريباً والمعامل الكبيرة بين 2000 و 3000 كغ/يومياً ، كما قدر الإنتاج السنوي بحوالي 7000 طن .
3. صناعة الصابون :
اشتهرت بها نابلس بالدرجة الأولى وكان فيها 30 مصنعاً تلتها في الشهرة مدينتا حيفا ويافا ، وقد قدر الإنتاج لمعامل نابلس قبل الحرب العالمية الأولى ما بين 500 و 1000 طن ، ومعامل حيفا بـ 300 طن ، ومعامل يافا بما بين 200 و 300 طن وبلغت قيمة صادرات الصابون في عام 1913 حوالي 200.000 جنيه ، وقد تم إدخال بعض الوسائل الحديثة على هذه الصناعة في مطلع القرن العشرين بواسطة شركة يهودية روسية كانت تنتج 200 طن سنوياً .
4. صناعة المشروبات الروحية :
أدخل اليهود هذه الصناعة إلى فلسطين ، وكان معظم إنتاجها للتصدير ، وقد تركزت هذه الصناعة في مدينة الخليل وكانت عمليات تصنيعها أول الأمر بدائية .
يتبع